ماذا يريد الكيان الصهيوني في سوريا؟
ما يجري في سوريا اليوم هو من صنعها وصنع تركيا إلى حدٍ كبير، وأن الاستنجاد بهما على سوريين آخرين يؤسس لفتن ومذابح ستبقى في الأرض بعد أن يندثر الكيان المؤقت.
-
لم يأت عبثاً إطلاق تسمية العملية الإسرائيلية في سوريا "سهم باشان".
من بين مئات الأميال المربعة الجديدة التي احتلها الكيان الصهيوني جنوبي سوريا منذ 8/12/2024، يبرز عالياً جبل الشيخ، على وجه الخصوص، أو جبل حرمون بحسب اسمه الكنعاني القديم، بقمّته التي تبعد هوائياً 35 كيلومتراً فقط من دمشق، وهي مسافة أقل من أقصى مدى لمدافع الهاوتزر 155 إذا جرى تلقيمها بقذائف "أكسكاليبر" الدقيقة.
من المعروف أن الولايات المتحدة زوّدت أوكرانيا بذلك النوع من القذائف، وأن الأخيرة استخدمتها ضد القوات الروسية ميدانياً. وثمة تعتيم كبير في محركات البحث بشأن حيازة العدو الصهيوني لقذائف "أكسكاليبر"، لكنّ تلك المحركات تظهر أن الأردن يملكها. لذلك، علينا الافتراض أنها موجودة لدى سلاح المدفعية في "جيش" الاحتلال، إذ كيف يمكن أن تعطي الولايات المتحدة جيشاً عربياً ما لم تعطه للكيان الصهيوني؟
الفكرة أن دمشق، منذ مجيء النظام الجديد إليها، باتت أقرب منالاً لقوات الاحتلال وأسلحته الأقرب مدىً، وأن ذلك يضعها في موقفٍ أضعف إزاء "تل أبيب" سياسياً.
وليس العدو الصهيوني مضطراً لاستخدام مدافع الهاوتزر لقصف دمشق من جبل الشيخ، بل يمكنه إمطارها بصليات الصواريخ قصيرة المدى جداً.
كما أن جبل الشيخ ليس أقرب نقطة إلى دمشق وضع فيها "جيش" الاحتلال موطئ قدمٍ ثابتاً، بل قطنا، في محافظة ريف دمشق، التي تبعد نحو 21 كيلومتراً من دمشق، والتي ثبّت فيها الاحتلال قاعدة له في مقر اللواء 78 سابقاً، والتي زارها أفيخاي أدرعي قبل أيام.
لكنّ جبل الشيخ هو أهم المواقع الجديدة التي سيطر عليها الاحتلال استراتيجياً. فهذا الجبل الذي احتله العدو الصهيوني بعد ساعاتٍ فحسب من إطاحة النظام السابق، تطل قمته، البالغ ارتفاعها 2814 متراً، بصورة مباشرةً على لبنان وسوريا وفلسطين وشمالي الأردن، وعلى نطاقاتٍ أبعدَ تمتد من العراق إلى مصر.
وبعيداً من الميزة العسكرية التقليدية للسيطرة على نقطة مرتفعة من هذا النوع، فإن الاستراتيجيين الصهاينة يعدونها منجماً أمنياً يتيح إلقاء أطواق الرقابة إلكترونياً على المحيط بصورةٍ متكاملةٍ لا تتيحها الرقابة الجوية. إذ أن الموقع، بصفته البرية المرتفعة والمهيمنة، يتيح تثبيت معدات ثقيلة وهوائيات ضخمة يصعب، ولا يستحيل، استهدافها.
وتبقى تلك القاعدة الاستخبارية الجديدة هدفاً دسماً لعناية الإخوة المعنيين عندما تتجدد الجولات مع حزب الله أو إيران، أو في سياق الرد على العدوان الصهيوني على اليمن، أو عندما يستيقظ النائمون في الوحل على خطورة قاعدة جبل الشيخ على منظوماتهم الأمنية أكثر بكثير من منشور معارض هنا أو تغريدة خلافية هناك.
