خيارات الكابينت في مواجهة تصاعد المقاومة في الضفة

بعد تصاعد عمليات المقاومة في الضفة الغربية تتسم خيارات "إسرائيل" بالتعقيد، ولا سيما أنّها فشلت في سياسات إجهاض عمليات المقاومة قبل تنفيذها أو حتى الحد منها.

  • خيارات الكابينت في مواجهة تصاعد المقاومة في الضفة
    خيارات الكابينت في مواجهة تصاعد المقاومة في الضفة

في أعقاب عمليتَي حوارة والخليل، فوّض المجلس الوزاري المصغر للعدو (الكابينت) رئيس وزرائه بيبي نتنياهو ووزير الأمن يوآف غالانت اتخاذ القرار للعمل من دون اجتماع الكابينت، حتى في حال كان العمل أشد من ذي قبل، وتحدثت مصادر عديدة داخل العدو أن الخيارات تتجه نحو تنفيذ عمليات اغتيال لقيادات من المقاومة بشكلٍ مُفاجئ، وقال الصحافي الصهيوني في القناة "13" الإسرائيلية، ألون بن ديفيد إن غالانت يبحث عن طريق لتحصيل ثمن باهظ من حماس التي تقوم بإغراق الضفة الغربية بالسلاح، وليس شرطاً تحصيل ثمن من حماس في غزة، مشيراً إلى أن مقر حماس في لبنان هو الذي يقود الخلايا العسكرية في الضفة، ويجري بحث عن الطريق لتحصيل الثمن منهم، وهناك استعداد لرد من غزة أو من لبنان عندما يتم اغتيال شخصيات كبيرة حمساوية في لبنان، وفقاً لما قاله بن ديفيد. 

تتسم خيارات العدو بالتعقيد بعد تصاعد عمليات المقاومة في الضفة الغربية، التي أدت حتى تاريخه إلى مقتل 34 مستوطناً منذ بداية العام، وبعد فشل سياساته في إجهاض العمليات قبل تنفيذها أو الحد منها، فلا عمليته العسكرية على جنين، ولا زيادة نشر كتائب إضافية من جيشه في الضفة التي وصل عددها إلى 20 كتيبة، ولا رفع مستوى التنسيق الأمني مع الأجهزة الأمنية للسلطة، أدى إلى خفض أعمال المقاومة، بل على العكس، فإن عملية الخليل أرّقت الاحتلال خشية أن تكون بداية انتشار العمليات في جنوب الضفة بعد أن تركزت في شمالها خلال الفترة الماضية، لأن الاحتلال يدرك خطورة الانخراط الواسع للخليل وجنوب الضفة في المواجهة المتصاعدة. 

أحد الخيارات التي درسها العدو ما عرضه تيار الصهيونية الدينية، داخل الائتلاف الحكومي، ودعا بتسلئيل سموترتش وإيتمار بن غفير إلى تشديد العقوبات الجماعية ضد الفلسطينيين، لتشمل السلطة الفلسطينية وجميع المواطنين في الضفة الغربية، بينما تعارض الجهات الأمنية للعدو هذا الاتجاه. وعلى الرغم من الاتهام المباشر من بن غفير لغالنت بأن "الجيش" لا يوفر الحماية للمستوطنين، فإن المستويين السياسي والأمني للعدو يعتقدان أنه حتى الآن لن تتخذ أي قرارات تستجيب لمطالب بن غفير وسموترتش اللذين يتعرضان لضغوط من قاعدتهما الانتخابية في المستوطنات، المستهدفة بشكل أساسي من أعمال المقاومة. 

يطالب تيار الصهيونية الدينية بنشر مكثف للحواجز العسكرية والحد من تصاريح العمل داخل فلسطين المحتلة وفرض عقوبات على السلطة، فيما يرى نتنياهو والمؤسسة الأمنية أن إجراءات من هذا النوع ستزيد من الانتقادات الدولية ولن تحظى بالشرعية والدعم الخارجي من جهة، كما أنها من جهة أخرى لن تخفض مستوى المقاومة، بل على العكس، ستزيد من الأهداف العسكرية وإمكانية مهاجمتها من المقاومة، وستزيد انخراط الفلسطينيين في أعمال المقاومة، وربما تؤدي إلى مواجهة شاملة مع المستوطنين. 

