الثلاثية التي هزمت "الهاسبارا" الإسرائيلية

هزمت ثلاثية "الجيش والشعب والمقاومة" "إسرائيل" في حرب تموز، والثلاثية نفسها هزمت موجة الإرهاب المتماثلة مع جيش الاحتلال عندما حاولت أن تتمدد إلى لبنان. اليوم، ماذا ينتظر العالم؟

  • هزمت ثلاثية
    هزمت ثلاثية "الجيش والشعب والمقاومة" "إسرائيل" في حرب تموز عام 2006.

ليست الهاسبارا كلمة عبرية عابرة، وتعني الشرح فحسب؛ إنما هي أيضاً عقيدة استراتيجية. عام 1982، وافق الكنيست الإسرائيلي على استخدام المصطلح لما هو أبعد من الخطاب السياسي كركيزة أساسية في بناء العلاقات الدولية وتعزيز الدبلوماسية الإسرائيلية.

أما الهدف فهو تعزيز الدعاية المؤيدة لـ"إسرائيل" من خلال الإعلام التقليدي ومنصات التواصل الاجتماعي، فأين هي هذه الدعاية اليوم؟ وما الذي حققته على الجبهات الداخلية والإقليمية والعالمية خلال عملية "طوفان الأقصى"؟

من الواضح أن "إسرائيل" اليوم، كما هي بالأمس، تسير على خطى مؤسس الصهيونية والمؤسس الفعلي للكيان الإسرائيلي. يقول ثيودور هرتزل بخلفيته الصحافية هذه المرة: "كل ما يهمّني هو أن تتكلّم حتى لو تكلمت عن الصهيونية، فالصياح هو كل شيء حقاً. إن للصوت العالي شأناً كبيراً، فتاريخ البشرية ليس سوى قعقعة السلاح وجعجعة الرأي الزاحف. عليكم أن تصيحوا وتصرخوا".

ومنذ ذلك الحين، دأب الإسرائيليون على الصراخ، فتردد صداه في أنحاء العالم، ولكن صراخهم في عملية "طوفان الأقصى" لم يكن كما اعتادوه، برغم اتباعهم الأساليب عينها منذ ما قبل نكبة 1948 وحتى الآن. 

الإثارة والاستعطاف

لم تمضِ ساعات على عملية "طوفان الأقصى" حتى شرع المسؤولون الإسرائيليون في استدرار استعطاف العالم الغربي عبر التوجه إلى قادتهم محاولين شرح ما حصل. حاولوا ببساطة تصدير صورة مطلقة. أرادوها غير قابلة للدحض والنقاش في عيون الغرب تحديداً: "هجمة بربرية وحشية من قبل حركة حماس التي يصفونها بـ(الإرهابية) على (سكان) آمنين في منازلهم".  

كثفت "إسرائيل" جهودها في استعطاف وإثارة الغرب الذي سارع قادته إلى مواساة "تل أبيب". ودائماً وأبداً تعود نغمة معاداة السامية وأطياف "المحرقة اليهودية" إلى الواجهة، وهي التي يشكّك فيها الكثير من المؤرخين وعلماء السياسة الجادّين، ولكن كل ما رأيناه في الأيام الأولى لا يشبه الحال اليوم، وأثر الدعاية الإسرائيلية تراجع وضعف في الأيام اللاحقة.

إن تبني 120 دولة في الأمم المتحدة قرار إرساء وقف إطلاق نار إنساني لا يمكن وضعه إلا في خانة فشل أسلوب الاستعطاف وفشل "الدبلوماسية الإسرائيلية العامة" التي وصفت ما قامت به هذه الدول بـ"الدناءة". كل هذا يأتي على وقع تزوير للحقائق لا يتوقف.

التزوير

منذ اللحظة الأولى، عملت "إسرائيل" على تزوير الحقائق عبر الحديث عن عمليات قتل وإحراق واغتصاب وقطع لرؤوس الأطفال. رواية تبناها الرئيس الأميركي جو بايدن من دون أن يتثبت منها ويحقق فيها بالحد الأدنى، وسرعان ما تراجع عنها البيت الأبيض في وقت لاحق. 

واليوم، نرى متظاهرين ومؤثرين ومتابعين يتحدّون كبريات وسائل الإعلام عبر طلبهم منها إظهار صورة واحدة تثبت هذه المزاعم؛ فإذا بها تفشل فتصمت، حتى إن بعض صانعي المحتوى الرقمي ذهب أبعد من ذلك، فحلل الصور التي آثر الإعلام العبري، كما الغربي، بثها وتكرارها بشأن إحراق منازل بساكينها، وأظهر أن الفاعل والقاتل هو الإسرائيلي عبر مدفعيته التي قتلت مقاومي القسّام، كما الرهائن، من دون أدنى اكتراث (وهنا نشير إلى أن هذا النوع من المحتوى غالباً ما يتعرض للحذف في منصات التواصل الاجتماعي).

