التوتر بين الصين و"إسرائيل"... التحول في العلاقات مع التغيرات الجيوسياسية

تأثرت العلاقات بين الصين و"إسرائيل" بالضغوط الأميركية لمنع التقارب بين بكين و"تل أبيب". وتوترت العلاقات أكثر بسبب موقف الصين من حرب غزة وتشددها تجاه "إسرائيل".

  • التوتر بين الصين و
    التوتر بين الصين و"إسرائيل"... التحول في العلاقات مع التغيرات الجيوسياسية

قبل عدة أسابيع زار النائب في الكنيست الإسرائيلي بوعاز توبوروفسكي تايوان، وأشار بعد لقائه الرئيس التايواني، لاي تشينغ تي، "أنه في الوقت الذي تتخلى فيه دول كثيرة عن "إسرائيل"، من واجبنا أن نتذكر من هم أصدقاؤنا الحقيقيون، وأن نقف إلى جانبهم كما يقفون إلى جانبنا". 

يعكس تصريح المسؤول الإسرائيلي حجم امتعاض "إسرائيل" من الصين التي لم تقف إلى جانبها في حرب غزة. كما يشير إلى المستوى الذي وصلت إليه العلاقات الإسرائيلية الصينية ولا سيما مع الإشادة الإسرائيلية بتايوان في محاولة لاستفزاز الصين بسبب موقفها الداعم للقضية الفلسطينية والانتقادات التي وجهتها بكين لـ"تل أبيب" بسبب مجازرها في قطاع غزة ، ودعمها لخصوم "إسرائيل".

خلال العام 2023، وجهت الصين دعوى إلى رئيس وزراء الكيان الصهيوني، بنيامين نتنياهو، لزيارتها وكان من المتوقع أن تحصل الزيارة قبل نهاية ذلك العام، إلا أن عملية طوفان الأقصى غيرت الحسابات ولم يزرْ نتنياهو الصين منذ ذلك الوقت. 

لقد كان من شأن الزيارة لو تمت فعلاً أن تؤدي إلى تعزيز العلاقات بين الجانبين وتوقيع العديد من الاتفاقيات،  إلا أنه منذ عملية طوفان الأقصى أخذت التوترات تخيم على العلاقات الصينية الإسرائيلية حتى وصلت إلى ذروتها خلال الأسابيع الأخيرة.

على مدى أكثر من ثلاثة عقود، عززت بكين و"تل أبيب" علاقاتهما الاقتصادية والتجارية والتكنولوجية، وتدفقت الاستثمارات الصينية إلى "إسرائيل"، إلا أن هذا التقارب لم يعجب واشنطن، الحليف الأساسي لـ"إسرائيل"، ولا سيما بعد تولي الرئيس الأميركي دونالد ترامب رئاسته الأولى عام 2017، فكثفت أميركا ضغوطها على "إسرائيل" للابتعاد عن الصين، والحد من الاستثمارات الصينية فيها ولا سيما في مجال البنى التحتية، وتقييد نقل التكنولوجيا إلى الصين خاصة في المجالات الحساسة مثل أشباه الموصلات، والذكاء الاصطناعي، وتقنيات الدفاع التي قد تعزز القدرات العسكرية الصينية.

وبالفعل نجحت الضغوط الأميركية على "إسرائيل" في إلغاء الأخيرة بعض الصفقات مع الصين. مثلاً في العام 2020، مُنعت الصين من الحصول على استثمارات في شبكة الجيل الخامس الإسرائيلية، وأثمرت الضغوط الأميركية أيضاً انخفاض صادرات "إسرائيل" من أشباه الموصلات إلى الصين في حين تقلصت أيضاً صادرات أشباه الموصلات الصينية إلى "إسرائيل".

ومع تزايد المخاوف الأميركية بشأن وصول الصين إلى التكنولوجيا الإسرائيلية، في ظل القيود الأميركية المفروضة على الصين لمنع حصولها على التكنولوجيا المتقدمة التي قد تعزز من قدراتها العسكرية، أنشأت واشنطن آليات حوار جديدة مع "إسرائيل" تركز تحديداً على التعاون التكنولوجي والسياسي مع الصين.

