حملة زهران ممداني التاريخية فرصة لتحرير اليهود وأميركا من الصهيونية
تُمثل حملة زهران ممداني لمنصب عمدة نيويورك لحظة تاريخية مهمة للهوية اليهودية، حيث يبتعد المزيد من اليهود عن الصهيونية.
- 
حملة زهران ممداني.. لحظة فارقة للهوية اليهودية.  
جاء فوز الشاب زهران ممداني بترشيح الحزب الديمقراطي لمنصب عمدة نيويورك، أهم ميتروبوليتان حضري في أميركا الشمالية، متفوقًا على قيادات ديمقراطية راسخة، كابوسًا مفاجئًا للصهاينة واليمين العنصري الأميركي.
فقد قامت حملته الانتخابية على دعم المساواة والعدالة الاجتماعية ومواساة المحرومين ومناصرة قضية فلسطين ونبذ الإسلاموفوبيا والعنصرية، واستقطبت تأييدًا من مختلف ألوان الطيف الاجتماعي والثقافي والإثني في المدينة، بمن فيهم اليهود غير الصهاينة.
تُمثل حملة زهران ممداني لمنصب عمدة نيويورك لحظة تاريخية مهمة للهوية اليهودية، حيث يبتعد المزيد من اليهود عن الصهيونية. وستكون معركة شرسة بين الأجيال، وذات تأثير واسع النطاق على السياسة الأميركية.
لحظة فارقة للهوية اليهودية
بدوره، يرى الكاتب اليهودي التقدمي المخضرم، فيليب فايس، مؤسس ومحرر موقع "موندوفايس" Mondoweiss المناهض للصهيونية و"إسرائيل"، أن حملة زهران ممداني لحظة فارقة للهوية والمجتمع اليهودي، إذ تُعطي دفعة قوية لليهود الذين يجادلون بأن اليهودية ليست مرادفة للصهيونية، وستساعد أيضًا في تحرير اليهود والسياسة الأميركية من الصهيونية.
فوفقًا لاستطلاعات الرأي، من المتوقع أن يصوّت اثنان من كل ثلاثة شباب يهود في المدينة لصالح ممداني، وستدعمه إجمالاً نسبة وازنة من اليهود (43 في المئة).
يتقبل هؤلاء اليهود، بل ويحتفلون، بتضامن ممداني مع الفلسطينيين. يتخذ ممداني مواقف كانت تُعدّ سابقًا من محرمات السياسة: فهو يدعم حركة مقاطعة "إسرائيل" وسحب الاستثمارات وفرض العقوبات (BDS)، ويقول إن "إسرائيل" ارتكبت إبادة جماعية في غزة، وإنه سيسعى لاعتقال نتنياهو كمجرم حرب إذا جاء إلى نيويورك.
اضطرت صحيفة "نيويورك تايمز" إلى اقتباس أقوال منظمة "صوت يهودي لأجل السلام" (JVP)، وهي مجموعة مناهضة للصهيونية، تُشيد بحملة ممداني باعتبارها معركة "لأجل إنسانية وكرامة وحرية جميع الناس – من نيويورك إلى فلسطين". كانت هذه المنظمة غالبًا غير مرئية أو موضوعًا لتعليقات مُخيفة، وطردت من جامعة كولومبيا تحت ضغط المانحين.
يُقاوم الصهاينة، بالطبع، هذه التوجهات. فقد احتشد أكثر من 1000 حاخام ضد ممداني، قائلين إنه يُؤجج نيران معاداة السامية. يقول هؤلاء الحاخامات إن دعم "إسرائيل" أمر أساسي في الديانة اليهودية، وأن هذا الرأي يُمثل الأغلبية اليهودية و"مستقبل اليهود". وبعض هؤلاء الحاخامات ينتمي إلى منظمة "جيه ستريت" – ما يُسمى بالصهاينة الليبراليين.
