شباب أميركا.. كشفوا المستور وفضحوا الصهيونية

قلّة من الشباب الأميركي بوعيهم السياسي وضميرهم الإنساني قد كشفوا المستور، ليس فقط  في النظام الديمقراطي الأميركي الكاذب بل في العقلية الأميركية سياسياً واجتماعياً.

  •  الحركة الصهيونية لن تصول في الفكر الأميركي بعد أن بدأ الشباب يحاسبونها على أفعالها.
    الحركة الصهيونية لن تصول في الفكر الأميركي بعد أن بدأ الشباب يحاسبونها على أفعالها.

أقرّ مجلس النواب الأميركي بأغلبية كبيرة مشروع قانون يهدف إلى توسيع التعريف المعتمد في وزارة التعليم لمصطلح معاداة السامية. وأثار هذا القانون جدلاً واسعاً بين المؤيّدين للمشروع بحجة صونه حقوق اليهود والحد من انتشار معاداتهم، والمعترضين عليه خوفاً من توظيفه سياسياً لقمع الحقوق والحريات ومنع انتقاد المسؤولين الإسرائيليين بأيّ شكل كان ومهما ارتكبوا من جرائم.

ومع أن البند السادس من قانون الحقوق المدنية الأميركي لعام 1964 يمنع التمييز في الكليات والجامعات المموّلة اتحادياً على أساس "العرق أو اللون أو الأصل القومي" أيّ السود، فقد قرّرت وزارة التعليم عام 2004 توسيع إطار القانون كي يشمل اليهود أيضاً.

ودفع ذلك البعض للحديث عن أهمية التظاهرات الطالبية في الجامعات الأميركية باعتبار أنّ الاحتجاجات "يمكن أن تشكّل تمييزاً ضد اليهود إذا اكتسبت طابعاً تصعيدياً وانتشاراً، وهو ما قد يؤدي إلى "حرمان الطلاب اليهود من المساواة والاستفادة من مزايا المؤسسات التعليمية".

ومع التذكير بأهمية جامعة كولومبيا التي بدأت فيها الاحتجاجات والاعتصامات حيث أنّ معظم طلابها من أولاد  كبار الموظفين في الدولة والقطاع الخاص بل وحتى أعضاء الكونغرس، فقد بات واضحاً أنّ قلّة من الشباب الأميركي بوعيهم السياسي وضميرهم الإنساني قد كشفوا المستور، ليس فقط  في النظام الديمقراطي الأميركي الكاذب بل في العقلية الأميركية سياسياً واجتماعياً، كما هم  فضحوا  أكاذيب الصهيونية العالمية التي يبدو واضحاً أنها باتت تواجه أخطر أزماتها في التاريخ الحديث بسبب طوفان الأقصى والعدوان الإسرائيلي الهمجي على غزة والضفة الغربية.

ودفع ذلك الصهيونية العالمية للخروج من موقع الدفاع إلى مواقع الهجوم اللاأخلاقي ضدّ كل من ترى فيه عدواً لها ولحساباتها، أي أكاذيبها التي روّجت لها ليس فقط فيما يتعلق بتاريخ اليهود بل فيما يخص ما يسمّى بالمحرقة النازية، وبالتالي قيام "الدولة" العبرية على أرض الميعاد. 

ومع اعتراف الجميع بنجاح آلية الدعاية الصهيونية في السيطرة على أدمغة الكثير من المجتمعات عبر وسائل الإعلام والسينما والكتب والآن شبكات التواصل الاجتماعي، فقد دفعت أحداث غزة الكثيرين لإعادة النظر في قناعاتهم التي انهارت تلقائياً، وآخر مثال على ذلك هو تمرّد الشباب الأميركي على العنجهية الصهيونية، التي أثبتت ليس فقط عنصريتها وكذبها بل أيضاً وقاحتها ودناءتها من خلال القانون الأخير الذي يمنع أيّ انتقاد ومهما كان شكله أو حجمه لـ "إسرائيل"، ويرى فيه عداء لليهود وكأنّ لهم "حصانة إلهية"!