بشكل عام تأثرت العلاقات بين الصين و"إسرائيل" بالضغوط الأميركية لمنع التقارب بين بكين و"تل أبيب". وتوترت العلاقات أكثر بسبب موقف الصين من حرب غزة وتشددها تجاه "إسرائيل". فبكين لم تُدِن حركة حماس، واتهمت"إسرائيل" بممارسة العقاب الجماعي والتهجير القسري وعززت خطابها المؤيد للفلسطينيين، وأيضاً بسبب دعم الصين لإيران بعد العدوان الإسرائيلي الأميركي عليها واتهام "تل أبيب" بتهديد الاستقرار في المنطقة.

شهدت الأسابيع الأخيرة توتراً كبيراً في العلاقات بين "إسرائيل" والصين لم يشهده الجانبان منذ إقامة العلاقات الدبلوماسية بينهما في العام 1992، إذ وصل التوتر إلى حد اتهام بنيامين نتنياهو الصين وقطر بفرض حصار إعلامي على "إسرائيل".

 وتصريحات رئيس الوزراء الإسرائيلي قابلها استنكار شديد من الصين التي اعتبرتها لا أساس لها من الصحة وتضر بالعلاقات الصينية الإسرائيلية و" إلقاء اللوم على الأصوات الناقدة في بعض منصات التواصل الاجتماعي، ثم إن توجيه أصابع الاتهام إلى الصين ليس سوى حالة من البحث عن العلاج الخاطئ للمرض".

المواجهة بين "إسرائيل" والصين حول الحرب على قطاع غزة شهدتها مرات عدة أروقة الأمم المتحدة. مثلاً خلال إحدى جلسات مجلس الأمن حول قطاع غزة قاطع مندوب الصين ،تشانغ جون، ممثل "إسرائيل"، جلعاد أردن، بسبب تصريحاته اللاذعة وطالبه بإظهار الاحترام للمشاركين في الجلسة.

 وحتى بعد العدوان الإسرائيلي على إيران أشار مندوب الصين أمام جلسة لمجلس الأمن حول الحرب بين "إسرائيل" وإيران "أن أعمال "إسرائيل" تنتهك القوانين الدولية وتهدد أمن إيران".

وبعد هجوم "إسرائيل" على قطر اتهم مندوب الصين "إسرائيل" بالعمل على زيادة التصعيد في المنطقة وبأن هجماتها على قطر تعكس  سوء نية "تل أبيب" وتعطل جهود السلام في المنطقة.

ولم تقتصر المواجهة بين بكين و"تل أبيب" داخل أروقة الأمم المتحدة، بل حصلت مواجهة كلامية مباشرة بين عميد معهد العلاقات الدولية في جامعة تسينغهوا الصينية والملحق العسكري الإسرائيلي، إيلاد شوشان، على هامش منتدى شيانغ شان الأمني الذي عقد في بكين الشهر الفائت، وأظهر مقطع الفيديو الذي انتشر بشكل واسع عالمياً الأكاديمي الصيني يتهم "إسرائيل" بفقدان البوصلة الأخلاقية وخرق القوانين الدولية من خلال قتل المدنيين.

وفي محاولة لاستفزاز الصين قام عضو الكنيست الإسرائيلي بوعاز توبوروفسكي بزيارة تايوان الأمر الذي أثار غضب بكين ووصفت المسؤول الإسرائيلي بأنه مثير للمشاكل. 

كما أن وسائل الإعلام العبرية بدأت خلال الفترة الأخيرة التهجم على الصين، وتحذر من الانكشاف الإسرائيلي أمام بكين من جراء الاستثمارات الصينية في الكيان والتي قد تحمل مخاطر كبيرة ذات طبيعة أمنية، وحتى أن البعض بدأ يدعو إلى إلغاء العقد الممنوح للصين للاستثمار في ميناء حيفا، وإقامة علاقات دبلوماسية مع تايوان، وطرد العمال الصينيين الذي يعملون داخل "إسرائيل". وفي هذا الإطار أشار بعض التقارير الشهر الماضي إلى تعرّض العمال الصينيين في "تل أبيب" لمضايقات لم تُعرف أسبابها، ومن المحتمل أن يكون ذلك بسبب توتر العلاقات بين "إسرائيل" والصين.

