السؤال المحير لـ "إسرائيل" بعد عمليات 22 آب: هل تمتلك اليمن صواريخ متعددة الرؤوس؟
العمليات اليمنية خلال العامين الماضيين اتسمت بالتدرج المدروس، والتكامل مع التوجه الشعبي الواسع الذي تشهده الساحات اليمنية في مسيرات دعم فلسطين، ما يعكس وحدة الموقف الشعبي والرسمي.
-
هل امتلك اليمن صواريخ متعددة الرؤوس بالفعل؟
أعلنت القوات المسلحة اليمنية ليل الجمعة الـ 22 من آب/أغسطس عن تنفيذ عملية نوعية استهدفت مطار اللد "بن غوريون" بصاروخ بالستي فرط صوتي من طراز "فلسطين 2"، إلى جانب عمليتين إضافيتين لطائرات مسيّرة في منطقتي يافا وعسقلان، وذلك ردًا على الجرائم المستمرة للاحتلال الإسرائيلي في غزة، من إبادة جماعية وتجويع وحصار.
هذه العمليات لم تكن كسابقاتها، إذ شكّلت تصعيدًا نوعيًا من حيث القدرات التقنية والأثر العملياتي. ففي وقت تحدث فيه الإعلام الإسرائيلي عن طائرة مسيّرة يمنية اخترقت الأجواء الجنوبية لفلسطين المحتلة وأربكت الدفاعات الجوية لأكثر من نصف ساعة، أعلن جيش الاحتلال لاحقًا عن رصد صاروخ من اليمن، من دون التمكن من اعتراضه. هذه المرة، حمل الصاروخ مفاجآت أربكت الرواية الإسرائيلية ونظامها الدفاعي متعدد الطبقات.
تضارب الروايات الإسرائيلية
في كل مرة كان "جيش" العدو يسارع إلى الإعلان عن اعتراض صواريخ اليمن، لكن الوضع اختلف يوم الجمعة الماضية. فقد نقلت وسائل إعلام "إسرائيلية" عدة روايات متضاربة: منها من تحدث عن انفجارات وسط فلسطين المحتلة، وأخرى أشارت إلى سقوط شظايا صواريخ اعتراضية، بينما ذهب البعض إلى القول بأن الصاروخ اليمني كان مزودًا بعدة رؤوس متفجرة. وما عزز هذا الارتباك، هو توثيق لحظة اختراق الصاروخ للأجواء، ومراوغته صواريخ الاعتراض الفاشلة، وصولاً إلى لحظة الوصول والانفجار، ما فتح تساؤلات حول نوعية الصاروخ ودقته وأثره، وأثار عاصفة من أسئلة القلق من تطور القدرات اليمنية.
المشهد كان له وقعه الكبير، ليس فقط عسكريًا، بل معنويًا، حيث رُصدت فرحة الفلسطينيين وهم يشاهدون الصاروخ يشق السماء، في وقت تتكثف فيه الجرائم الصهيونية بحقهم. وكانت تلك رسالة دعم وتضامن يمني واضح، مفادها: "لسنا متفرجين، وأنتم لستم وحدكم".
أهمية عمليات 22 أغسطس
هذه العملية تكتسب دلالات بالغة، إذ جاءت في ظل التصعيد الإسرائيلي الأوسع نحو "احتلال مدينة غزة" وتهجير سكانها، ووسط تعنت كيان العدو ورفضه مقترحاً مصرياً قطرياً بما يتضمن من مسارات تفصي إلى وقف إطلاق النار وإدخال المساعدات وتبادل الأسرى. وقد عبّر رئيس وزراء الكيان بنيامين نتنياهو بوضوح عن توجهات توسعية تحت شعار "إسرائيل الكبرى"، فيما أكد وزير الحرب الإسرائيلي يسرائيل كاتس أن الهدف من العملية هو "تهجير سكان غزة عبر القصف الجوي الكثيف".
في هذا السياق، جاءت الضربة اليمنية رسالة قوية مفادها أن صنعاء ترفض سياسة الإبادة والتهجير، وتردّ عمليًا على تهديدات وزير الحرب الإسرائيلي بـ"تدفيع اليمن الثمن"، ولا سيما بعد غارات العدو الإسرائيلي الأخيرة على محطة كهرباء حزيز جنوب العاصمة صنعاء للمرة الخامسة الأسبوع الماضي، أعقبها في اليوم نفسه رد يمني بعد ساعات من العدوان.