أما التزوير الفاضح على المقلب الأخر، فهو الادعاء أنّ حماس تتخذ من أهل غزة دروعاً بشرية، ما يذكرنا بمقولة رئيسة الحكومة الإسرائيلية غولدا مائير عندما قالت: "لن نسامح الفلسطينيين، لأنهم يجبرون جنودنا على قتلهم"؛ فتارةً تقصف مستشفى المعمداني بذريعة وجود أنفاق تحته، وتارة أخرى تسوي حياً كاملاً بالأرض بـ6 أطنان من القذائف الأميركية، بذريعة استهداف مسؤول كبير في حماس، والمحصلة المزيد من المجازر بحق النساء والأطفال على مرأى من العالم المتخاذل لا الشعوب. وبرغم كل ذلك، الروايات الكاذبة تتردد وتتكرر.

التكرار

في كل ظهور لرئيس الحكومة الإسرئيلية بنيامين نتنياهو، يكرر الأسطوانة نفسها حول "وحشية" ما حدث في يوم السابع من أكتوبر. تكرار يهدف إلى تثبيت الرواية الإسرائيلية لمواصلة ارتكاب المجازر بحق الفلسطنيين، على اعتبار أن من يُقتل هم "حيوانات بشرية". هذا التوصيف ليس زلة لسان من وزير "الدفاع" الإسرائيلي، إنما هذا ما نسمعه يومياً من إسرائيليين، البعض منهم يدعو اليوم إلى تدمير مستشفى الشفاء بمن فيه في حال خروج الرهائن!

وبالعودة إلى نتنياهو، وبمتابعة بسيطة للمؤتمرات الصحافية التي يعقدها بشكل شبه يومي، نلاحظ أن ما يقوله يكاد يكون هو ذاته. وإذا أراد الاختصار عما هو مستجد، فلن يستغرق خطابه خمس دقائق، حتى إن أسئلة الصحافيين الإسرائيليين تتكرر بشكل فاضح. 

التشبّه بالشعوب "المتحضرة" 

على "العالم المتحضر مقاتلة البربريين الذين يريدون إدخالنا إلى عصر الظلام والرعب". هي إحدى عبارات نتنياهو في محاولة منه للتموضع ضمن ثنائية الأضداد "الغرب المتحضر مقابل الاسلام المتخلف"، وهذا ما رأيناه من خلال مسارعة بعض الأقلام الإسرائيلية إلى تشبيه ما حصل في السابع من تشرين الأول/أكتوبر بالحادي عشر من أيلول/سبتمبر 2001. ولا يخفى على أحد مقصد ذلك. 

وكما عملت "إسرائيل" على "أيقنة" الإبادة في السابق، بحسب وصف المفكر عبد الوهاب المسيري، تعمل على "أيقنة" السابع من تشرين الأول/أكتوبر، وكل ذلك عبر التهويل والتشنيع بصورة العدو. 

التهويل بصورة العدو

سارع نتنياهو ووزير دفاعه يوآف غالانت، وكذلك وزير الخارجية الإسرائيلي إيلي كوهين، إلى تشبيه المقاومة الفلسطينية بتنظيم "داعش" بهدف تشكيل تحالف دولي لمحاربتها، والقول إن حماس سوف تنتقل للمحاربة في دول أخرى في حال انتصرت.

انتشرت الدعاية إلى حد ما، ولاقت الصدى المطلوب في بعض الدول الغربية، فرأينا مرتزقة أميركيين وفرنسيين وإيطاليين يقاتلون إلى جانب الإسرائيليين. أما الدافع فكان جذورهم اليهودية، ولكن ماذا عن الدول الأخرى؟

لعل أفضل من وصف ما يجري ومن عكس هذا التهويل هو الوزيرة الإسبانية التي حذرت من فخ التواطؤ مع "إسرائيل" في الإبادة الجماعية في قطاع غزة، داعية إلى قطع العلاقات الدبلوماسية معها وفرض عقوبات اقتصادية ومحاكمة بنيامين نتنياهو. الموقف الإسباني لم يكن يتيماً، فقد لحق به الموقف البوليفي، إذ قطعت بوليفيا العلاقات الدبلوماسية مع "تل أبيب"، فيما استدعت كل من كولومبيا وتشيلي سفيريهما من "إسرائيل". 

