الكيان الصهيوني على شفا حفرة من الانهيار الاقتصادي.. المؤشرات والتداعيات

الاقتصاد الصهيوني في تهاوٍ حاد ويعيش أسوأ انهياراته، وقد يصل مع استمرار معركة "طوفان الأقصى" إلى مرحلة قد يصعب فيها تعافيه.

  • الاقتصاد الإسرائيلي.
    الاقتصاد الإسرائيلي.

انقضى اليوم العشرين لمعركة "طوفان الأقصى" المظفرة، وما زال الكيان الصهيوني "الميت إكلينيكياً" يتجرع مرارة الهزائم في مختلف قطاعاته العسكرية والأمنية والاستخباراتية والاجتماعية والاقتصادية.

لم تتخط المقاومة الفلسطينية الباسلة باختراقها خطوط الكيان الصهيوني الدفاعية المتمثلة بالقبة الحديدية والجدار الفولاذي، الذي تم تسويقه على أنه أقوى خط للدفاع عبر التاريخ وخلاصة الإبداع التكنولوجي، وهو المجهز بمئات الرادرات وأجهزة الاستشعار والمراقبة، وتوغل صناديدها الأشاوس في العمق الصهيوني، واستعادتهم ما يزيد على 50 مغتصبة، وقتلهم ما يزيد على 1400 عسكري صهيوني، وأسرهم قرابة 200 عسكري من مختلف الرتب العسكرية فحسب، بل إنها وجهت ضاربة قاصمة إلى اقتصاد الكيان الصهيوني، وأحدثت فيه خسائر فادحة لن يتعافى منها في المنظور القريب. وفي أحسن الأحوال، سيحتاج، بلا أدنى شك، إلى فترة طويلة قد تمتد سنوات للتعافي من تداعيات معركة "طوفان الأقصى".

لن نطيل سرد وتعداد مختلف الخسائر التي مُني بها الكيان الصهيوني من جراء معركة الطوفان المباركة، ربما سنفرغ لها مقالاً مستقلاً، ولكننا في هذه العجالة سنقصر تحليلنا على الويلات والخسائر التي استنزفت الاحتلال الصهيوني اقتصادياً، إذ إنه أصبح على شفير الانهيار.

بداية، بلغ الإنتاج الإجمالي المحلي للكيان الصهيوني عام 2023 قرابة 294 مليار دولار. وتعدّ الصناعات التقنية أهم رافد، إذ إنها تبلغ ما قيمته 50% من إجمالي الناتج المحلي، ثم السياحة التي تبلغ 20%، وتليها تباعاً قطاع الصناعات العسكرية وتكنولوجيا التجسس وقطاع الخدمات وجباية الضرائب.

وفيما يلي أهم الآثار السلبية في الاقتصاد الصهيوني الناجمة عن معركة "طوفان الأقصى" الخالدة: 

أولاً: قطاع الاستثمار

• بحسب ما أفاد به أليكس زاينرينسكي، كبير الاقتصاديين في هيئة الاستثمار في "دولة" الاحتلال الصهيوني، فقد بلغت الخسائر خلال 18 يوماً من معركة الطوفان المجيدة ما قيمته 17 مليار دولار، أي ما قيمته 3.5% من إجمالي الإنتاج المحلي.

• وأشار المصدر نفسه إلى توقع تراجع النمو إلى 2% عام 2024 مقارنة بنسبة نمو تم تقديرها بعجز 2% قبل اندلاع الحرب، وهذا بدوره سيلقي بظلاله على نسبة المديونة العامة، إذ من المتوقع ارتفاع نسبة الدين العام ليبلغ 62% من إجمالي الناتج المحلي مقارنة بنسبة الدين الحالي التي تبلغ 59% من الناتج المحلي.

• وألقت معركة "طوفان الأقصى" بظلال سوداء على التصنيف الائتماني للكيان الصهيوني، ما دفع وكالة "فيتش" للتصنيف الائتماني إلى أن تضع الكيان الصهيوني تحت المراجعة السلبية في ظل الخسائر الاقتصادية المتلاحقة، وهذا يعني احتمال خفض الوكالة تصنيف الكيان الصهيوني، ما سيؤثر سلباً في جدارته الائتمانية، وسيؤدي إلى رفع تكلفة الاقتراض، وهذا بدوره سيؤدي إلى نتائج سلبية على مختلف القطاعات الاقتصادية والتنموية وعلى معيشة المستوطن الصهيوني "ورفاهيته" على حد سواء.

