"حاج حمود".. يا نجمة الزمن الجميل

من ضاحية بيروت الجنوبية إلى كل لبنان، عاش محمود حمود كرة القدم في كل أوجهها؛ ناشئا وهدّافاً ومربياً ومدرباً.

  • يجذبك الحاج الملتحي بحسه التهديفي كلاعب، وبتواضعه ودماثة أخلاقه كإنسان.

كان عمري لا يتعدّى سبعة أعوام حين اصطحبني والدي في ثمانينيات القرن الماضي إلى ملعب في بيروت لمشاهدة فريق النجمة اللبناني. ما ترسّخ لديّ من انطباع يومها هو الاستغراب، لأن أبي لم يكن من متابعي الرياضة عموماً. وسرعان ما أدركت أن والدي كان في صدد التعبير عن مشاعره الأبوية من خلال مشاركتي في حب أكبر فريق جماهيري؛ "النجمة"!

في عمر السابعة، وبغياب وسائل التواصل آنذاك، لم يكن مألوفاً أن تحفظ أسماء لاعبي كرة القدم في بلد منهار تماماً، أمنياً واجتماعياً، بفعل الحرب الأهلية، لكنّ لاعباً واحداً كان لاسمه وقع محبَّب لدى الجميع عند الهتاف والتشجيع: "الحاج حمود".

ومَن لم يشاهد، حضورياً، مشجعي النجمة وتفاعلهم مع الحاج حمود عند تسجيله هدفاً، لم يَخبر حقيقة كرة القدم، ولا معنى الانتماء إلى وطن آخر؛ لا خلاف على هويته ولا على حبه.

يجذبك الحاج الملتحي بحسه التهديفي كلاعب، وبتواضعه ودماثة أخلاقه كإنسان.

من ضاحية بيروت الجنوبية إلى كل لبنان، عاش محمود حمود كرة القدم في كل أوجهها؛ ناشئا وهدّافاً ومربياً ومدرباً. 

وفي مشهد لم يخلُ من "غرابة" بالنسبة إلى مجتمع كرة القدم اللبنانية في الثمانينيات والتسعينيات من القرن الماضي، جمع نجم النجمة شغف اللعبة بالالتزام العقائدي، فارضاً احترامه على الخصوم قبل الأصدقاء.

طوال 18 عاماً من اللعب للنادي النبيذي، وطوال مسيرة ناصعة سجّل فيها عشرات الأهداف، نَدرَ أن نال الحاج حمود بطاقة ملونة أو إنذاراً على مخالفة، قبل أن يُنهي مسيرته كلاعب في سن مبكّرة في عام 1996، في مباراة اعتزال حضرها عشرات آلاف النجماويين الذين حيّاهم الحاج بدموعه.

بعد الاعتزال، انتقل محمود حمود إلى التدريب، بحيث تميّز بصورة كبيرة بعد أن استكمل تعليمه الكروي على الصعيد القارّي، وتوّج صدق عمله بالنجاح مع فريق "العهد" في الصعود إلى الدرجة الأولى. النادي الأصفر، الذي سيصبح لاحقاً بطلاً لكأس الاتحاد الآسيوي، بعد أن أحرز مع الحاج حمود نفسه بطولة الدوري ثلاث مرات، وكأس لبنان أربع مرات، وكأس السوبر ثلاث مرات، وكأس النخبة مرتين.

عاد الحاج مجدَّداً إلى نقطة انطلاقته في الضاحية الجنوبية، ونقل فريق "شباب الساحل" إلى مستوى النخبة، واضعاً مشروعاً طويل الأمد للتأسيس لفريق بطولات.

قبل أيام قليلة، استجمع "الحاج حمود" قواه من على سريره في المستشفى، حيث كان يصارع وباء "كوفيد 19"، ليخطّ على قصاصة من ورقة: "هي معركة سأنتصر فيها". استبشر الجميع خيراً بمعنويات الحاج العالية وإرادته الحديدية، حتى في أشدّ لحظات ضعف الجسد. واكبناكَ يومياً. سألنا عن حالتك الصحية. تضرّعنا جميعاً أن تُشفى سريعاً وتعود إلينا، لكن القَدَر أحبّك أكثر منا!

في كل مرة سجّلت فيها هدفاً، كنت تركض مباشرة نحونا في المدرّجات؛ نحن "مجانين" النجمة، لنحتفل معك. هذه المرة، انتظرناك ولم تأتِ. نحن أتينا، لنحتفي بك إلى الأبد.. يا نجمة الزمن الجميل.