لطالما وجِدَت، بالمناسبة، قاعدة استخبارية للوحدة 8200 في نقطة أدنى من الجزء الخلفي المحتل صهيونياً من جبل الشيخ ("يسرائيل هايوم"، 16/9/2012). لكنّ الجديدة، الأعلى، والتي تستطيع ممارسة الرقابة بزاوية 360 درجة، باتت أكثر خطورةً على المحيط.
في أغرب الأماكن، وقعتُ في موقع جامعة أميركية متميزة، هي جامعة "ليولا ماري ماونت" في لوس أنجلوس، على تقريرٍ منشورٍ في 22/7/2025 بعنوان "كشف التهديد: ظِل جبل الشيخ إذ تستهدف صواريخُ إيران إسرائيلَ"، يتحدث عن خطورة تسلل إيران أو حزب الله إلى المناطق المجاورة لجبل الشيخ جنوبي سوريا، كي لا يستهدفا التموضع الإسرائيلي الجديد، في سياق الحديث عن ذلك الجبل كنقطة جغرافية-سياسية مسيطرة وحاكمة.
وينبثق الخبرُ العاجلُ المتكررُ في وسائل الإعلام، والموتورُ وغيرُ المفهوم أحياناً، عن عمليات خاصة إسرائيلية لاستهداف "ميليشيات أو مجموعات تابعة لحزب الله أو إيران" في الجنوب السوري، وخصوصاً في محافظات القنيطرة وريف دمشق ودرعا، على ما يبدو، من هذا الهاجس الصهيوني بشأن تهديد قاعدة الاحتلال الإقليمية في جبل الشيخ.
ومن البديهي أن إلقاء صواريخ مداها بضعة كيلومترات فحسب، أو مسيرات، من جوار قاعدة جبل الشيخ الجديدة سيكون أسهل عملياتياً، وسياسياً، من إطلاقها من أماكن بعيدة عنه.
وفي السياق المباشر لقاعدة جبل الشيخ، يصب خطاب نزع سلاح حزب الله في محافظة النبطية تحديداً بالاتجاه ذاته، وكذلك نزع سلاحه جنوبي محافظة البقاع، في قضاء راشيا وأبعد، وشرقيها، وصولاً إلى بعلبك، الأمر الذي يفسر بعضاً من مساعي إعادة تأويل القرار 1701، ليتضمن نزع سلاح حزب الله شرقي الليطاني وشماليه، بدلاً من جنوبيه فحسب.
النقطة هنا أن تأمين حماية قاعدة جبل الشيخ الاستخبارية الجديدة يتطلب موضوعياً تحويل المنطقة المحيطة بها، في سوريا ولبنان، إلى منطقة منزوعة السلاح عسكرياً، وإلى محمية إسرائيلية سياسياً، تماماً كما تتطلب السيطرة على المحيط شمالاً القدرة على مراقبة "كل شيء" رادارياً وإلكترونياً انطلاقاً من قمة جبل الشيخ.
لكنْ، وعلى الرغم من كونه نقطة حاكمة، سيكون من الخطأ تفسير الأهداف الاستراتيجية الإسرائيلية في سوريا انطلاقاً من قاعدة جبل الشيخ فحسب، بدلاً من تفسير قاعدة الاحتلال الجديدة في جبل الشيخ انطلاقاً من أهدافه الاستراتيجية العامة في سوريا.
وهنالك صيغة لطالما سعت "إسرائيل" إلى فرضها على المحيط هي تثبيت حرية ممارستها للعمل العسكري والعمليات الخاصة فيه، أولاً، من دون أن تملك القوى الفاعلة في الأماكن المستهدفة القدرة على إعاقة تلك "الحرية"، ثانياً، أو حتى القدرة على الرد عليها لاحقاً بصورة فعالة، ثالثاً.
يتطلب فرض ذلك المبدأ العملياتي إذاً تقويض القدرات العسكرية، وتفكيك منظومات السيطرة والتحكم، أو حتى حل الجيش، من أجل تحويل المحيط، لا سوريا فحسب، إلى "حديقة خلفية" تستطيع "إسرائيل" إعادة تصميمها وتنسيقها Landscaping بما يناسب رؤيتها الاستراتيجية للمنطقة.