• لم تقتصر تداعيات معركة الطوفان المباركة على المستثمرين في الكيان الصهيوني، بل من المتوقع أن تلقي بظلالها على قرارات معظم المؤسسات والشركات الدولية في الخارج في تجميد اتفاقاتها الاقتصادية مع الكيان الصهيوني والتفكير ألف مرة في افتتاح أي مقار اقتصادية لها في الكيان الصهيوني.

ثانياً: قطاع الصناعات التقنية  high- tech

يشكّل قطاع الصناعات التقنية الذي يُعنى في المقام الأول بتصنيع الرقائق الإلكترونية وأشباه الموصلات أهم رافد في الناتج الإجمالي الصهيوني، إذ إنه رفد خزينة الكيان الصهيوني عام 2022 بما قيمته 50% من إجمالي الناتج المحلي. 

ونظراً إلى تداعيات "طوفان الأقصى"، عمدت العديد من الشركات والمصانع الدولية العاملة في هذا القطاع إلى تجميد نشاطاتها للأسباب التالية:

أولاً: منذ 9 تشرين الأول/أكتوبر، استدعت المؤسسة العسكرية قرابة 300 ألف من جنود الاحتياط ليزداد العدد فيما بعد ويبلغ 360 ألف جندي احتياط ومتطوع. معظم هولاء الجنود هم من المهندسين العاملين في الشركات في مختلف القطاعات والقوى العاملة في المصانع، وهذا بدوره لم يؤثر سلباً في الطاقة الإنتاجية للشركات الهندسية والمصانع فحسب، بل إن الكثير من الشركات والمصانع اتخذت قراراً بإقفال أبوابها وتجميد نشاطاتها.

ثانياً: هجرة متزايدة لرؤوس الأموال والمصانع والشركات الدولية إلى خارج الكيان الصهيوني لعدم توفر عنصري الأمن والاستقرار.

 ثالثاً: قطاع السياحة 

قد يكون قطاع السياحة الأكثر تضرراً من جراء "طوفان الأقصى"، وفيما يلي التداعيات الكارثية التي حلت بهذا القطاع:

أولاً: يعد قطاع السياحة ثاني أهم قطاع بالنسبة إلى إجمالي الإنتاج المحلي، إذ إنه يشكل ما قيمته 20% من إجمالي الناتج المحلي.

ثانياً: بلغ عدد السياح في الأشهر الستة الأولى من عام 2023 ما يزيد على مليوني سائح أنفقوا خلالها ما قيمته 3.1 مليار دولار، وكان متوقعاً أن يصل عدد السياح في نهاية العام إلى 4 مليون سائح بعوائد من المتوقع أن تبلغ ما قيمته 6 مليارات دولار، وفقاً لمركز الإحصاء القومي الصهيوني.

ثالثاً: ألغت أكثر من 42 شركة طيران عبر العالم رحلاتها من وإلى الكيان الصهيوني، ما دفع شركات التأمين على الطيران إلى إلغاء الغطاء التأميني لمعظم شركات الطيران، وهو بدوره ما أجبر حكومة الكيان الصهيوني على زيادة مخصصات التأمين ضد مخاطر الحروب من 500 مليون دولار إلى قرابة 6 مليارات دولار، بحسب صحيفة "يديعوت أحرونوت".

رابعاً: توقف ما يزيد على 65% من المصانع التي تقدم الخدمات والمنتجات الغذائية للمطاعم والفنادق، وفقاً لصحيفة "يديعوت أحرونوت".

خامساً: إلغاء مئات الآلاف من الحجوزات الفندقية.

سادساً: وفقاً لما تم سرده آنفاً، ستعمد المنشآت السياحية إلى تقليص عدد العمالة، وهذا بدوره سيؤدي إلى ارتفاع نسبة البطالة في الكيان الصهيوني، وخصوصاً بين الفئات المنبوذة اجتماعياً، وفي مقدمتهم يهود الفلاشا الذين يشكلون العصب الحيوي للعمالة في المنشآت السياحية، وهذا بدوره سيؤدي إلى زيادة إضرابات واحتجاجات هذا المكون الكبير في النسيج الاجتماعي الصهيوني، والذي يعاني التمييز العنصري والتهميش وعدم تكافؤ الفرص مع اليهود الأشكناز (يهود أوروبا والغرب).