أزمة في الإيمان والخطاب
يقول فايس، إذا حقق ممداني المتوقع منه – أي الفوز مدعومًا باليهود – فسيكتسب المناهضون للصهيونية صوتًا قويًا داخل المجتمع اليهودي لطرح أسئلة مهمة: لماذا تُعدّ القومية اليهودية جزءًا من العقيدة الدينية – لا مجرد أيديولوجية تفوّق عرقي، لا تختلف عن قوانين جيم كرو العنصرية في الجنوب الأميركي؟ هل من الجيد لليهود أن يرتبطوا بالفصل العنصري والتطهير العرقي ومذابح الأطفال؟
حتى ظهور ممداني، حدّد الصهاينة الليبراليون – بنجاح – حدود انتقاد "إسرائيل" داخل الحزب الديمقراطي. وزعموا أن حركة المقاطعة وسحب الاستثمارات وفرض العقوبات (BDS) معادية للسامية، وسيقاطعون أي شخص يدعمها، ولن يمارسوا أي ضغط على "إسرائيل" لإنهاء احتلالها. اليوم، يتخلى العديد من الصهاينة الليبراليين عن هذه المواقف.
هذه الأزمة، في الإيمان والخطاب، طال انتظارها. فخلال أكثر من 75 عامًا، تستر المجتمع اليهودي الأميركي المنظم طواعيةً على فظائع "إسرائيل". فرضت المؤسسة اليهودية (جميع المنظمات والهيئات الدينية الرائدة، تحت مظلة مؤتمر الرؤساء) قواعد بسيطة بشأن "إسرائيل": يجب أن نتحدث بصوت واحد وألا نختلف علنًا أبدًا (لأننا أقلية صغيرة)، ونؤكد كل ما تقوله الحكومة الإسرائيلية.
وهكذا، وافقت الفئة الدينية الأكثر ليبرالية وثراءً وتعليمًا في المجتمع الأميركي على نظام الفصل العنصري، وانتقدت جيمي كارتر ونبذته لمجرد استخدامه هذه الكلمة. ودعم المجتمع اليهودي بأكمله تقريبًا المذبحة في غزة – معابد، ومنظمات قيادية، ومنظمات خيرية، وصهاينة ليبراليون. وكان الاستثناء مجموعات يهودية شابة نبيلة، مثل "صوت يهودي لأجل السلام" و"إن لم يكن الآن".
فصل الصهيونية عن اليهودية
إن ربط الديانة اليهودية بحكومة فصل عنصري وحشية أمر سيئ جدًا لليهود. لم يدمر هذا فقط التقاليد اليهودية في تعزيز الحقوق المدنية، بل ولّد أيضًا السخط وأجّج معاداة السامية.
لذا، يمثل صعود ممداني تحررًا. فهو يمنح مساحة لليهود المناهضين للصهيونية ليتبنوا مبادئ ليبرالية أساسية دمرتها المؤسسة اليهودية، أي مقاطعة الاضطهاد، ومحاكمة مجرمي الحرب.
ستناهض وسائل الإعلام الليبرالية هذا الاتجاه ما استطاعت. لا تزال صحيفة "نيويورك تايمز" تصور "إسرائيل" كديمقراطية متينة، رغم أن نتنياهو تجاوز الحدود – كما لو أن المذبحة المتكررة لغير اليهود ليست سمة أساسية من سمات الصهيونية. قبل أيام قليلة فقط، نشرت "نيويورك تايمز" تصريحًا جنونيًا لقائد إسرائيلي مفاده أن "إسرائيل" فرضت وقف إطلاق النار في لبنان من خلال "شن هجمات أكثر من ألف مرة" في عام واحد. ثم رد كاتب عمود بالصحيفة، عزرا كلاين، على هذا التوكيد الوحشي باحترام. وتكاد تكون الإذاعة القومية العامة (غير الربحية) NPR عمياء بالقدر نفسه.
لن يتم فصل الصهيونية عن الثقافة اليهودية بين عشية وضحاها، ستكون هناك معركة شرسة بين الأجيال.
مؤخرًا، روت الآنسة ريتشيل Miss Rachel، نجمة "يوتيوب" التي برزت كصوت رائد في إضفاء الطابع الإنساني على الفلسطينيين بوسائل إعلام رئيسة، أنها قوبلت بالرفض مرارًا وتكرارًا عندما حاولت استئجار مساحة للعب في نيويورك للترحيب بوصول رهف، طفلة غزية فقدت ساقيها جراء القصف الإسرائيلي. لم تذكر الآنسة ريتشيل من رفض طلبها، لكن النمط العنصري الذي وصفته سمة مميزة للجالية الصهيونية اليهودية في نيويورك.