السقطة الثانية التي سجلت في إطار إفراغ أسلوب التهويل من أهدافه أتى على لسان الإسرائيليين أنفسهم. وهنا، نقتطع ما قالته الأسيرة المسنة المفرج عنها التي أبت إلا أن تصافح أحد عناصر القسام قبل مغادرتها القطاع. 

قالت الأسيرة: "عندما وصلنا إلى مكان الاحتجاز، أخبرونا أنهم يتبعون تعاليم القرآن، ولن يؤذوننا"، وأضافت: "أكلنا من الطعام نفسه الذي يأكلون منه، وعاملونا بطريقة لطيفة، واستجابوا لجميع احتياجاتنا، وكانوا ودودين جداً معنا"، فصدق المثل: "شهد شاهد من أهله".

التهديد

منذ السابع من تشرين الأول/أكتوبر، لا تتوقف "إسرائيل" عن التهديد. على صعيد الجبهة الجنوبية، تحاول التركيز على ما تعتبره الخاصرة الرخوة للمقاومة، وهم أهل القطاع المحاصر – المتروكون من دون مياه وطعام ودواء ولا حتى كهرباء-  فتطالبهم بالنزوح جنوباً، وإلا فمصيرهم القتل. 

وعلى الجبهة الشمالية، لا يتوقف التهديد والوعيد وترداد مقولة إرجاع لبنان إلى العصر الحجري في حال تدخل حزب الله. والواقع يقول إن أغلب الناس في القطاع لا تنطلي عليهم أكاذيب "إسرائيل"، وبالتالي هم يتنبهون من "نكبة ثانية" تحاك لهم، وإلا كيف لنا أن نفهم إشارة نتنياهو إلى "استقلال ثانٍ" تعيشه "إسرائيل" في هذه المرحلة. أما بخصوص الجبهة الشمالية، فإن حزب الله منخرط في الحرب عبر تنفيذ 105 عمليات دقيقة أصابت العدو بمقتل.  

المناورة والمراوغة

منذ اليوم الأول لعملية "طوفان الأقصى"، تتحدث "إسرائيل" عن نيتها التخلص من حركة حماس والإفراج عن الرهائن. ورغم أنها تعلم بأن هدفها مستحيل، فإنَّها تواصل القصف ومحاولات التقدم البري، والنتيجة هي المزيد من المجازر والقتل.

واليوم، لم يعد الهدف هو القضاء على حماس، إنما على قدراتها. أما فيما يخص الرهائن، فلم تنجح قوات الاحتلال في تحرير رهينة واحدة عبر كل عملياتها العسكرية. المناورة والمراوغة تتواصل مع إلقاء المزيد من القنابل، رغم تزايد الأصوات العالمية المنددة بجرائم الحرب الإسرائيلية، حتى قيل إنَّ شعوب العالم مع فلسطين، في حين أن أنظمتها بفسادها ونفاقها تقف مع "إسرائيل". 

يُنسب إلى ديفيد بن غوريون، وهو أول رئيس حكومة للكيان الإسرائيلي، قوله: "لقد أقام الإعلام دولتنا، واستطاع أن يتحرك للحصول على مشروعيتها الدولية"، وينسب إلى وقائع اليوم قولها: إن المقاومة قاب قوسين أو أدنى من الخلاص من "إسرائيل". أما الإعلام بشقيه التقليدي والجديد، فهو الوتد الثالث مع المقاومة وصمود الأهالي، إذ عرّى ولا يزال أبشع الجرائم التي اقترفت بحق الإنسانية على الإطلاق. 

هزمت ثلاثية "الجيش والشعب والمقاومة" "إسرائيل" في حرب تموز عام 2006، والثلاثية نفسها هزمت موجة الإرهاب المتماثلة مع جيش الاحتلال عندما حاولت أن تتمدد إلى لبنان. اليوم، ينتظر العالم هزيمة "إسرائيل" المستحقة بثلاثية غزّية عنوانها "المقاومة الباسلة والشعب المضحي والصامد وأصوات أحرار العالم". 

في السابع من تشرين الأول/أكتوبر 2023 أعلنت كتائب القسام معركة "طوفان الأقصى"، فاقتحمت المستوطنات الإسرائيلية في غلاف غزة، وأسرت جنوداً ومستوطنين إسرائيليين. قامت "إسرائيل" بعدها بحملة انتقام وحشية ضد القطاع، في عدوانٍ قتل وأصاب عشرات الآلاف من الفلسطينيين.