رابعاً: قطاعا التصنيع العسكري والتجسس التقني 

لطالما تباهت المؤسسة العسكرية الصهيونية وسوقت أكذوبة تفوق تصنيعها العسكري وبرامجها التجسسية، إذ استطاعت عام 2022 بيع ما قيمته 12.5 مليار دولار من إنتاجها الحربي والعسكري لدول عدة، وفي مقدمتها أميركا وألمانيا ودول الخليج المطبعة، وكان متوقعاً أن يتضاعف هذا الرقم ليبلغ ما قيمته 25 مليار دولار، بحسب وزارة الدفاع الصهيوني، واستطاعت كذلك أن تبيع برامج التجسس، وفي مقدمتها برنامج بيغاسوس، للأجهزة الأمنية والمخابراتية في 56 دولة، وفي مقدمتها المخابرات المركزية الأميركية.

ولكن، وبعدما شاهد العالم أجمع أن حركة المقاومة الفلسطينية اخترقت بأدوات ما زالت بدائية التصنيع الجدار الإسمنتي الفولاذي المجهز بأفضل ما أنتجته البشرية من تكنولوجيا وأجهزة رادارات واستشعار ومراقبة، وبعدما لاحظ عدم فاعلية القبة الحديدية لصواريخ المقاومة الفلسطينية الباسلة، إضافة إلى إحراق وتدمير دبابة الميركافا؛ فخر الصناعة الصهيونية... هذا كله يضع فاعلية الإنتاج الحربي الصهيوني والتجسسي موضع تساؤل وجدل كبيرين!

خامساً: قطاع الخدمات وجباية الضرائب

إن ما يشهده الكيان الصهيوني من حالة شلل كامل في جميع مناحي الحياة، إذ إنه عمد إلى تعليق دوام المدارس والجامعات، وأغلق المطارات ومعظم الشركات والمصانع، وطلب من معظم المستوطنين الصهاينة البقاء في الملاجى، هذا كله أدى إلى شلل تام في قطاع الخدمات.

كل هذا وما تم تبيانه آنفاً سيضاعف العجز في جباية الضرائب، فبحسب كبير الاقتصاديين في هيئة الاستثمار الصهيوني أليكس زاينرينسكي، فإن خسارة "دولة" الاحتلال الصهيوني في نهاية 2023 من عائدات الضرائب ستحقق عجزاً مقداره 3% من إجمالي الإنتاج المحلي، أي ما قيمته قرابة 14 مليار دولار مقارنة بتوقعات العجز ما قبل الحرب، والتي تم تقديرها بعجز يبلغ 1.5% من إجمالي الناتج المحلي، أي ما قيمته 7 مليارات دولار.

ختاماً: تراجعت قيمة الشيكل ليصل إلى أدنى مستوياته منذ 2015، وانخفضت في الأسبوع الأول من معركة الطوفان المباركة بنحو 6%. وبحسب صحيفة "معاريف" الصهيونية، ومن أجل المحافظة على قيمة الشيكل، أعلن البنك المركزي الصهيوني بيع وضخ ما قيمته 30 ملياراً من العملات الأجنبية في الأسواق المحلية، وهو ما يعادل 15% من إجمالي احتياطه من العملات الأجنبية، وشهدت البورصة الصهيونية انخفاضاً بنسبة 4%، وانخفضت قيمة السندات الحكومية بنسبة 3%. 

جميع هذه المؤشرات الاقتصادية تظهر أن الاقتصاد الصهيوني في تهاوٍ حاد ويعيش أسوأ انهياراته، وأنه قد يصل مع استمرار معركة "طوفان الأقصى" إلى مرحلة قد يصعب فيها تعافيه. وفي أحسن الأحوال، سيحتاج إلى سنوات لتخطي الخسائر الاقتصادية الفادحة الناجمة من هذه الأزمة.

في السابع من تشرين الأول/أكتوبر 2023 أعلنت كتائب القسام معركة "طوفان الأقصى"، فاقتحمت المستوطنات الإسرائيلية في غلاف غزة، وأسرت جنوداً ومستوطنين إسرائيليين. قامت "إسرائيل" بعدها بحملة انتقام وحشية ضد القطاع، في عدوانٍ قتل وأصاب عشرات الآلاف من الفلسطينيين.