لا للمزايدات على أبناء شعبنا العظيم في الداخل الفلسطيني المحتل

عود على بدء، وبالإشارة إلى عملية الهروب والإخفاق في الوصول إلى ملجأ آمن، وجب في هذا المقام التطرق إلى بعض النقاط الهامة، والتي لا مناص منها.

  • إلقاء القبض على المناضلين لا يمكن، بحال من الأحوال، أن يُعد إنجازاً لأجهزة الكيان الصهيوني المختلفة
    إلقاء القبض على المناضلين لا يمكن، بحال من الأحوال، أن يُعد إنجازاً لأجهزة الكيان الصهيوني المختلفة

في الأيام القليلة الماضية، أعلن الكيان الصهيوني تمكّنه من اعتقال 4 مناضلين من الخلية التي انتزعت حريتها بشكل أسطوري من سجن جلبوع. تضاربت الروايات عن كيفية تمكّن قوات الاحتلال الصهيوني من إلقاء القبض على المناضلين الأربعة، إذ أفادت الأجهزة الأمنية الصهيونية بأنَّ عملية الاعتقال تمت بتواطؤ وعمالة بعض فلسطينيي الداخل المحتل، إلا أنَّ المقاومة الفلسطينية، وعلى لسان المحطات الفضائية الفلسطينية التابعة لها، فندت الروايات الصهيونية، وأكدت أن عملية الاعتقال تمت من خلال إبلاغ بعض المستوطنين عن أشخاص مشبوهين.

وأياً كانت الرواية الصحيحة، إلا أن ما أثار حفيظة المتابعين هو ردود فعل بعض المغردين في وسائل التواصل الاجتماعي، والَّذين بدأوا بكيل جميع أوصاف العمالة والتخاذل والانبطاح لأبناء شعبنا الفلسطيني العظيم في الداخل الفلسطيني، وخصوصاً في مدينة الناصرة، وفقاً للرواية الصهيوني.ة

نعم، استطاعت قوات الاحتلال الصهيوني إلقاء القبض على بعض منفذي العملية. وإذا ما صدقت الرواية الصهيونية بتواطؤ الطابور الخامس في الداخل الفلسطيني المحتل، إلا أن هذا لا ينفي أن عملية الهروب حقّقت أهم أهدافها، والمتمثلة بإسقاط ما تبقى من هيبةٍ للكيان الصهيوني، وأثبتت بما لا يدع مجالاً للشك أن الكيان الصهيوني مخترق ومهترئ وأوهن من بيت العنكبوت.

إلقاء القبض على المناضلين لا يمكن، بحال من الأحوال، أن يُعد إنجازاً لأجهزة الكيان الصهيوني المختلفة، وإنما يُعد إنجازاً حقيقياً للفدائيين الفلسطينيين، إذ تمكنوا من الخروج من أعتى سجون الشرق الأوسط، وبأدوات بدائية، وتمكّنوا من البقاء فارين لمدة تزيد على 5 أيام.

كنا نأمل، أسوة بجميع أحرار العالم، أن يتمكن المناضلون الستة من الإفلات من براثن  الاحتلال الصهيوني، إلا أن الحظ والخيارات الضئيلة المتاحة أمامهم، حالت دون تحقيق هدفهم في إتمام عمليتهم والوصول إلى جوار آمن.

عود على بدء، وبالإشارة إلى عملية الهروب والإخفاق في الوصول إلى ملجأ آمن، وجب في هذا المقام التطرق إلى بعض النقاط الهامة، والتي لا مناص منها، وأهمها:

أولاً: لنفرض جدلاً صدق الرواية الصهيونية، وأن ومون  عملية الاعتقال تمت بتواطؤ من الطابور الخامس في الداخل الفلسطيني، ولكن لا يمكن بحال من الأحوال تعميم العمالة والانبطاح والتخاذل على جميع مكونات أبناء شعبنا الفلسطيني العظيم في الداخل الفلسطيني.

ثانياً: إنَّ ظاهرة العمالة والانبطاح والتخاذل لا تقتصر على بعض ضعاف النفوس من أبناء الشعب الفلسطيني دون سواهم من أبناء الشعوب الأخرى، كما أن ظاهرة الطابور الخامس تشترك فيها جميع شعوب أصقاع الأرض، بل إنّ هذه الظاهرة لم يسلم منها حتى الأنبياء (ع)، وقصص رجوع بعض أتباعهم على أعقابهم تزخر بها الذاكرة الإنسانية.