وعلى سبيل المثال يمنع القانون الجديد بعد اعتماده رسمياً من مجلس الشيوخ والرئيس بايدن على أي مواطن أميركي انتقاد اليهود وأيّاً كان السبب، بما في ذلك تحميل اليهود مسؤولية صلب السيد المسيح وهو ما يتحدث عنه الإنجيل، كما هو يمنع مهاجمة أيّ يهودي وأيّاً كان منصبه أو مكانه ومهما ارتكب من أخطاء أو جرائم طالما أن هذا الهجوم قد يكتسب طابع العداء للسامية.

وأما التشكيك بتاريخ اليهود أو قصص المحرقة النازية فهي من أخطر الجرائم التي قد يرتكبها أيّ مواطن أميركي بحق اليهود، ويريدون للجميع أن يصدّقوا أكاذيبهم بالسمع والطاعة بالرضى أو الغصب. 

فعلى سبيل المثال، لا يريدون لأحد أن يشكّك بقصص الخروج من مصر وعدد الذين خرجوا من هناك بحجة بطش فرعون. فعلى الرغم من أنّ عالم الآثار المصري الشهير زاهي حواس قد قال بعيداً عن النصوص الدينية إنه "ليس هناك أي دليل على وجود أيّ آثار تثبت وجود اليهود في مصر القديمة، على الرغم من أن معظم  البرديات في مصر مترجمة إلى الإنكليزية، وهناك الآلاف من البرديات مجودة في المتاحف الأوربية"، إلا أن الذين كانوا وما زالوا في خدمة "السفسطات" الصهيونية استمرّوا في أكاذيبهم عن خروج اليهود من مصر، مقدّرين عددهم ما بين 600 ألف إلى المليونين، وهو ما يتناقض مع الحقائق التاريخية بل وحتى النصوص الدينية التي تقدّر عدد الذي رافقوا موسى لدى خروجه من مصر بعدة آلاف فقط.

فقد قدّرت العديد من الدراسات عدد بني إسرائيل أيّ أولاد يعقوب وعائلته الذي ذهبوا إلى مصر بنحو 75ـــــ100 شخص فقط، ووصل هذا الرقم في سنوات الخروج أي بعد نحو 450 عاماً إلى نحو ستة آلاف شخص كحد أقصى، لأنّ كل الدراسات تقول إن عدد سكان مصر عندما خرج موسى واتباعه منها لم يتجاوز المليونين. 

كما أن موسى لم يكن يهودياً آنذاك حاله حال بني إسرائيل أي عائلة النبي يعقوب، ولم يكن هو أيضاً يهودياً. فالذين خرجوا من مصر ليسوا يهوداً كما يخطئ البعض من المثقّفين العرب أيضاً، وكأن اليهودية قومية وليست ديناً.

كما يخطئ الكثير من المثقّفين العرب بعلم أو من دونه خلال الحديث عما يسمّى بالمحرقة النازية التي ترى فيها الصهيونية أهم سلاح لها لكسب تعاطف وتضامن الوجدان والضمير الإنساني العالمي، بعد أن بالغوا بعدد ضحاياها، كما هي بالغت في عدد اليهود الذين خرجوا من مصر مع موسى وأصبح نبياً بعد أربعين عاماً من سنوات التيه في سيناء. 

ويتجاهل الكثير من المثقّفين العرب الخلفية التاريخية والاجتماعية والسياسية بل وحتى الثقافية والأخلاقية لأكاذيب المحرقة التي كانت بكل تناقضاتها نتاجاً لمرحلة معقّدة في تاريخ اليهود في أوروبا، واستغلّها الصهاينة في حملتهم العنصرية وهم السبب أساساً في هذه المرحلة. 

