الجهود الفرنسية - السعودية الحالية لتنفيذ حل الدولتين.. مجرد حفلة علاقات عامة

المسار الدولي الذي لم يظهر حتى اللحظة أي توجه جدي قد يؤدي إلى وقف الإبادة الجماعية في غزة، لا يمكن له أن يدّعي جدية جهوده في تحقيق خرق يؤدي إلى إقامة دولة فلسطينية.

0:00
  • مجرد حفلة علاقات عامة..
    مجرد حفلة علاقات عامة..

من المقرر أن تستضيف الأمم المتحدة بين 17 و20 حزيران/يونيو الحالي في مقرها في نيويورك مؤتمراً دولياً يستهدف البحث في كيفية إيجاد خريطة طريق عملية وجديدة لحلّ الدولتين، وذلك برعاية ورئاسة سعودية -فرنسية مشتركة.

ومن خلال الجهد الذي تبذلانه كل من المملكة العربية السعودية وفرنسا، بالإضافة إلى مصر والأردن، يمكن التقدير أن الجهود المبذولة تستهدف من حيث المبدأ تحقيق اختراق في حالة الجمود التي تسيطر على واقع القضية الفلسطينية.

غير أن معطيات عدة تدفع إلى ضرورة تقدير دوافع عقد هذا المؤتمر ومدى قدرة المشاركين فيه على تحقيق نتيجة تخدم القضية الفلسطينية، في لحظة مفصلية يمارس فيها الكيان الإسرائيلي جريمة إبادة جماعية في غزة، ويستهدف الضفة بمجموعة متنوعة من الاعتداءات كهدم المباني واقتحام مناطق من دون أن ننسى سعيه الحثيث لتشريع بناء المستعمرات فيها، والتي كان آخرها تشريع بناء 22 مستوطنة، بالإضافة إلى الاعتداءات المتكررة على لبنان وسوريا، ومشروعه التوسعي الذي يرتكز أصلاً على إلغاء مفاعيل اتفاقية أوسلو التي تم التوقيع عليها برعاية أميركية عام 1993.

انطلاقاً من تسمية المؤتمر المزمع عقده في الأمم المتحدة بالمؤتمر الدولي الرفيع المستوى من أجل التسوية السلمية للقضية الفلسطينية وتنفيذ حل الدولتين، يمكن اعتبار الجهود الراهنة جهوداً تستهدف وصولاً حتمياً إلى نتيجة عادلة للشعب الفلسطيني. وإذا كان هذا هو الهدف الحقيقي والصادق لهذا المؤتمر، فإن ذلك يستوجب ممارسة ضغوط فاعلة على الكيان الإسرائيلي بغية دفعه إلى تسهيل ولادة الدولة الفلسطينية التي أقرّها اتفاق أوسلو. وعليه، فإن هذا الهدف يستوجب القيام بخطوات تعدّ ضرورية، إذ من دونها ستبقى مفاعيل هذا المؤتمر ومقرراته مجرد حبر على ورق، وستتحوّل الجهود الدولية المبذولة اليوم إلى مجرد سياق يؤدي إلى حفلة علاقات عامة ستنتهي يوم 20 حزيران/يونيو بدعوة لا تختلف عن سابقاتها لناحية أنها لن تجد طريقها إلى التنفيذ.

فالمعروف أن الطريق لتنفيذ مقررات أوسلو يستوجب موافقة إسرائيلية بالدرجة الأولى ورعاية أميركية بالدرجة الثانية. فالكيان الإسرائيلي في مساره لترتيب علاقاته مع الدول العربية، والتي من ضمن شروطها حل الدولتين، كان مرتبطاً برعاية أميركية تدير توجهاته. وبالتالي، يفترض الانطلاق من شكل العلاقة التي تحكم هذين الاثنين بالتوازي مع شكل العلاقة التي تربطهما بالدول العربية المعنية، ومن ثم محاولة البحث في جدية الجهود الفرنسية وأهدافها الخفية لتقدير مدى مساهمتها في الوصول إلى النتيجة المرجوة من هذا المؤتمر.

1- العلاقات الأميركية-الإسرائيلية: 

لم تظهر الولايات المتحدة تاريخياً تبنّيها توجّهاً حقيقياً ضاغطاً لإلزام الكيان الإسرائيلي تنفيذ مقررات أوسلو، إذ إن الإدارات المتعاقبة منذ عام 1993 قد قرأت مدى إمكانية تنفيذ الكيان الإسرائيلي مقررات أوسلو على أنها مرتبطة أساساً بمتطلبات الأمن القومي الإسرائيلي.

وبالتالي، فإن الدعوات العديدة التي كانت تطلقها لحثّ الكيان الإسرائيلي على تنفيذ مقررات أوسلو والموافقة على قيام دولة فلسطينية لم تكن إلا دعوات بروتوكولية تفرضها متطلبات علاقاتها الدبلوماسية.

وفي هذا الإطار، يمكن الإشارة إلى الدعم المطلق للإدارات الأميركية المتعاقبة للكيان الإسرائيلي وتبنّي توجهاته، إذ كانت تستخدم دائماً في مجلس الأمن حق النقض في مواجهة أي قرار يستهدف تنفيذ مقررات أوسلو وقيام دولة فلسطينية.