من ينظرْ إلى خريطة تمدد الاحتلال الصهيوني جنوبي سوريا، عشية 8/12/2024، يجد أنها تتخذُ شكل لسانٍ يتسع في محيط مدينة القنيطرة، ثم يعود للاتساع شمالاً وشرقاً كلما اقترب من دمشق، على الرغم من تصريحات نتنياهو عشية ذلك التمدد بأن "إسرائيل تريد حماية نفسها فحسب، وأنها غير معنية بالتدخل بالشأن الداخلي السوري".
لم يأت عبثاً إطلاق تسمية العملية الإسرائيلية في سوريا، بعد 8/12/2024، "سهم باشان"، في إعادة تأويل توراتية للجنوب السوري لا يمكن إلا أن تؤشر على أطماع بالتمدد استناداً إلى مقولة "الأرض الموعودة" من الفرات إلى النيل.
وكان وزير المالية سموتريتش قد ظهر في فيلم وثائقي للقناة العامة الأوروبية Arte، قبل عملية "سهم باشان" بنحو شهرين، ليقول إنه "كُتِبَ أن مستقبل القدس هو التوسع إلى دمشق"، وأن "إسرائيل" سوف تتوسع "شيئاً فشيئاً" لتشمل في نهاية المطاف كل "الأراضي الفلسطينية"، إضافةً إلى سوريا ولبنان والأردن والعراق ومصر والسعودية.
ثم يأتي تمدد أطواق المناطق العازلة، وتمدد المحميات منزوعة السلاح لحماية تلك المناطق العازلة، وفرض ترتيبات سياسية مع حكام العواصم العربية للخضوع لمنطق "الأمن القومي الإسرائيلي"، بهذا المعنى تحديداً، تأكيداً على أن مشروع التوسع الصهيوني ماضٍ على قدمٍ وساق، بصورةٍ عسكرية أو غير عسكرية.
وليست محاولة فرض مناطق "منزوعة السلاح" جنوبي سوريا، أو جنوبي الليطاني في لبنان، أو في كل مناطق السلطة الفلسطينية، إلا تكراراً لنموذج المناطق منزوعة السلاح بدرجات متفاوتة في سيناء، بموجب اتفاقية 26/3/1979، وخصوصاً المنطقة "ج" المجردة من السلاح تماماً، والتي أصبحت حاضنة للإرهاب التكفيري كنتيجة طبيعية لانحسار سلطة الدولة عنها، وكان ذلك إحدى ثمار التطبيع مع العدو الصهيوني طبعاً.
تضمنت عملية "سهم باشان":
أ – تمدداً جغرافياً للاحتلال الصهيوني، بما يتلاءم مع أطماعه التوسعية.
ب – تدميراً منهجياً للقدرات العسكرية السورية، صاروخياً وجوياً وبحرياً.
جـ - تقويضاً للسلطة المركزية، أو بقايا تلك السلطة، بعد عقد ونصف العقد من الحرب والحصار، من خلال الإصرار على منطقة منزوعة السلاح في محافظات القنيطرة ودرعا والسويداء.
وكان نتنياهو قد صرح في 23/2/2025 بأن "إسرائيل" لن تسمح لجيش النظام الجديد في سوريا بالعمل جنوبي دمشق.
لكنّ ما أسفرت عنه عملية "سهم باشان" لا يُقرأ بمعزل عن تجربة تدمير القدرات العسكرية، وحل القوات المسلحة، وتقويض السلطة المركزية، من العراق إلى ليبيا، وما أسفرت عنه مناطق "حظر الطيران" المفروضة أميركياً في العراق، وخصوصاً تكريس النزعة الانفصالية في شماليه، أو قرار حظر الطيران الذي فرضه مجلس الأمن في ليبيا سنة 2011، وما أسفر عنه من تفكيك للبلاد إلى 3 دويلات فعلياً، بل أنها لا تقرأ بمعزل حتى عن تجربة "الجيوب العازلة"، من "جيش لبنان الجنوبي" سابقاً، إلى مجموعة ياسر أبو شباب شرقي رفح مؤخراً.
