العروبة النفطية المفاجئة

العروبة عروبات، فمنها عروبة التحرر والوحدة والكرامة في مواجهة الإمبريالية والصهيونية والرجعية، ومنها عروبة النفط والغاز المسال.

  • بالأمس، كانت العروبة ومصر الناصرية والعروبيون في كل مكان، الهدف اليومي لمحميات النفط والغاز المسال الوهابية.
    بالأمس، كانت العروبة ومصر الناصرية والعروبيون في كل مكان، الهدف اليومي لمحميات النفط والغاز المسال الوهابية.

من أين جاءت العروبة النفطية المفاجئة؟ وما هي خلفيات أصحابها ولماذا الآن؟ ولماذا ظهر أستاذ جامعي مثل الدكتور رضوان السيد على هذا القدر من الاحتقان والتوتر وفقدان الأعصاب والمراهقة السياسية واستخدام الألفاظ النابية، واتهام كل من لا يوافقه أفكاره وعلاقاته (النفطية) ودفاعه عن العروبة النفطية المفاجئة بأقذع العبارات التي لا تنسجم مع تاريخه الأكاديمي؟ فهذا مسيحي وهذا شعوبي إلى آخره، وأين؟ ليس في قاعة مؤتمرات فكرية بل على شاشة نفطية، تتابع (الحدث) ساعة بساعة، وذلك مساء 29/10/2021، تعقيباً على عبارة مؤدّبة ومحتشمة جداً قالها وزير الإعلام اللبناني، الشجاع، حول اليمن (أنها حرب عبثية).

ابتداءً، وقبل التعقيب على ذلك، نذكّر بأن كل ما يجري حول لبنان، أكبر من واقعة هنا وهناك، ويتصل بهجوم مبرمج على حزب الله والخط المستقل للجنرال ميشال عون، تشارك فيه القوى الرجعية والصهيونية المدعومة من واشنطن.

وإذ نقدّر للدكتور رضوان السيد (دموعه الغالية) على العروبة، نذكّره أيضاً بأن العروبة عروبات، فمنها عروبة التحرر والوحدة والكرامة في مواجهة الإمبريالية والصهيونية والرجعية، ومنها عروبة النفط والغاز المسال والارتباط بالمعسكر الإمبريالي، ومن المؤسف القول إنها العروبة التي يراد لها أن تشكل مع مذهب بعينه (المذهب السنّي) توأمان لا ينفصلان، وما عداهما مسّ من عمل الشيطان.

ومن المؤكد أن الدكتور السيد ما إن تهدأ أعصابه، حتى يعرف أن الحقائق ليست كما خرجت على لسانه وهو يشتم قرداحي بدلاً من محاورته.

في أواخر القرن التاسع عشر ومطلع القرن العشرين، عندما كان الذين فرضوا أنفسهم أوصياء على أهل السنّة والجماعة، مصابين بالحساسية المفرطة إزاء كلمة العروبة والقومية، فإن غالبية الذين حملوا هذه الراية بالذات، كانوا من الوسط المسيحي، فيما كان آخرون يتستّرون بالإسلام السنّي وهو براء منهم، ينافحون عن أسوأ ظاهرة إقطاعية في التاريخ، هي ظاهرة الإقطاع العثماني وسلاطينه.

وبخلاف الشائع أيضاً، لم يكن القوميون الأوائل على قلب رجل واحد من حيث المرجعيات، الكواكبي والمرجعية الإيطالية، المدرسة الألمانية واللغة كما الحصري والأرسوزي، ومدرسة الإرادة والمشيئة الفرنسية، كما لم تكن القومية عموماً إيديولوجيا برسم الاستيراد، كما روّج إسلاميّو الأطلسي، بل كانت واقعة اجتماعية تاريخية ارتبطت بظهور الدولة القومية البرجوازية المرافقة للثورة الصناعية وما عرف بـ عالم (وستفاليا).

إلى ذلك، وفيما يخصّ الأزمنة العربية الحديثة، التي ترافقت مع تكريس أشكال قطرية عربية بعيد الحرب العالمية الثانية، فإن أصدقاء رضوان السيد من محميات النفط والغاز المسال، كانوا ضدّ العروبة، بل إنهم أنشأوا صناديق لدعم كل عمل يناهضها، وتحالفوا مع أعداء الأمة، سواء من الاستعمار القديم، البريطاني والفرنسي، أم الجديد الأميركي الذي كان الأكثر تعبيراً عن الرأسمالية في ذروة توحشّها (الامبريالية).

