المصالحة التركية - الكردية.. ما علاقتها بسوريا؟
الرئيس المشترك لحزب "الاتحاد الديمقراطي الكردستاني" صالح مسلم قام بزيارة تركيا عدة مرات، واقترحت عليه أنقرة "التمرد ضد الدولة السورية مقابل تلبية كل حقوقها في سوريا الفدرالية الجديدة بعد سقوط الأسد".
-
العلاقات التركية السورية.. ماذا عن الأكراد؟
بعد خمسة أشهر من دعوة زعيم حزب "الحركة القومية" دولت باخشالي لزعيم "حزب العمال الكردستاني" عبد الله أوجلان كي يأتي إلى البرلمان ويعلن حلّ حزبه ووقف العمل المسلح ضد تركيا، جاء ردّ أوجلان بالموافقة على هذا النداء، بعد اللقاء الثالث بين وفد حزب "المساواة والديمقراطية الشعبية" الكردي مع عبد الله أوجلان الموجود في السجن منذ شباط/ فبراير 1999.
وتلا رئيس الوفد أحمد تورك بيان أوجلان باللغة الكردية، الذي ناشد قيادات الحزب وكوادره وقف العمل المسلح والدعوة إلى مؤتمر عام للحزب لاتخاذ قرار حلّ نفسه. وجاء دعوة أوجلان كتابةً بعد أن رفضت السلطات التركية طلب قيادات الحزب الموجودة في شمال العراق أن يتلو أوجلان خطابه بالصوت والصورة، ليتسنى له إقناع كوادر الحزب بالموافقة على دعوته.
واكتفت السلطات الحكومية بالموافقة على وضع صورة لـ أوجلان وهو يمسك بالورقة التي تضمنت دعوته في القاعة التي شهدت المؤتمر الصحفي. وكان وفد من حزب "المساواة والديمقراطية الشعبية" قد زار الأسبوع الماضي كلاً من أربيل والسليمانية، والتقى هناك قيادات الحزب "الديمقراطي الكردستاني" بزعامة عائلة البارزاني وحزب الاتحاد الوطني الكردستاني بزعامة بافل طلباني، نجل الرئيس العراقي الراحل جلال الطلباني.
وقيل إن الوفد اجتمع في أربيل مع قيادات حزب "العمال الكردستاني" الموجودة في شمال العراق وبحضور مظلوم عبدي، القائد العسكري لـ"قوات سوريا الديمقراطية"، وتمّت خلال الاجتماع مناقشة تفاصيل المرحلة القادمة بعد نداء أوجلان الذي كان من المتوقع له أن يخرج من السجن ويلقي كلمته في البرلمان التركي وفق دعوة زعيم حزب "الحركة القومية" دولت باخشالي في الأول من أكتوبر/ تشرين الأول.
وهو ما سبق تغيير النظام في سوريا بنحو الشهرين، وأثبتت المعلومات لاحقاً أن أنقرة كانت خلال تلك الفترة تستعد لهجوم مسلحي "هيئة تحرير الشام"، والذي بدأ 27 نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي، وانتهى بسقوط الأسد وخلق موازين قوى إقليمية ودولية جديدة.
وفتحت هذه المعطيات المجال أمام أنقرة التي باتت تلعب الدور الرئيسي في مجمل تطورات سوريا الحالية والمستقبلية. ودفع هذا الاحتمال أنقرة إلى الاستعجال في الخطوات اللازمة على طريق التمسك بالمزيد من أوراق المساومة مع كل الأطراف الإقليمية والدولية وعبر التمسك بالورقة الكردية، تركياً وسورياً، ثم إقليمياً، باعتبار أن "وحدات حماية الشعب" الكردية هي الذراع السورية لحزب "العمال الكردستاني"، ولا يدري أحد مقابل ماذا سيلقي السلاح ويحلّ نفسه.
وسط المعلومات التي تتحدث عن وساطة أميركية بين أنقرة و"الوحدات الكردية" في سوريا، وكانت أنقرة على تواصل مباشر معها للفترة 2012-2015.