يمكن التوثيق من دون كثير عناء، أن الأصابع الصهيونية لم تكن بعيدةً عن العدوان على العراق، أو ليبيا، أو سوريا، أو مساعي تفكيك تلك الأقطار، أو عن مساعي تفكيك السودان الذي نشهد اليوم فصلاً دموياً جديداً من مسلسل شق إقليم دارفور عنه، بعد فصل جنوبيه وثلاثة أرباع ثروته النفطية.
وكان اللوبي الصهيوني في الولايات المتحدة الداعي الأول لانفصال دافور منذ أكثر من عشرين عاماً بذريعة الدفاع عن المدنيين غير العرب هناك. وها هم الجنجويد، المتهمون بذبح أولئك المدنيين، يتولون الآن مهمة فصل جنوبي غربي السودان عن الخرطوم في سياق لا يبعد كثيراً عن المشروع الإسرائيلي ذاته.
في جنوبي سوريا، كما في السودان، نشهد اليوم صراعاً بين طرفين كليهما مطبّعين علناً مع العدو الصهيوني، وكليهما يفكران ويتصرفان بصورة فئوية مغلقة تنتج الفرقة والمذابح، وتصب في جيب "تل أبيب"، لأنها تقود إلى التفكيك.
ولا يقلل هذا الكلام طبعاً من خطورة المذابح والانتهاكات والجرائم التي كان من الطبيعي أن يرتكبها الطرف الإرهابي التكفيري، لأنه جُبِلَ على هذا، والقرد لا يتحول بسحر الاعتراف الإقليمي والدولي إلى غزال، وإنما نقول إن غياب مشروع وطني وقومي لدى كل الأطراف، وغياب قيادات ونخب وطنية وقومية، وغياب بوصلة حساسة لمسألة التطبيع مع العدو الصهيوني، يفسح المجال واسعاً لتوظيف مظلوميات "الأكثرية" أو "الأقلية" في خدمة الأجندة الصهيونية.
هل دخلنا "العصر الإسرائيلي" إذاً؟ فهناك من جهة سهام باشان، لا سهمٌ واحدٌ، في كل الاتجاهات، وهناك من جهة أخرى ضغط "المشروع الإبراهيمي" لدمج الكيان الصهيوني في المنطقة، اقتصادياً وسياسياً ودينياً، في مقابل جوائز شتى منها رفع العقوبات، أو نيل رضا الإدارة الأميركية وحمايتها.
تتحدث تقارير إعلامية شتى عن مشروع إسرائيلي لإنشاء ما يسمى "ممر داوود" في سوريا، للوصول إلى نهر الفرات انطلاقاً من الجولان السوري عبر درعا والسويداء، مروراً بقاعدة التنف، التي يصر الأميركيون أنهم سيبقون فيها بعد انسحابهم التدريجي من سوريا، وصولاً إلى البوكمال والمناطق التي تسيطر عليها ميليشيات "قسد" شرقي سوريا، ثم إلى شمالي العراق.
ويضع البعض مشروع "ممر داوود" في سياق ممر الهند-أوروبا، عبر الشرق الأوسط، في سياق المواجهة الغربية مع روسيا والصين.
لكنّ مصطلح "ممر داوود"، والذي يجري تداوله بصورة متصاعدة في الأسابيع الأخيرة، ليس سوى الصيغة الراهنة لمشروع تفكيك سوريا، من خلال إنشاء "حلف أقليات" فيها، برعاية ما يسمى "قسد"، في مواجهة ما يجري إبرازه كـ"تغول للأكثرية" التي باتت ميليشيات الإرهاب التكفيري أداتها. وما هذا المشروع "الأقلوي" إلا الوجه الآخر للمشروع "الأكثري"، لأن كليهما يصبان في خانة تمزيق سوريا.
لا يعني ذلك طبعاً أن هناك إجماعاً على تمزيق سوريا هنا والآن، فقد تعلم البعض في الطرف الأميركي-الصهيوني درس العراق، ورأوا أن تمزيقه بصورة غير محسوبة أدى إلى زيادة النفوذ الإيراني فيه، ويخشى البعض تمدد تركيا في سوريا بالصورة ذاتها إذا انهار النظام الجديد فيها تماماً.