وبحسب تقارير إعلام العدو الإسرائيلي، فإن هذه الضربة اليمنية تعدّ العملية الثانية أو الثالثة والسبعين منذ استئناف العدوان الإسرائيلي في مرحلته الثانية على غزة منتصف آذار/مارس الماضي، ما يعكس مستوى الجاهزية والثبات في الموقف اليمني.
تأثيرات العمليات وأبعادها
مما لا شك فيه أن للعمليات اليمنية المستمرة الأخيرة تأثيرات مباشرة في أكثر من بُعد أبرزها الآتي:
شلّ الملاحة الجوية مؤقتًا، وظهر ذلك من خلال تعليق رحلات الهبوط والمغادرة من وإلى مطار اللد "بن غورويون" مع ما يمكن أن يترتب على ذلك اقتصادياً ونفسياً داخل الكيان الإسرائيلي.
إرباك المنظومات الدفاعية للعدو: إن الفشل في اعتراض صاروخ "فلسطين 2" فرط الصوتي، أدخلت المعنيين في سلاح الجو في دوامة من الأسئلة والتحقيقات لمحاولة معرفة أسباب الفشل.
زعزعة الثقة: لدى الجمهور الصهيوني في قدرة حكومة المجرم نتنياهو على توفير الحماية لهم، مع تكرار العمليات وتكرار مشاهد الهروب إلى الملاجئ وما تعكسه من حالة ذعر جماعي.
تطوير نوعي في القدرات اليمنية، خصوصًا إذا صح ما ورد عن استخدام صواريخ متعددة الرؤوس، وهو ما يعكس مسارًا تطويرياً واضحًا في التصنيع العسكري الاستراتيجي اليمني كما أشار إلى ذلك السيد القائد عبد الملك الحوثي في أكثر من مناسبة.
ورغم أن بيان القوات المسلحة لم يؤكد بشكل صريح استخدام صاروخ متعدد الرؤوس، إلا أن تداول هذه المعلومة في إعلام العد الإسرائيلي يعكس قلقًا من قدرات نوعية متصاعدة.
العمليات اليمنية خلال العامين الماضيين اتسمت بالتدرج المدروس، والتكامل مع التوجه الشعبي الواسع الذي تشهده الساحات اليمنية في مسيرات دعم فلسطين، ما يعكس وحدة الموقف الشعبي والرسمي.
دعم فلسطين
تكرّس العمليات العسكرية اليمنية المتواصلة منذ نحو عامين خطًا ثابتًا في دعم القضية الفلسطينية، ضمن مسار أخلاقي وديني تراه صنعاء جزءًا من مسؤولياتها القومية والدينية. وفي وقت يتساقط فيه موقف بعض الأنظمة العربية في اختبار غزة، يؤكد اليمن حضوره من خلال عمليات إسناد نوعية تؤرق العدو وتفضح هشاشة منظومته الدفاعية.
وفي هذا السياق، تتعامل صنعاء مع القضية الفلسطينية باعتبارها صراعًا حضاريًا يتجاوز غزة، ليمسّ مستقبل كل من لبنان، وسوريا، والعراق، والأردن، ومصر، والسعودية، كما حذر السيد عبد الملك الحوثي في خطابه الأخير، مشيرًا إلى أن "الصراع مع هذا العدو حتمي"، وأن مشروع "إسرائيل الكبرى" يستند إلى رؤية عنصرية توراتية محرفة، لا ترى في العرب والمسلمين سوى أدوات لخدمة مصالح الصهاينة.
هل امتلك اليمن صواريخ متعددة الرؤوس بالفعل؟ يبقى الجواب الرسمي غائبًا حتى الآن، لكن الأثر الذي خلفه صاروخ "فلسطين 2"، والارتباك الصهيوني الكبير، يطرح تساؤلات جدية لا يمكن تجاهلها. وفي كل الأحوال، من الواضح أن اليمن بات يمتلك أوراق قوة استراتيجية يصعب التقليل من شأنها في معادلات الصراع الإقليمي.