خيار آخر درسه العدو وهو فرض عقوبات اقتصادية على قطاع غزة، على اعتبار أن العدو يتهم المقاومة في غزة بالتوجيه والتحريض على العمليات في الضفة، كما درس العدو إمكانية تنفيذ عمليات اغتيال لقيادات عسكرية داخل غزة بهدف ردع المقاومة في سياساتها الداعمة للضفة، لكن معضلة خيارات العدو في غزة خشيته من أن تؤدي أي خطوة عسكرية إلى ردود عسكرية على نحو تتدحرج فيها المواجهة وتتسع، وألا يتحقق ترميم الردع. 

الخيار الأخير للعدو هو ما يسمّيه جبي ثمن ممن يشغل ويموّل ويوجّه الخلايا العسكرية في الضفة من الخارج، وتحديداً في لبنان، وركزت وسائل العدو الإعلامية على شخصية نائب رئيس حركة حماس صالح العاروري، وحمّلته المسؤولية الأكبر عن تصاعد العمليات في الضفة، كما أشارت وسائل إعلام أخرى إلى شخصيات عسكرية في الخارج، بالإضافة إلى رئيس حركة الجهاد الإسلامي زياد النخالة ونائبه أكرم العجوري، بيد أن العدو يخشى أن يؤدي الاغتيال الصاخب إلى ردود عسكرية واسعة على أكثر من جبهة بما فيها لبنان، وغزة والضفة، على نحو لا يعلم كيف يمكن أن يتدحرج الفعل ورد الفعل وألا يستطيع التحكم في المقود. 

إحدى معضلات العدو الرئيسية في الرد على تصاعد المقاومة في الضفة الغربية أنه يتبنى سياسة الفصل بين الساحات، وفي الوقت نفسه يتهم كل الساحات بدعم المقاومة في الضفة وتوجيهها وتحريضها، وفي حال أقدم على عمليات عسكرية في غزة أو لبنان فإنه يثبت فشله في الفصل بين الساحات، وسيضطر إلى التعامل مع معادلة الربط والوحدة بين الساحات والجبهات، التي رسمتها المقاومة وتمسكت بها وعملت على إنجاحها وتطويرها منذ معركة "سيف القدس"، وفي حال أحجم عن تنفيذ تهديداته، أو تبنى خيارات عملياتية محدودة وغير صاخبة، فلن يحصل على صورة نصر ترمم ردعه المتآكل، ولن تعيد ثقة الرأي العام الداخلي ومستوطني الكيان بقادتهم و"جيشهم". 

بصرف النظر عن الخيارات التي سيتبناها العدو والقرارات التي اتخذها مجلسه المصغر (الكابينت)، فمن المؤكد أن مستوى عمليات المقاومة في الضفة الغربية سيتصاعد، وأن حالة المقاومة في مدن الضفة وقراها ومخيماتها ستنتشر وستعمم لتشمل الجنوب والوسط، بالإضافة إلى شمال الضفة، لأن العدوان الفاشي الذي يمارسه العدو ومستوطنوه في الضفة لن يقابله الشعب الفلسطيني ومقاومته الباسلة بالصمت، بعد أن فشلت كل الخيارات في مواجهة الاحتلال ولم يبق إلا خيار المقاومة الشاملة، لذا فإن خيارات العدو محكوم عليها بالفشل، كونها لن تكون جديدة ومغايرة لسياساته التي باتت مكشوفة لقيادة المقاومة الجاهزة للرد على العدوان في مختلف صوره وأشكاله.

تتصاعد التظاهرات في "إسرائيل" ضد حكومة بنيامين نتنياهو، وخصوصاً بشأن مسألة التعديلات القضائية، فيما تتسع دائرة الاحتجاج ويتنامى القلق لدى الإسرائيليين من وصول الأمور إلى حرب أهلية أو تداعيات أمنية مختلفة.