حيث قام الرئيس المشترك لحزب "الاتحاد الديمقراطي الكردستاني" صالح مسلم بزيارة تركيا عدة مرات، واقترحت عليه أنقرة "التمرد ضد الدولة السورية مقابل تلبية كل حقوقها في سوريا الفدرالية الجديدة بعد سقوط الأسد".
ورفض مسلم آنذاك هذا الطلب، ما دفع أنقرة إلى اتخاذ موقف عدائي ضد كرد سوريا الذين احتموا بالقوات الأميركية/الأطلسية التي ستدخل في مساومات ثنائية مع حكام دمشق الجدد من جهة وكل من أنقرة و "تل أبيب" من جهة أخرى، ولكل منها حسابات خاصة في سوريا التي تعاني من تعقيدات صعبة وخطيرة تريد لها تركيا أن تساعدها وعبر المصالحة مع الكرد في بسط سيطرتها على الجغرافيا السورية بكل ثرواتها الطبيعية، وبشكل خاص الغاز والبترول في البر والبحر.
وسيجعل ذلك من تركيا جارة لـ"إسرائيل" عبر الجغرافيا السورية، إذ يتحدث نتنياهو عن مخططات صهيونية لاحتلال الجنوب السوري في الوقت الذي يعرف الجميع جدية وعمق الحوار والتنسيق الإسرائيلي مع "وحدات حماية الشعب" الكردية التي تحظى بدعم كبير من الرئيس ترامب وفريق عمله المعروف عنه تضامنه مع كرد سوريا حالهم حال نتنياهو الذي هدد وتوعد من يقترب منهم أو يمسهم بأي ضرر.
وقد يدفع ذلك أنقرة و "تل أبيب" وعبر الوسيط الأميركي إلى الاتفاق على صيغة ما تمنع المواجهة بين الطرفين أو تقنعهما بالعمل المشترك في مواجهة تحديات المرحلة القادمة في سوريا وعبرها في المنطقة، إذ سبق للرئيس إردوغان خلال العدوان الإسرائيلي على لبنان أن تحدث عن أطماع الكيان الصهيوني التوسعية في المنطقة وأرض الأناضول التركية.
في الوقت الذي تستمر فيه التهديدات الأميركية - الإسرائيلية لإيران بحجة أنها ما زالت تعرقل المشاريع الصهيونية في المنطقة حتى بعد سقوط نظام الأسد، وبات واضحاً أن التخلص منه كان ضرورياً لصياغة الواقع الجديد في المنطقة التي تشهد تحولات مثيرة مع اعتراف الأنظمة العربية بالنظام الجديد في دمشق، وتجاهلها لسجل الحكام الجدد الذين ترى فيهم هذه الأنظمة ومعها العواصم الغربية "نموذجاً للديمقراطية والحرية " وهو ما لا ولن يتحقق لسوريا خلال المرحلة القادمة على المديين القريب والمتوسط.
ويبقى الرهان في نهاية المطاف على التنازلات التي ستقدمها أنقرة لأوجلان مقابل وقف العمل المسلح، ويبدو أنه سيحتاج إلى مزيد من الوقت إلى أن تتضح الصورة في سوريا.
في الوقت الذي يعرف فيه الجميع أن ما يسعى إليه الرئيس إردوغان من هذه المصالحة هو ضمان دعم الكرد لمساعيه في تغيير الدستور والهدف منه السماح له بالترشح لانتخابات الرئاسة القادمة، ويبدو واضحاً أنها ستشهد مواجهة سياسية عنيفة بين إردوغان ورئيس بلدية إسطنبول أكرم إمام أوغلو.
وأطلق، بدوره، حملته الانتخابية المبكرة في اليوم نفسه الذي أعلن فيه أوجلان بيانه الذي يحمل في طيّاته الكثير من التفاصيل الحساسة والدقيقة بكل انعكاساتها على تركيا والمنطقة عموماً، ولم يعلن الرئيس ترامب حتى الآن عن رؤيته الجهنمية حيالها مع استمرار أطماع الصهاينة فيها، ومن دون أن يحرك الحكام العرب والمسلمون ساكناً لمواجهتها.