فعلى سبيل المثال رفض المؤرخ الأميركي فرد ليوهتر Fred A.Leuchter ادّعاءات الصهاينة فيما يتعلّق بعدد ضحايا المحرقة النازية وقال "إن العدد لم يتجاوز 775 ألفاً، بمن فيهم الذين ماتوا من المرض أو ظروف الحرب، حالهم حال الغجر والشيوعيين وغيرهم من الذين عاداهم هتلر".

وأما البروفسور الأميركي اليهودي نورمان فينكلشتاين Norman Finkelstein فقد وصف "قصة المحرقة بأنها أكذوبة صهيونية كبيرة اختلقتها الصهيونية لإجبار يهود ألمانيا الذين كانوا أغنياء وأحوالهم جيدة للهجرة إلى فلسطين بشعارات دينية تاريخية كاذبة".

وربما لهذا السبب قال الصحافي النمساوي اليهودي أميل لودويغ  Emil Ludwig باسم الصهيونية "إنني ممتن لهتلر، وسوف يأتي اليوم الذي سيقيم فيه بنو إسرائيل نصباً تذكارياً له لما قدّمه لهم من خدمات جليلة".

وربما لهذا السبب أدّت الشركات الكبرى التي يملكها اليهود في أميركا وألمانيا دوراً أساسياً في إيصال هتلر إلى السلطة بعد الحرب العالمية الأولى واستفزّته لمعاداة اليهود، وهو ما دفعه لتحميل اليهود مسؤولية هزيمة ألمانيا في الحرب، حيث قال في أكثر من خطاب للفترة 1924 -1926" لقد خسرنا الحرب بسبب إضراب العمال في المصانع الحربية التي يملكها اليهود والتي لم تلبِّ احتياجات الجيش الألماني آنذاك".

ومن دون أن يتطرّق هتلر إلى اسم صديقه اليهودي ماكس واربورغ  Max Warburg الذي كان المموّل المالي شبه الوحيد للحركة النازية، والوسيط  بين هتلر والشركات الأميركية التي يملكها  اليهود الصهاينة. وتفسّر ذلك زيارة الأخوين جون فوستر دالاس (أصبح لاحقاً وزيراً للخارجية) وآلين دالاس (أصبح رئيساً للمخابرات المركزية) إلى برلين ولقائهما بهتلر قبل الحرب العالمية الثانية ومساعدته لتأجيل الديون المستحقّة على ألمانيا.

كما أدّى هذان الأخوان دوراً أساسياً في استمرار العلاقة بين هتلر والشركات الأميركية اليهودية التي لبّت احتياجات ألمانيا من المشتقّات النفطية والفولاذ والمواد الكيميائية، بما في ذلك غاز الزيركون الذي قيل إنه استخدم في الأفران لحرق جثث اليهود.

وهي الحقائق التي تحدّث عن تفاصيلها العديد من المؤرخين والعلماء والكتّاب، ومنهم المؤرخ البريطاني ديفيد ارفينغ  David Erving والبروفسور الأميركي أرثور بوتزArthur Butz والباحث الفرنسي بول راسينيه Pual Rasinie وأستاذ العلوم الكيميائية الألماني Germar Rodolf الذي سجن في أميركا بسبب اعتراضه على ما يسمّى بالمحرقة.

وكذّبها الكثيرون من المعادين للصهيونية العالمية، وصدّق الكثيرون في العالم بمن فيهم البعض من العرب والمسلمين هذه الأكاذيب، من دون أن يخطر على بال إلا القليل منهم أنّ كل ما قالته وروّجت له الصهيونية العالمية هو كذب جملةً وتفصيلاً، ليس فقط في موضوع المحرقة النازية أو ماضي اليهود دينياً أو تاريخياً بل وحتى عرقياً. فقد ادّعى الصهاينة أن اليهودية قومية واليهود شعب، ناسين أنه من المستحيل أن يكون اليهودي في روسيا أو الهند أو إثيوبيا أو الصين أو الأرجنتين من عرق أو قومية واحدة، وهو ما يتناقض مع علم الإنتروبولوجيا.

