قيود المتغيّرات الفيروسيّة المسبّبة لفيروس "كوفيد – 19"

إنّ إحدى الطفرات المسؤولة عن هذا الانتشار السريع في مُتغير "دلتا" هي التحور الذي يُسمى "أي 484 ك".

  • أصبحنا الآن نواجه عدة سلالات متحورة من كورونا ذات فعالية مهمة
    أصبحنا الآن نواجه عدة سلالات متحورة من كورونا ذات فعالية مهمة

منذ أن ظهر فيروس كورونا في مدينة ووهان الصينية، شهد آلاف التغيرات أو ما يُسمى "طفرات". التغيرات التي دُرست وأُخذت بعين الاعتبار هي التي تؤثر مباشرةً في سرعة انتشار الفيروس في الخلايا البشرية، و/أو ازدياد ضراوة العدوى به، و/أو مقاومته للقاحات المستعملة. 

أصبحنا الآن نواجه عدة سلالات متحورة ذات فعالية مهمة، تُسمى بأسماء علمية، علاوةً على مصدر نشوء المتغيّر، فلتسهيل الأمور وتجنب الوصم والتمييز بين بلدان المصدر أو القادمين منها، أضافت منظمة الصحة العالمية أسماء بصيغة حروف يونانية، وعملت على تداولها بين الصحف والصحافيين، فالمتحور البريطاني الذي يُدعى علمياً "ب.1.1.7"، أصبح الآن يُدعى "ألفا"، والمتحور الذي اكتشف في جنوب أفريقيا يُدعى "بتا"، والبرازيلي "قما"، والهندي "كبا"، وأيضاً "دلتا".

وهناك مُتغيرات أخرى عُرفت بسرعة انتشارها وتقليلها فعالية الأجسام المضادة لها. ورغم اكتشافها منذ زمن، لا تزال تحت الدّراسة والمراقبة، مثل متغير "أبسيلون" في الولايات المتحدة الأميركية، ومتغير "لمدا" الذي وجد أولاً في البيرو. وما دام الوضع الوبائي وانتشار الفيروس كما هو عليه الآن، فستتواجد متغيرات أخرى ربما ستكون أكثر ضراوة، وأسرع انتشاراً، وأكثر مقاومةً للقاحات مما هو عليه الآن.

وفقاً لما نشرته جامعة واشنطن في الولايات المتحدة الأميركية في مجلة "ساينس"، فإن اللقاحات المعتمدة على الـ"أر. إن. أي"، "المرسال" لها، أقل فعالية تجاه هذه المتغيرات الفيروسية الجديدة المسببة لفيروس كورونا، مقارنةً مع السلالة الأصلية غير المتحورة. وهناك دراسات أخرى بينت نتائج مشابهة بخصوص اللقاحات المستعينة بـ"الأدينوفيروس" كحامل فيروسي للحمض النووي "الريبي" المسبب لهذا الوباء.

يتساءل الكثيرون عن متغير "دلتا" الذي يغزو العالم حالياً. وفقاً للمركز البريطاني "جاي سيد" المختص في البحث عن التغيرات في التسلسل النووي للجينوم الفيروسي لفيروس كورونا، وأيضاً مركز الأبحاث العالمي الذي يضم 29 مختبراً علمياً، "أنساكوق"، تبيّن أن هذين المتغيرين "دلتا" و"دلتا بلس" السّريعَي الانتشار، سيحلان تدريجياً مكان المتغيرات الأخرى، ليس في إنكلترا فقط، بل أيضاً في البلدان الأوروبية والعالمية. وعلى سبيل المثال، تقول التوقعات الإحصائية الطبية "سانتيه فرانس": "نتيجة وجود هذين المُتغيرين "دلتا" و"دالتا بلس"، سيرتفع عدد المصابين في فرنسا بـ"كوفيد – 19" من 500 إلى 15000 يومياً، وربما أكثر".

إنّ إحدى الطفرات المسؤولة عن هذا الانتشار السريع في مُتغير "دلتا" هي التحور الذي يُسمى "أي 484 ك". توجد هذه الطفرة في مركز "بروتين سبايك" الذي يعمل على ربط المركز البروتيني الفيروسي في مكان استقباله على سطح الخلية البشرية. 

هذا التحور يُقلل فعالية المناعة للمصاب. هذا يعني أن الأجسام المضادة، إن كانت متوفرة، لا تتمكّن من أن تمنع تماماً دخول الفيروس في الخلايا البشرية. لهذا، يحتاج الجسم إلى مقاومة الفيروس كمياتٍ أكثر من هذه الأجسام المضادة. هذا ما بيَّنته التجارب العلمية، مستعينة بالأجسام المضادة الوحيدة النسيلة. وهناك أيضاً طفرة إضافية لهذا المُتغير "دلتا"، تُدعى "إل 452 آر".

يعد المتحوّر الهندي "دلتا بلس" ناتجاً من متغيّر "دلتا"، الذي يحمل الطفرة الإضافية "كي 417 إن"، والموجودة أيضاً في متغير "بتا" "لجنوب أفريقيا". وبحسب الصحيفة الهندية "ذا تايمز"، إن المتغيّر "دلتا بلس" يجمع أسوأ صفات ما سبق من متغيرات. إنَّه أسرع انتشاراً وأكثر ضراوة، إذ يستهدف خلايا الرئة، ويقلل فعالية الأجسام المضادة من دون إهمالها نهائياً، فقد بينت النتائج الأولية أن أغلبية المصابين لم يتلقوا اللقاح من قبل. وكما سنرى لاحقاً، هناك فعالية نسبية، وليس كاملة، للقاحات تجاه هذا المتغير الذي اكتشف منذ أسابيع فقط، وأصبح الآن منتشراً في العديد من الدول، كالولايات المتحدة الأميركية وكندا وبريطانيا وفرنسا وبولندا والبرتغال واليونان وغيرها من دول العالم.