ولا يغيب عن بال الدكتور السيد العلاقة العضوية البنيوية التي ربطت بين أصدقائه النفطيين وخطاب الإسلام الأطلسي، وأقلام الاستخبارات البريطانية ثم الأميركية، وأساءت من حيث لا يريد لربطه الخاص بين العروبة ومذهب إسلامي بعينه هو السنّة.

كما يعرف الدكتور أن رئيس الوزراء الأسبق، المرحوم رفيق الحريري، بعد قدومه من السعودية لتنفيذ اتفاق الطائف، أمضى زهرة شبابه في صفوف القوميين العرب، ومثله صديقه السنيورة، مضرب المثل في النزاهة المنقطعة النظير، ولا داعي لتذكير الدكتور بأن حركة القوميين العرب كانت قريبة جداً من الناصرية، التي ظلت حتى وفاة عبد الناصر الهدف الأول والمباشر لأصدقاء الدكتور من المحميات النفطية بسبب (قومجيّتها)، كما كانت تكرر وسائل إعلام تلك المحميات ورجالها وأبواقها.

هكذا تقارب الإيديولوجيات في العقل النفطي التابع للمتروبولات الرأسمالية والصهيونية العالمية يا دكتور رضوان: تارة التستر بالإسلام، مؤتمرات وروابط عالمية ودعوات إلى الجهاد برعاية الاستخبارات الأميركية والبريطانية، وأحلاف وقواعد عسكرية، وجامعات وصحف وجمعيات ومنابر وإذاعات وفضائيات ومواقع إلكترونية وتعبئة طائفية في خدمة (إسرائيل)، وذلك عندما كانت القومية والعروبة بزعامة جمال عبد الناصر عنواناً للكرامة والتحرر وفك التبعية مع المستعمرين، القدامى والجدد، واستطالاتهم الصهيونية والرجعية، وتارة، التستر بالعروبة التي سبق أن أنفق الإمبرياليون والرجعيون في مواجهتها عشرات المليارات.

بالأمس، كانت العروبة ومصر الناصرية والعروبيون في كل مكان، الهدف اليومي لمحميات النفط والغاز المسال الوهابية. واليوم، وعلى إيقاع الإزاحة المشبوهة عن التناقض التناحري الرئيس مع العدو الصهيوني وتحويله إلى حلف موضوعي، في السر والعلن، في مواجهة معسكر المقاومة والممانعة، الرسمي والشعبي، يتم استدعاء عروبة معينة كأداة للتغطية على الإزاحة المذكورة، وصار بالتالي من حقنا أن نسأل:

أين كانت عروبتكم أيام شاه إيران، شريك "تل أبيب" في ابتزازكم وفرض نفسه كشرطي خليج عليكم؟ وأين هي عروبتكم اليوم من فلسطين وأنتم تتسابقون على التطبيع بالسر والعلن؟

العروبة ليست تصريحات على شريط إخباري أو ضمن برنامج لإعلامي أو مثقف أو أكاديمي مرتزق، بل مشروع نهضة يربط بين التحولات الاجتماعية – الثقافية – الاقتصادية وبين قضايا الأمة، وفي مقدمتها مغادرة الهويات والخطابات الطائفية والكيانية وفك التبعية مع الإمبرياليات وحلف الأطلسي، والاشتباك التاريخي مع العدو الصهيوني، وليس في إزاحة التناقض التناحري معه إلى تناقضات وهمية تغطية للتنسيق معه.

ومن المفارقات الأخرى، التي تبعث على السخرية في هذه الحرب القذرة، أن جانباً من خصوم الأمس عند محميات النفط والغاز المسال المتصهينة، يمكن أن يستخدموا في هذه الحرب، ولكل أجره المعلوم وغير المعلوم.

فإلى جانب الدكتور السيد وطلته على شاشة تتابع (الحدث)، انخرط ليبراليون وآخرون قادمون من اليسار الاجتماعي في الحملة ذاتها، وقد كانوا في ما مضى كفاراً وملاحدة في الإعلام النفطي، والأدهى من كل ذلك، أنه إذا كان الدكتور رضوان ضليعاً في الربط بين العروبة وأهل السنّة والجماعة على غرار خير الله طلفاح في العراق، فإن المذكورين لم يدركوا هذا الشرف الإيديولوجي عند الدكتور، وأشك في أنهم مستعدون للاقتراب من مفهوم العروبة، ولكن لا بأس بالنسبة إليهم في حالة المشهد اللبناني من التغميس في الصحن النفطي.