الصين هي مدافع قوي عن القضية الفلسطينية وتعتبر أن حلّ الدولتين هو الأساس لإرساء السلام والاستقرار في المنطقة. ومنذ عملية طوفان الأقصى، حاولت الصين بقدر استطاعتها الدفاع عن القضية الفلسطينية ومعالجتها ولامت "إسرائيل" على مجازرها في قطاع غزة ، ورفضت توسيع الاستيطان في الضفة الغربية والذي من شأنه أن ينهي مبدأ حلّ الدولتين. 

ولكن الصين من جهة أخرى غير قادرة على الضغط على "إسرائيل" لوقف عدوانها على غزة والقبول بقيام دولة فلسطينية، لأن بكين تدرك أن الولايات المتحدة الأميركية هي الوحيدة القادرة على أن تفعل ذلك وأن تضع حداً للعربدة الإسرائيلية وتهديدها للسلام والاستقرار في منطقة الشرق الأوسط. 

كما أن الصين غير مستعدة لأن تتنازل للولايات المتحدة الأميركية عن أي ملف لقاء وقف الحرب على قطاع غزة طالما أن الأمر لا يمس أمنها القومي ولا يضر بمصالحها. وترى بكين أنه فيما يتعلق بالعدوان الإسرائيلي على قطاع غزة قامت بواجبها كدولة مسؤولة عبر دعم فلسطين في المحافل الدولية وتقديم المساعدات الإنسانية، فضلاً عن محاولتها تقريب وجهات النظر بين الفصائل الفلسطينية من خلال استضافتها للفصائل في بكين العام الماضي، وأرسلت مبعوثيها إلى المنطقة وأجرى وزير خارجيتها عدة اتصالات ولقاءات مع الأطراف المعنيين.

لا تريد الصين أن تدخل في صراع مع "إسرائيل" والولايات المتحدة الأميركية، بل هي تتبع النهج الدبلوماسي وتركز على التعاون الاقتصادي في علاقاتها مع دول العالم ومع الكيان الصهيوني. فعلى الرغم من توتر العلاقات بين بكين و"تل أبيب"، إلا أن حجم التبادل التجاري ارتفع في عام 2024 ليصل إلى 16.2 مليار دولار أميركي بزيادة وصلت إلى 11.7% مقارنة بعام 2023 ، وارتفعت الصادرات الصينية إلى "إسرائيل" وبلغت 13.5 مليار دولار في العام 2024 بزيادة وصلت إلى حوالى 20% مقارنة بالعام السابق، في حين انخفضت الصادرات الإسرائيلية.

يعتمد مستقبل العلاقات الصينية الإسرائيلية على عدة عوامل رئيسية أهمها مسار العلاقة بين الولايات المتحدة الأميركية والصين، إذ إنه في ظل استمرار التنافس المحتدم بين البلدين، واعتبار واشنطن بكين منافستها الاستراتيجية، لن تسمح الإدارات الأميركية لـ"إسرائيل" بتنامي علاقاتها مع الصين ولا سيما في المواضيع التي تعتبرها الولايات المتحدة حساسة بالنسبة لها وتهدد أمنها القومي كأشباه الموصلات والذكاء الاصطناعي والاستثمارات الصينية في البنى التحتية الإسرائيلية. كما قد تتأثر العلاقات الصينية الإسرائيلية بتعزيز الصين لشراكتها الاستراتيجية مع إيران، الأمر الذي تعتبره "إسرائيل" تهديداً لها ودعماً للمقاومة في اليمن ولبنان وفلسطين.

قد تتطور العلاقات الاقتصادية بين الصين و"إسرائيل" لكن غالباً ستبقى بكين تناصر وتدعو إلى إقامة دولة فلسطينية مستقلة، بالمقابل ستبقى "إسرائيل" تستجيب لضغوط الولايات المتحدة الأميركية بشأن تخفيف تعاونها التكنولوجي والسياسي مع بكين ومؤيدة لها في تنافسها مع الصين.