ثالثاً: لا بدَّ من التذكير ببعض الأدوار البطولية لأبناء شعبنا الفلسطيني في الداخل المحتل، فهم، وليس سواهم، الذين كانوا يسهلون العمليات الاستشهادية في الداخل المحتل، وهم الذين كفلوا عشرات آلاف الأسر الفلسطينية في غزة والضفة في الانتفاضتين الأولى والثانية، وفي جميع حروب "دولة" الكيان الصهيوني ضد غزة الكبرياء، وهم الذين دشنوا وأضافوا إلى المعجم الإنساني عيد الأرض عند وقفتهم الأبية ضد "دولة" الكيان الصهيوني في سبعينيات القرن المنصرم، ولا يمكن تناسي وقفتهم البطولية إبان معركة "سيف القدس" الأخيرة، والتي أشاد بها القاصي والداني، والمقام لا يسمح بسرد جميع بطولاتهم وتضحياتهم.

رابعاً: رد فعل معظم أبناء الداخل الفلسطيني على أسر المناضلين الأربعة لا تقل كمداً وهماً وألماً ووطنيةً عن ردود فعل جميع أحرار العالم حين تم الإعلان عن اعتقالهم.

خامساً: الشعور بالألم والقهر لاعتقال المناضلين الأربعة حق إنساني وعاطفة جياشة صادقة، ولا يمكن لكائن من كان أن يمنع الأحرار حول العالم أن يعيشوا حالات الاختناق والقهر، لعدم نجاح الفدائيين في الوصول إلى ملجأ آمن، ولكن علينا التركيز على المكتسبات التي حققتها عملية الهروب، وأقلها تهاوي ما تبقى من هيبة لجميع أجهزة "دولة" الكيان الصهيوني. وفي هذا المقام، تقتضي الضرورة تسليط الضوء على مدى اختراق المؤسسات الأمنية والعسكرية الصهيونية.

سادساً: لا بد من الاعتراف بأن إنجاز عملية الهروب كان ضرباً من الخيال، وخصوصاً إذا ما أخذنا بعين الاعتبار الخيارات الضئيلة لمنفذي العملية للوصول إلى جوار آمن، فالضفة الغربية المحكومة بسلطة العار ما كانت لتسمح لهم بالهروب والعيش بسلام فيها، والأردن ما كان ليسمح لهم بالدخول الى أراضيه لأسباب عدة، على رأسها "عملية السلام" مع الكيان الصهيوني وتخوفه من انقطاع المساعدات التي يتلقاها من الحليف الأميركي. ولم يكن أمامهم إلا الذهاب إلى الداخل الفلسطيني الذي لم يكن في أي حال من الأحوال الخيار الأمثل، بل كان الخيار الأوحد.

سابعاً: الشعب الفلسطيني المغوار، المؤيد من السماء، الزاخر بالعقول الجبارة والإرادة الحديدية، لا يثنيه كيد الأقربين وتخاذلهم وانبطاحهم، ولا آلات القتل الصهيونية، عن المقاومة. هذا الشعب العظيم الذي استطاع أن يصنع المعجزات، وأن يثخن الكيان الصهيوني بالجراح، هذا الشعب العظيم الذي أسقط هيبة "دولة" الكيان الصهيوني، وأفشل أسطورة "الجيش الذي لا يقهر" المزيفة، كما أفشل قبته الحديدية وقبلها أسطورة صناعته العسكرية "دبابة الميركافا"، لن يعدم وسيلة في إبهار العالم المرة تلو الأخرى في تحقيق المعجزات، على الرغم من جميع الظروف القاهرة المحيطة به.

ختاماً: أسقطت عملية سجن جلبوع ما تبقى للكيان الصهيوني من "هيبة" مزيفة، وأظهرت مدى تفشي الفساد في المؤسسة العسكرية الصهيونية، كما أن عدم وصول المناضلين إلى جوار آمن لا يعني بحال من الأحوال أن العملية فشلت.

إنَّ ظاهرة العمالة والطابور الخامس ظاهرة إنسانية لا يختص بها شعب دون سواه، ووجود بعض ضعاف النفوس بين أبناء شعبنا الفلسطيني المرابط في الداخل الفلسطيني لا يُعطي الحق لكائن من كان بأن يُعمم العمالة والانبطاح والتخاذل على جميع مكونات الشعب الفلسطيني في الداخل المحتل، وأدوار أبناء شعبنا الفلسطيني البطولية والوطنية في الداخل المحتل لا يمكن الإحاطة بها في مقال واحد أو في مجلد، ولا يقلل من شأنهم أو من أدوارهم البطولية أو النضالية إلا عميل أو مرتزق أو منافق.