بعد الغارات الأميركية على الشرق السوري: المقاومة مستمرة بالتصعيد

تدرك الولايات المتحدة الأميركية، المشارك والداعم الرئيسي لكيان الاحتلال الإسرائيلي، أن محور المقاومة حوّل هذه المعركة إلى فرصة تاريخية لتحقيق أهدافه في التحرير وهزيمة كيان الاحتلال، وفي إنهاء وجودها العسكري في المنطقة.

  • سوريا ومعركة طوفان الأقصى.
    سوريا ومعركة طوفان الأقصى.

بعد ما يقارب 4 أشهر على بدء معركة طوفان الأقصى المجيدة، وعلى الرغم من اصطفاف قوى جبهة أعداء فلسطين بكامل عددها وإمكاناتها الهائلة خلف العدو الإسرائيلي، وإمداده بكل ما يلزم لتنفيذ أكبر عدد من المجازر بحق الشعب الفلسطيني في قطاع غزة، وإحداث أفظع دمار ممكن في المدينة وجوارها، واستخدام أسلحة تدمير تفوق في عددها وأنواعها وقوة تدميرها كل ما استخدمته الولايات المتحدة الأميركية في حروبها الهمجية خلال العقدين الأخيرين، لا تزال وقائع الميدان اليومية تؤكد علو كعب المقاومة على الجبهة الفلسطينية، وتحقيقها انتصارات يومية مؤثرة واستراتيجية، كما تؤكد تقدم محور المقاومة في عموم جبهات المنطقة المرتبطة بفلسطين ومعركتها التحررية، وهي الجبهات التي لبّت نداء غزة منذ منتصف تشرين الأول/أكتوبر من العام الفائت، والتي لا تزال في تطور وتصاعد متزايد منذ ذلك اليوم، وهو ما يجعل معركة "طوفان الأقصى" مختلفة عن أي معركة أخرى خاضها العدو الإسرائيلي وداعموه منذ احتلال فلسطين. 

وتدرك الولايات المتحدة الأميركية، المشارك والداعم الرئيسي لكيان الاحتلال الإسرائيلي، بل القوة الإمبريالية التي تدير حروبه ومعاركه، وتحتل العراق وأجزاء من سوريا، وتهيمن على القرار السياسي وعلى الثروات في غالبية الدول العربية والمنطقة، أن محور المقاومة حوّل هذه المعركة إلى فرصة تاريخية لتحقيق أهدافه في التحرير وهزيمة كيان الاحتلال، وفي إنهاء وجودها العسكري في المنطقة، وأنه يمضي في هذه الخطة بثبات واقتدار وإدارة مذهلة للمعركة على جميع جبهاتها، بكل ما يترتب عليه هذا الأمر من احتمال إحداث تغيير عالمي سيضرب الجبهة الإمبريالية في واحدة من أهم مناطق نفوذها ونهبها.

لذلك، بادرت إلى العمل على جميع الجبهات والمستويات، في محاولة منها لتطويق الخطر الداهم الذي يحيق بها وبأداتها التدميرية "إسرائيل"، فمن جهة، عمدت إلى دفع بعض الأنظمة العربية للتوسط لدى فصائل المقاومة الفلسطينية لإقرار تسوية أو صفقة تحفظ بعض ماء وجه كيان الإحتلال الإسرائيلي وتُخفف من وطأة هزيمته الواضحة، خصوصاً لجهة موضوع إطلاق أسرى الاحتلال مقابل أثمان بخسة من جانب الكيان، وهو الأمر الذي رفضته فصائل المقاومة في غزة، والتي أصرت على مطالبها الواضحة بشأن الأسرى، كما بشأن الهدنة. 

من جهة أخرى، رفعت واشنطن من سقف تهديداتها الصوتية في وجه قوى محور المقاومة في المنطقة، في محاولة منها لفصل الجبهات والتعاطي مع كل جبهة باعتبارها شأناً خاصاً بالبلد الذي تتبع له تلك القوة المقاومة، ولا علاقة مباشرة له بمعركة طوفان الأقصى وما يجري في فلسطين المحتلة، وقد شرعت لاحقاً بالفعل بتنفيذ عدوانها المستجد على اليمن، الذي انضمت إليها فيه بعض القوى الغربية التابعة، وعلى رأسها بريطانيا، وبدأت حملة قصف همجية ضد مكتسبات الشعب اليمني الذي أعلنت قيادته السياسية وقواته المسلحة في العاصمة صنعاء التزامهما خوض معركة فلسطين، مهما كانت الأثمان غالية، وعدم التراجع عن استهداف الكيان الصهيوني وجميع السفن التجارية والعسكرية المتجهة إلى موانئ فلسطين المحتلة، حتى يتوقف العدوان على الشعب الفلسطيني، ويُفك الحصار عن قطاع غزة المقاوم. 

كذلك، أعقبت واشنطن تهديداتها لفصائل المقاومة الإسلامية في العراق بعدوان جوي على عدد من مواقع تلك الفصائل على الأراضي العراقية وعند الحدود مع سوريا، كما استهدفت مواقع تابعة للجيش السوري والقوات المسلحة الرديفة العاملة معه، وفصائل المقاومة الإسلامية في سوريا والعراق العاملة في محافظة دير الزور وريفها والبادية السورية، وبررت ذلك بتعرض قواعدها في سوريا والعراق والأردن لهجمات متصاعدة من تلك الفصائل، وأغفلت بالطبع علة هذه الهجمات وسبب وجود هذه المقاومة من الأساس، كما ارتباط تصاعد تلك الهجمات بمعركة طوفان الأقصى وبالعدوان الإسرائيلي على الشعب الفلسطيني، والذي تصر فصائل المقاومة في العراق وسوريا على وضعه في قائمة عناوين بياناتها بعد كل هجوم على القواعد الأميركية أو على مواقع للاحتلال الإسرائيلي في الجولان السوري المحتل وفي الداخل الفلسطيني. 