 لهذا، وخوفاً من الانتشار السريع لهذا المتغيّر، شرع الكثير من البلدان في إعادة النّظر والعودة إلى الإجراءات الوقائية السابقة، كالعزل الصحي ووضع الكمامات وتشجيع أو ربما حمل الناس على أخذ اللقاحات، لتجنب موجة جديدة رابعة من وباء "كوفيد - 19".

منذ أسابيع، أعلنت الإدارة البريطانية للصحة العامة أن اللقاحات المبنية على "أر. أن. أي"، أي "المرسال" أكثر حمايةً من غيرها من اللقاحات الأخرى تجاه المتغيّر الهندي "دلتا"، إذ تحمي الإنسان من كورونا بنسبة 80%، وتحميه أيضاً من دخول المستشفى بنسبة عالية، ولكن دراسات حديثة أجريت في بلدان أخرى بيَّنت أنَّ هذه اللقاحات تحمي بنسبة 64% على أكثر تقدير. وهناك أيضاً احتمالية لدخول متلقي اللقاح إلى المستشفيات، نتيجة للمتغيرين "دلتا" و"دلتا بلس" السريعي الانتشار.

هذا يعني، وكما أدلى مؤخراً الدكتور نَيل هانس، أستاذ الإحصاء الطبي في جامعتي "هسلت" و"أنتورب" البلجيكيتين، أنه نتيجة لسرعة انتشار المتغيرات الفيروسية المسببة لفيروس "كوفيد – 19"، ليس باستطاعتنا، كما كان مبيّناً سابقاً، أن نُخمّن النسبة المئوية الضرورية في مجتمع ما لمن يتمتعون بمناعة، سواء كانت طبيعية نتيجة للعدوى أو مكتسبة نتيجة تلقّي اللقاحات للحصول على المناعة الجماعية. وأشار إلى أنَّ وجود متغيّر سريع الانتشار "دلتا" أو "دلتا بلس" يحول دون ذلك. وتُقدّر سرعة انتشارهما بـ"1:2" (مصاب ينقل العدوى إلى شخصين غير مصابين). 

ويقول الأستاذ توم ونسيليرس: "إذا كان من المستحيل أن نتوصّل إلى الحماية الجماعية، فعلينا أن نقلل من حدّة انتشار الفيروس، وبعبء مُرضٍ ومقبولٍ. لهذا، علينا جميعاً تلقي اللقاح لكي نحمي أنفسنا أولاً، ونتجنب دخول المستشفى، وربما العناية المركزة، وسنساهم، من حيث لا ندري، بحماية الآخرين ثانياً". وأضاف: "قلَّما يعدي متلقي اللقاح غيره، بينما غير الملقح، إن كان حاملاً للفيروس، سيكون مصدر عدوى لكل من يحيط به".

وقد كتب العالم الفيروسي الألماني كريستيان دوستين في جريدة "شارلي برلين": "لقد تعلّمنا من الماضي أن عدوى فيروسات كورونا السابقة كانت منتشرة عند الجميع، وأغلبيتها غير فتّاكة، بل سريعة الانتشار. والدليل على ما سبق هو وجود الأجسام المضادة لها عند جميع المعنيين. هذا يبيّن أن احتمالية العدوى في مسبب "كوفيد – 19" ستكون في النهاية شاملة للجميع مقارنةً بمثيلاتها السابقة. لهذا، لا بدّ من إعطاء اللقاح كي لا تصعب مقاومة العدوى عندما يُصاب المرء بـ"كوفيد – 19" من دون حماية مسبقة. 

أخيراً، أود أن أذكّر بأنه بات واضحاً بأن فعالية اللقاح تبدأ بالتنازل التدريجي بعد 6 أشهر من تلقي اللقاح. ولهذا، أعلن مؤخراً وزير الصحة الفرنسي، معتمداً على معطيات صُناع اللقاحات، أن جرعة ثالثة ستزيد من 5 إلى 10 أضعاف المناعة عند المُلقح، وستُعطى للضعفاء أولاً، الذين هم بأشدّ الحاجة لها لمقاومة المتغيرات الفيروسية، مثل "دلتا" و"دلتا بلس"، وربما غيرها من المتغيرات في المستقبل القريب والبعيد. 

من جهة أخرى، يقوم حالياً صنّاع اللقاحات بتعديل منتجاتهم كي تحتوي آخر المتغيرات الفيروسية، وسيتم دراستها وتجربتها قبل استعمالها قريباً كجرعة ثانية أو ربما ثالثة، وبالتأكيد قبل حلول فصل الشتاء القادم.

أعلنت منظمة الصحة العالمية في 31 كانون الأول/ديسمبر 2019 تسجيل إصابات بمرض الالتهاب الرئوي (كورونا) في مدينة ووهان الصينية، ولاحقاً بدأ الفيروس باجتياح البلاد مع تسجيل حالات عدة في دول أخرى حول العالم.