وهي المواضيع التي تطرّق إليها الفرنسي روجيه غارودي Roger Garaudy كثيراً قبل وبعد أن أشهر إسلامه وتعرّض لمضايقات كبيرة من اتباع وأنصار الصهيونية العالمية. وقالت إن عدد ضحايا المحرقة ومجازر النازية الهتلرية في سنوات الحرب العالمية الثانية قد زاد عن ستة مليون يهودي. 

وكذّب الصحافي الأميركي الشهير المختص بإحصائيات الحرب العالمية الثانية دوغلاس ريد Douglas Reed هذه الأرقام، وقال إنّ عدد اليهود في أوروبا قبل الحرب العالمية الثانية أي عام 1938 كان نحو 11 مليوناً، وهو الرقم الذي كانوا عليه في العام 1947 مع التذكير بهجرة الكثير منهم إلى أميركا وفلسطين.

وأما الباحث الكندي ذو الأصل الألماني أرند زانديل Arnedt Zandel  والذي تعرّض لملاحقات قضائية في ألمانيا وأميركا وكندا بسبب رفضه الاعتراف بالمحرقة، فقد ذهب إلى معسكرات اليهود في ألمانيا وأثبت لمجموعة الهيئة القضائية التي ترافقه بأن المحرقة لا أساس لها من الصحة بتاتاً، كما دحض الأميركي اليهودي مارك ويبر Mark Weber  في مقال كتبه في مجلة Journal of Historical Review في عددها الصيفي عام 1991 أكاذيب الصهاينة فيما يتعلّق بالصابون المصنوع من جثث اليهود ضحايا المحرقة، وهو ما كذّبه أيضاً عالم الفيزياء الأميركي البروفسور روبرت فوريسون Robert Forison.  

وجاء مقال البروفسور زيف شتيرنهيل Zeev Sternhell في صحيفة هآرتس الإسرائيلية في 31 كانون الثاني/يناير 2020 ليضع النقاط على الحروف في قصة المحرقة النازية، حيث وصفها بالصناعة المربحة مادياً وسياسياً ودينياً بالنسبة للصهيونية العالمية وصنيعتها "إسرائيل". 

وفي جميع الحالات وأيّاً كانت النتائج المحتملة لتمرّد واعتصامات الطلبة في الجامعات الأميركية وبعض الجامعات الأوروبية المرموقة، فقد بات واضحاً أن الحركة الصهيونية لا ولن تصول وتجول في الفكر الأميركي والأوروبي بعد أن بدأ الشباب يحاسبونها على أفعالها، ليس فقط ضد الشعب الفلسطيني في غزة والضفة، بل أيضاً ضد المجتمعات في الغرب عموماً حيث سيطرت على أدمغتها كذباً وقد حان الأوان للتخلّص منها ومن أكاذيبها، وتمرّد الشباب سيكون بداية النهاية للتخلّص من الفكر الصهيوني الضال والكاذب.

وحان الأوان بالنسبة للشباب العربي والمسلم ومعهم المثقفون والساسة كي يساهموا في هذه المعركة الفكرية بشجاعة ويتصدّوا لأكاذيب الصهاينة والمتصهينين، هذا بالطبع إن كان لديهم ذرة من الإيمان بحقّانية الشعب الفلسطيني بأرضه حتى قبل خروج موسى من مصر! 

في السابع من تشرين الأول/أكتوبر 2023 أعلنت كتائب القسام معركة "طوفان الأقصى"، فاقتحمت المستوطنات الإسرائيلية في غلاف غزة، وأسرت جنوداً ومستوطنين إسرائيليين. قامت "إسرائيل" بعدها بحملة انتقام وحشية ضد القطاع، في عدوانٍ قتل وأصاب عشرات الآلاف من الفلسطينيين.