من جهة موازية، عمدت الولايات المتحدة إلى التعاطي مع الجبهة اللبنانية مع فلسطين المحتلة، إذ تخوض المقاومة الإسلامية في لبنان واحدة من أشرس وأنبل وأخطر المعارك مع كيان الاحتلال الإسرائيلي بطريقة المبعوثين والمفاوضين الذين يجهدون في انتزاع قرار من المقاومة الإسلامية (حزب الله) بالابتعاد عدة كيلومترات خلف نهر الليطاني في مقابل تخفيف بعض الضغوط السياسية والاقتصادية في الداخل اللبناني، فيما تمضي المقاومة الإسلامية في لبنان في طريقها الفلسطيني الواضح غير القابل للمساومة أو التفاوض. 

في سوريا، حيث أعلنت وسائل الإعلام الرسمية السورية عن آخر الاعتداءات الصهيونية عند الساعة الثانية عشرة والنصف من صباح يوم الأربعاء 7 شباط/فبراير، والتي استهدفت مدينة حمص وريفها، وأسفرت عن سقوط شهداء بين المدنيين، فقد نفذت قوات الاحتلال الأميركي سلسلة من الاعتداءات على مواقع للجيش العربي السوري والقوات الرديفة وفصائل المقاومة في مدينتي اليوكمال والميادين وأريافهما.

وفي حين نقلت وسائل إعلام عن مسؤول في البنتاغون أن الاعتداءات الأميركية استهدفت 7 منشآت في سوريا والعراق، أعلنت القيادة الوسطى المركزية الأميركية أن قواتها شنت غارات جوية في العراق وسوريا "ضد قوة القدس" التابعة لحرس الثورة الإيراني، مستهدفة 85 هدفاً، مستخدمة في ذلك قاذفات بعيدة المدى انطلقت من الولايات المتحدة الأميركية، واستخدمت فيها أكثر من 125 قذيفة "دقيقة التوجيه". والمؤكد هنا، وخلافاً لادعاءات القيادة الوسطى الأميركية التي تحدث عن "مواقع إيرانية"، أن وزارة الدفاع السورية شيعت شهداء الجيش العربي السوري الذين ارتقوا من جراء هذا العدوان.

والواقع أيضاً، وكما كان متوقعاً تماماً، فإن الهدف الأول لهذه الاعتداءات، وهو بث الرعب في صفوف قوى المقاومة والجيش العربي السوري وثنيهم عن استهداف قواعد الاحتلال في الشرق السوري، لم يتحقق أبداً، وسرعان ما ردت المقاومة بضربات كثيفة وقوية ونوعية استهدف عدداً من القواعد الأميركية في سوريا والعراق، ومنها قاعدة "حقل كونيكو"، وقاعدة "حقل العمر"، وقاعدة "خراب الجير".

وقد نُفذت بعض تلك الهجمات من داخل الأراضي السورية، وأسفرت عن سقوط قتلى وجرحى بين صفوف قوات الاحتلال الأميركي، وخصوصاً الهجوم القوي جداً بالطائرات المسيرة على قاعدة "حقل العمر" يوم الاثنين الفائت، والذي أقرت في إثره ميليشيا "قسد" العاملة تحت إمرة قوات الاحتلال الأميركي بسقوط 7 قتلى وأكثر من 15 جريجاً من قواتها التي كانت تخوض تدريبات مشتركة مع القوات الأميركية داخل القاعدة أثناء الهجوم. 

وبعدما لم تُجدِ تهديداتها واعتداءاتها نفعاً في الميدان، بادرت واشنطن إلى الدفع بأداتها الإرهابية "داعش" للهجوم على عدد من محاور البادية السورية، حيث صد الجيش العربي السوري هجوماً لعناصر التنظيم الإرهابي في بادية "السخنة"، وهجوماً آخر في محيط حقل "آراك" في بادية "تدمر" إلى الشرق من مدينة حمص، وأعلنت قوات الجيش العاملة في أرياف حمص ودير الزور والرقة استنفاراً تاماً، وقامت بمشاركة الطيرانين السوري والروسي بعمليات تمشيط في مساحات واسعة من البادية السورية. 

وفي الشرق السوري، يزداد الضغط على قوات الاحتلال الأميركي من خلال تكثيف هجمات قوات العشائر العربية على مواقع ودوريات ميليشيا "قسد" المتعاونة مع المحتل. وقد باتت تلك الهجمات يومية في الأسبوعين الأخيرين. ولعل في تصريحات السفير الأميركي السابق في سوريا، روبرت فورد، ما يكشف بعض ملامح الموقف في الشرق السوري، وخصوصاً لجهة مستقبل قوات الاحتلال وميليشيا "قسد"، إذ نصح فورد الكرد في شرقي سوريا بعدم التعويل التام على الحماية الأميركية وضرورة المبادرة إلى التواصل مع الحكومة السورية وتحسين علاقتها مع دمشق.

في السابع من تشرين الأول/أكتوبر 2023 أعلنت كتائب القسام معركة "طوفان الأقصى"، فاقتحمت المستوطنات الإسرائيلية في غلاف غزة، وأسرت جنوداً ومستوطنين إسرائيليين. قامت "إسرائيل" بعدها بحملة انتقام وحشية ضد القطاع، في عدوانٍ قتل وأصاب عشرات الآلاف من الفلسطينيين.