يجدر الالتفات هنا إلى مادة مهمة وضعها خبيران إسرائيليان، نشرت في موقع "مجلس الأطلسي" Atlantic Council في 2/7/2025، وعنوانها "لماذا يُعد نجاح الشرع في سوريا مفيداً لإسرائيل والولايات المتحدة؟".
يشير هذان الخبيران إلى أن انهيار النظام الجديد في سوريا الآن ربما يتيح فسحة لتغلغل إيراني، كما حدث في لبنان، وقد يترك فضاءً لانفلات الميليشيات التكفيرية، وسوف يؤدي إلى تمدد تركي يضع "إسرائيل" في مواجهة تركيا في سوريا.
ويطمئن الخبيران أولئك القلقين من ضم الإرهابيين الأجانب في الجيش السوري الجديد، أو من ضم الميليشيات السورية المعارضة إليه، أن "الحكومة الجديدة في دمشق ليست حماس، ولا يبدو أنها تسعى إلى مواجهة مفتوحة مع إسرائيل"، وذلك بعد تعداد "إنجازاتها" في مجالي شطب الفصائل الفلسطينية في سوريا والتصدي الحثيث لعمليات تهريب السلاح إلى حزب الله في لبنان.
يرى الخبيران، في المقابل، أن سوريا، في ظل نظامها الجديد، تقدم لـ"إسرائيل" فرصاً واعدة في مجال "تطوير الطاقة"، وإنشاء طرق تجارة برية محتملة على خط الهند-الشرق الأوسط، و"احتواء وكلاء إيران"، وحتى الانخراط في تطبيع كامل في المحصلة ضمن بوتقة "الاتفاقيات الإبراهيمية".
ما يهمنا هنا أن مشروع "فرط" النظام السوري الجديد، وتفكيك سوريا الآن، ليس محسوماً حتى في صفوف النخب الإسرائيلية. لذلك، فإن تقديري المتواضع هو أن الطرف الأميركي-الصهيوني سوف يبقي النظام الجديد ضعيفاً ومخلخلاً بما يكفي كي ينفذ ما يُملى عليه خارجياً، وقوياً بما يكفي كي لا تتكرر تجربة إيران في العراق مع تركيا في سوريا، وكي يكون هناك طرف مخوّل قانونياً بتوقيع اتفاقيات تطبيعية (وهذا هو معنى الاعتراف الإقليمي والدولي الكاسح بالنظام الجديد، على الرغم من سجله الإجرامي وخلفيته الإرهابية التكفيرية).
على المقلب الآخر، يجب أن يفهم الجميع أن "إسرائيل" لا يمكن أن تكون منقذاً، وأن ما يجري في سوريا اليوم هو من صنعها وصنع تركيا إلى حدٍ كبير، وأن الاستنجاد بهما على سوريين آخرين يؤسس لفتن ومذابح ستبقى في الأرض بعد أن يندثر الكيان المؤقت.
لقد صنعت شخصيات كبيرة مثل السيد حسن نصرالله أو سلطان باشا الأطرش أو صالح العلي أو فارس الخوري أو إبراهيم هنانو، أو كمال جنبلاط، اسمها وصيتها من خلال توظيف الطائفة التي ولدت فيها في مشروع وطني وقومي كبير، لا من خلال اختزال الوطن في بعدٍ طائفي أو عرقي أو مناطقي ضيق.
لا نجد اليوم أبطالاً مثل عصام زهر الدين أو سمير قنطار، بل شخصيات قزمة تستمد دورها من الاحتلال الصهيوني، أو التركي، أو الأميركي، وبرأيي المتواضع أن تلك مشكلة عامة في "الوعي" الفئوي الضيق عموماً، سواء كان "أقلوياً" أو "أكثروياً".
وكانت من إنجازات حزب البعث في سوريا في عزّه أنه خلق إطاراً اندماجياً عابراً للطوائف والمناطق، ذا بعدٍ وطنيٍ وقومي، وإن تآكل حزب البعث من الداخل، وتآكل دوره في المجتمع السوري، وابتعاده عن عقيدته بذريعة "التحديث"، كان أحد أسباب الانهيار الكبير في سوريا. لكنّ ذلك عنوانٌ آخرُ لوقتٍ آخر.