قبل فترة وجيزة، ألغت مؤسسة 92d Street Y محاضرة للكاتب الفلسطيني عز الدين أبو العيش، الذي فقد ثلاث بنات في قصف إسرائيلي، لأنها لم تستطع "الموازنة" بين أبو العيش وصوت مؤيد لـ"إسرائيل". وقبل أعوام عدة، ألغت ورشة مسرح نيويورك مسرحية مستوحاة من كتابات المناضلة الراحلة ريتشيل كوري.
تفكيك اللوبي من داخل اليهود
قال بن لوربر في برنامج إعلامي على الإذاعة القومية العامة مؤخرًا إن القول بأن اليهود يسيطرون على السياسة الخارجية هو نظرية مؤامرة معادية للسامية. قد تكون مثل هذه التصريحات العامة معادية للسامية، لكن تعليق لوربر يهدف للدفاع عن اللوبي الإسرائيلي من الانتقادات. إنه يلمح بأن وصف فصيل منظم من الصهاينة اليهود (إيباك) بامتلاك النفوذ والقوة المفرطة أمر معادٍ للسامية.
الحقيقة أن فصيلاً منظمًا من الصهاينة في الحياة العامة هيمن على صنع السياسات في الشرق الأوسط على مدى الأعوام الستين أو السبعين الماضية.
وكما قال دونالد ترامب للكنيست الإسرائيلي الشهر الماضي (تشرين الثاني 2025)، كان آل شيلدون أديلسون يدخلون مكتبه متى شاؤوا، وكانوا "مسؤولين بشكل كبير عن الكثير". وشمل ذلك نسف الاتفاق النووي الإيراني والاعتراف بالقدس عاصمة لـ"إسرائيل".
يفسر هذا الفصيل المنظم حقيقة أن أوباما لم يفعل شيئًا لإحباط الاحتلال، بل أجبر الحزب الديمقراطي على وصف القدس بعاصمة "إسرائيل غير المقسمة" عام 2012، متحديًا بذلك قواعد الحزب.
ويفسر هذا الفصيل المنظم سبب رفض بايدن وهاريس الاعتراف بوقوع الإبادة الجماعية الإسرائيلية، ناهيك بتحريك ساكن لوقفها، لأكثر من عام، حتى مع تراجع قاعدة الحزب الديمقراطي.
ويفسر أيضًا سبب انتظار النائب الديمقراطي القيادي حكيم جيفريز حتى أواخر تشرين الأول (2025) لتأييد ترشح ممداني – جيفريز الذي أعلن ذات مرة خلال العدوان الإسرائيلي على غزة عام 2014: "إسرائيل اليوم، إسرائيل غدًا، إسرائيل إلى الأبد".
نشأ هذا الفصيل داخل المجتمع اليهودي – نعم، بدافع الخوف على سلامة اليهود – وازدراءً لسلامة الفلسطينيين – وقد تحوّل إلى كتلة قوية دمرت مسيرات مهنية وأخضعت الديمقراطيين. في الأسبوع الأخير من تشرين الأول فقط، قدم مايكل بلومبرغ، أحد مؤيدي "إسرائيل"، مبلغ 1.5 مليون دولار إضافية لدعم أندرو كومو، منافس ممداني. وبصفته حاكم ولاية نيويورك، عمل كومو مرارًا وتكرارًا على حظر حركة المقاطعة وسحب الاستثمارات وفرض العقوبات (BDS).
يري فايس وجوب التصدي لقوة هذا اللوبي أو الجماعة الضاغطة إذا كنا نطمح يومًا ما لتحقيق السلام في الشرق الأوسط، وسيتعين تفكيكها من داخل المجتمع اليهودي ذاته.
لا يستطيع اليهود المناهضون للصهيونية القيام بهذا العمل وحدهم. فنحن، كأقلية مهمشة في المجتمع اليهودي، لطالما اعتمدنا على غير اليهود للحصول على الدعم والتعلم. وممداني هو أحدث حلفائنا، وربما الأكثر ثورية.