تركيا ستدعم سوريا.. ولكن ضد من؟
الدعم التركي للنظام الجديد في سوريا في المجالين العسكري والاستخباري موجود منذ الساعات الأولى لدخول الجولاني إلى دمشق.
-
ماذا عن الدعم التركي للنظام السوري؟
في الوقت الذي كانت فيه دمشق تستضيف وفداً سعودياً مهماً، خرج المتحدث باسم وزارة الدفاع التركية ليقول "إن القيادة السورية (لم يصدر عنها أي تصريح في هذا الموضوع) طلبت رسمياً من أنقرة مساعدتها على تعزيز قدراتها الدفاعية ومحاربة جميع الجماعات الإرهابية، وفي مقدمتها تنظيم الدولة الإسلامية ".
البيان الذي أثار اهتمام وسائل الإعلام الإقليمية والدولية، صادف أيضاً تصريحات توم براك المتناقضة، فيما يتعلق بمستقبل الحوار بين دمشق و قسد، وبالتالي مساعي واشنطن لتحقيق المصالحة بين حكام دمشق الجدد و "تل أبيب"، وهو الهدف الأساسي لمهمة باراك، ويتصرف كأنه وزير مستعمرات أميركي.
ومع التذكير بأن الدعم التركي للنظام الجديد في سوريا في المجالين العسكري والاستخباري موجود منذ الساعات الأولى لدخول الجولاني إلى دمشق، جاء بيان وزارة الدفاع أيضاً بعد التوتر في السويداء، حيث كانت أنقرة تقف إلى جانب نظام أحمد الشرع، في الوقت الذي كان فيه النظام العبري يدعم بعض الأطراف الدروز ويمنع قوات النظام السوري من دخول السويداء والسيطرة عليها.
فأنقرة التي لم تصدر أي بيان عن المجازر التي وقعت في الساحل ضد العلويين، أكدت دعمها المطلق لدمشق في حربها ضد "المتمردين الدروز المدعومين من الكيان الصهيوني ".
واتهمتها أنقرة بالعمل على تقسيم سوريا بالتنسيق والتعاون مع الميليشيات الكردية شرق الفرات وخلافاً لاتفاق 10 آذار/ مارس بين مظلوم عبدي وأحمد الشرع في دمشق وبرعاية أميركية - فرنسية مشتركة.
وهو ما يفسر أحاديث توم براك المتناقضة عن قسد ومستقبل العلاقة بينها وبين دمشق في إطار فدرالي، كما هي الحال في العراق.
حيث قام الحاكم الأميركي بول بريمر بصياغة الدستور العراقي الجديد، ووافق عليه الشعب العراقي في استفتاء أُجري في ظروف الاحتلال.
كما أقرّ بريمر نظاماً سياسياً غريباً خصّص به منصب رئاسة الجمهورية لكردي ورئاسة الحكومة لشيعي ورئاسة البرلمان لسني، على أن تكون رئاسة الجمهورية من حصة الاتحاد الوطني الكردستاني بزعامة جلال الطلباني ورئاسة الإقليم الكردستاني الفدرالي من حصة الحزب الديمقراطي الكردستاني بزعامة مسعود البرزاني.
ومع التذكير بصيغة بريمر هذه في العراق، والعرف السياسي المتبع في لبنان فيما يتعلق بتقاسم مناصب رئاسة الجمهورية والحكومة والبرلمان بين الموارنة والسنة والشيعة، بات واضحاً أن توم براك يبحث عن صيغة مماثلة يفرضها على أحمد الشرع قبل أو بعد التطبيع مع الكيان الصهيوني، مقابل بقائه في السلطة لفترة أطول تساعد واشنطن على تحقيق كل أهدافها في المنطقة، وأهمها فرض الأجندة الإسرائيلية على الجميع بعد التطبيع بين "تل أبيب" وكل من دمشق ولبنان.
وربما لهذا السبب راحت أنقرة تبحث عن صيغ جديدة تساعدها على مواكبة التغييرات السريعة والمثيرة في المنطقة، وتسعى لإحكام سيطرتها عليها بوسائل مختلفة بشكل مباشر أو غير مباشر، وبغياب الموقف العربي المشترك واستمرار الخلافات بين الأنظمة العربية حيال كل القضايا المصيرية.