من ناحية أخرى، لم يكن الدعم الأميركي للكيان الإسرائيلي مرتبطاً فقط بما يعدّونه في الولايات المتحدة مساعداً لحق الكيان في الدفاع عن نفسه، كما في الدعم التاريخي المطلق الذي عبّرت عنه في الفترة الأخيرة إدارة بايدن عند حدوث "طوفان الأقصى" لناحية التسليح والدعم اللوجستي والمالي، وإنما سبقها دعم لا يقلّ خطورة حين تم الاعتراف بالقدس عاصمة للكيان عام 2017 والاعتراف بالسيادة على الجولان عام 2019، بالإضافة إلى إعلان ترامب عام 2024 عن حاجة "إسرائيل" إلى توسيع جغرافيتها مع ما يعنيه هذا الأمر من نسف لمسار التسوية التاريخية للصراع العربي - الإسرائيلي الذي رعته الولايات المتحدة الأميركية منذ عام 1979.

2- العلاقات الإسرائيلية -الأميركية العربية:

منذ مؤتمر مدريد عام 1991 وبعدها في القمة العربية في بيروت عام 2001 كرّست الدول العربية معادلة الأرض مقابل السلام كمدخل وحيد لحل قضية الصراع العربي-الإسرائيلي. غير أن الواقع العربي لم يكن ملتزماً بهذه المعادلة إذ اندفع باتجاه ترتيب علاقاته مع الكيان الإسرائيلي متخلياً عن هذه المعاهدة.

فالدول العربية المعنية بشكل مباشر، نتيجة تماس بعضها مع الكيان ومركز بعضها المهم في منظومة الأمن القومي العربي، لم تقارب الحل للقضية الفلسطينية وحل الدولتين وفق معادلة التنسيق الجماعي في مواجهة الكيان وإنما ذهبت باتجاه ما يناسب متطلباتها الخاصة وظروف علاقتها مع الولايات المتحدة الأميركية.

فمن خلال مقاربة سلوكها وكيفية تعاطيها مع "طوفان الأقصى" والعدوان المتواصل على غزة منذ أكثر من 18 شهراً لناحية لعب دور الوسيط السلبي الذي تنحصر مهمة بعضها في نقل الرسائل أو تبني بعضها موقفاً حيادياً، أمكن القول إنها تخلت عن ما يمكن أن يعدّه الشعب الفلسطيني من أدوات القوة الرئيسية للضغط على الكيان.

في هذا الإطار، يمكن الإشارة إلى زيارة ترامب الأخيرة إلى الشرق الأوسط حيث لم يطالبه أحد من القادة والزعماء العرب الذين التقاهم بممارسة ضغوط حقيقية على الكيان لوقف جريمة الإبادة رغم تقديمهم للولايات المتحدة حزمة من الاستثمارات التي زادت على 3 مليار دولار، من دون أن ننسى الهدايا التي كان أهمها الطائرة التي أهدته إياها دولة قطر، والتي بلغ ثمنها نحو 400 مليون دولار.

3- الدوافع الفرنسية:

عند حدوث "طوفان الأقصى"، زار الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون "تل أبيب" ليعلن عن تضامنه معها في وجه المجموعات الإرهابية. وهو إن كان قد أعلن أنه يسعى لإحياء عملية السلام في تلك اللحظة، فإنه لم يقرأ السلوك الفلسطيني المقاوم و"طوفان الأقصى" على أنه نتيجة طبيعية للاحتلال وللاعتداءات الإسرائيلية المتكررة على المسجد الأقصى وعلى الشعب الفلسطيني.

من ناحية أخرى، لا يمكن في هذه المرحلة، فصل التوجه الفرنسي الحالي عن السياسات الأميركية التي ينتهجها دونالد ترامب في ما يتعلق بالعلاقات داخل حلف شمال الأطلسي وكيفية مقاربته للحرب الأوكرانية إذ رأت فرنسا أن هذا المسار المستجد لا يُترجم إلا في إطار التخلي عن التكامل والتحالف بين ضفتي الأطلسي، وبالتالي أمكن توصيف السلوك الفرنسي في إطار رد الفعل على ذلك. 

وعليه، يمكن القول إنه في غياب توجه أميركي حقيقي، فإن الجهود الفرنسية -السعودية ومعها مصر والأردن الحالية لعقد المؤتمر لا توحي بإمكانية تحقيق نتيجة عملية في هذا الإطار. فالمسار الدولي الذي لم يظهر حتى اللحظة أي توجه جدي أو اهتمام حقيقي قد يؤدي إلى وقف جريمة الإبادة الجماعية التي تُرتكب بحق الشعب الفلسطيني لا يمكن له أن يدّعي جدية جهوده في تحقيق خرق يؤدي إلى إقامة دولة فلسطينية مستقلة.

وعليه، يمكن القول إن كل ما يتم التحضير له لا يخرج عن إطار حفلة علاقات عامة تستهدف محاولة حرف الأنظار عن سلوكهم السلبي الذي أدى إلى سقوط أكثر من 60 ألف شهيد وأكثر من 160 ألف جريح، ناهيك بتدمير أكثر من 70 % من قطاع غزة من دون أن ننسى العدوان المتواصل على الضفة وتسريع تنفيذ مخطط استيطاني قد يتخطى في حجمه ما نفذه الكيان من حملات استيطانية منذ أكثر من 10 سنوات.