فبعد أيام من حديث الرئيس إردوغان عن ضرورة " التنسيق والتعاون بين الأتراك والكرد والعرب (لم يذكر الفرس) لمواجهة التحديات الخطيرة في المنطقة " فاجأ زعيم حزب الحركة القومية وشريك إردوغان في السلطة دولت باخشالي الجميع بتصريح مثير اقترح فيه "أن يكون لرئيس الجمهورية التركي نائبان أحدهما كردي والآخر علوي".
ومع التذكير بأن عدد العلويين في تركيا يصل إلى 15 مليوناً وعدد الكرد يصل إلى 20 مليوناً من أصل ٨٦ مليوناً هم سكان تركيا، فقد أثار اقتراح باخشالي نقاشاً واسعاً في الأوساط السياسية والإعلامية المعارضة التي اتهمته والرئيس إردوغان بالعمل على "لبننة النظام السياسي في تركيا".
وخاصة أن هذا الاقتراح قد جاء مع استمرار الحوار بين أنقرة وحزب العمال الكردستاني الذي اشترط على الدولة التركية إخلاء سبيل زعيمه عبد الله أوج الان مقابل إنهاء العمل العسكري ضد الدولة التركية.
وترى أنقرة في هذا الحوار مع العمال الكردستاني وسيلة تساعده لصياغة الواقع السياسي والجغرافي للوضع شرق الفرات، بحيث يخدم مصالحها الاستراتيجية، باعتبار أن الاتحاد الديمقراطي الكردستاني ووحدات حماية الشعب الكردية امتداد لحزب العمال الكردستاني التركي، ويريد الرئيس إردوغان أن يكون شريكاً له في مساعيه للسيطرة على السيناريوهات المستقبلية، لا في سوريا فقط والمنطقة عموماً بل أيضاً في الداخل التركي.
ويبقى الرهان في نهاية المطاف على مستقبل الحوار بين حكام دمشق الجدد مع النظام العبري وبضوء أخضر تركي دفع الرئيس أحمد الشرع لزيارة أذربيجان ولقاء الرئيس إلهام عالييف حليف نتنياهو الاستراتيجي وقيل إنه كان على اتصال مباشر مع إردوغان ونتنياهو خلال وجود الشرع في باكو.
وهي الزيارة التي باركتها واشنطن كما باركت هي وتبنّت الحوار بين الشرع ومظلوم عبدي ويحظى بمباركة من فرنسا - باريس، وبعد التدخل التركي وضغوط أنقرة على أحمد الشرع فشلت في جمع مظلوم عبدي بوزير الخارجية اسعد الشيباني، الذي جمعه توم باراك في باريس مع وزير التخطيط الاستراتيجي الإسرائيلي روون ديرمر - التي ما زالت ترى في مستعمراتها السابقة لبنان وسوريا ضمن حساباتها الاستراتيجية الخاصة بالمنطقة مع مراعاة المصالح الإسرائيلية الاستراتيجية.
وبات واضحاً أن ضمان هذه المصالح الاستراتيجية سياسياً وعقائدياً ودينياً وإلى الأبد هو هدف كل التحركات الإقليمية والدولية في سوريا. واتفق الجميع من أجلها على تسليم السلطة لهيئة تحرير الشام وحليفاتها من الفصائل الإرهابية الخطيرة الإجرامية لتحل محل نظام قالوا عنه إنه "ديكتاتوري وإجرامي وفاسد ".
وأثبتت الأشهر الثمانية الماضية أن مَن حل محل النظام السابق أثبت أنه أكثر ديكتاتورية و استبداداً وإجراماً طائفياً ضد العلويين والدروز والمسيحيين بل وحتى البعض من السنة إذ يعاني الكل تبعات قضايا الفساد الخطيرة التي دمرت ما تبقى من معاناة الشعب السوري بسبب الحرب التي كانت هذه الفصائل وكل الداعمين لها إقليمياً ودولياً سببها الرئيسي وفي إطار خطة جهنمية سمّاها البعض " الربيع العربي" بفصوله الدموية المستمرة !