محددات ثقافة المقاومة استراتيجياً وفي اللحظة الإيرانية الراهنة

يتطلب نجاح استراتيجية المقاومة وضع التناقض مع المهيمن المحتل فوق كل التناقضات الأخرى، وإلا فإن حواضن المقاومة تصبح عرضةً للتشقق.

  • ما هي المحددات الأساسية لثقافة المقاومة في زماننا وفي ظروفنا اليوم؟
    ما هي المحددات الأساسية لثقافة المقاومة في زماننا وفي ظروفنا اليوم؟

كثيراً ما ينتهي الخلاف عربياً بشأن الموقف من إيران، مع الذين يتخذون موقفاً "محايداً" منها، أو معادياً لها بصراحة، في ظل احتدام المعركة الضارية مع العدو الصهيوني، إلى خلافٍ بشأن مبدأ المقاومة، من حيث حكمتها الراهنة أو مشروعيتها المبدئية أو الاثنين معاً، أو إلى خلافٍ أوسع يتجاوز السياسة إلى الثقافة.

فهناك، من جهة، ثقافة "الحلول" الانتهازية، المنبثقة من ذاتٍ مبتسرة، فردياً، أو طائفياً، أو مناطقياً، أو قُطرياً، في مقابل ثقافة المقاومة، التي تستند إلى انصهار الذات في الواحد الأوسع، وطنياً، أو قومياً، أو أممياً، أو حتى إلهياً.  

يدور الخلاف، في الجوهر، بشأن مسألة فلسفية عميقة إذاً: من أنا؟  فردٌ، أم ذرةٌ متصلة عضوياً في الـ"نحن"؟  وإذا لم تكن الذات الفردية عالمي، إلى أي "نحن" ننتمي؟  

وإذا كنا "نحن" في هذا العالم، لا أفراداً تحكمهم المصلحة الفردية فحسب، ولا يربط بينهم رابطٌ سوى المصالح العابرة، إلى أي "نحن" ننتمي؟  

وهل هي "نحن" مبتسرة ومقزمة، كما يُفَكَّكُ الوطنُ إلى طوائفَ ومناطقَ وإثنياتٍ، أو القريةُ إلى عشائرَ وحاراتٍ، أو العربُ إلى قيسٍ ويمن، أو إلى أقطارٍ مبعثرةٍ ضمن حدود "سايكس-بيكو"، أو المسلمون إلى سنةٍ وشيعةٍ؟  أم أننا نحنٌ أوسع تنتمي إلى دوائر أكبر قد تتقاطع وتتداخل؟

العبرةُ أن من يرى انتماءه بصورةٍ أضيق، فردياً أو طائفياً أو مناطقياً أو قُطرياً، يميل إلى الحل الانتهازي الهروبي، ويرى مقاومة قوى الهيمنة، عوضاً عن إيجاد صيغة للتفاهم معها، نوعاً من "الغباء" و"الانتحار"، في حين أن من يرتقي بذاته، أو منطقته، أو طائفته، أو عشيرته، أو قُطره، يراها مندمجة في العام الأوسع، ويرى الخضوع لقوى الهيمنة، بدلاً من إزالة هيمنتها، هما الغباء والانتحار.

من البديهي أن التباين بين الرؤيتين ينعكس في رؤية كلٍ منهما لميزان القوى وكيفية التعامل معه.  فالصغير المبتسر يرى نفسه ضعيفاً، وبالتالي مضطراً لأن يكون "واقعياً".  ويعني، بالنسبة إليه، القبول بالذل والتنازل عن الحقوق العامة في مقابل تحسين وضع ذاته الصغيرة ضمن الخراب العام، الذي يراه قدراً لا يُرَد.  ويرى، من عدسة وهنه وضآلته، أن عليه الرضوخ لميزان القوى، وأنه لا يقوى على دفع الأثمان اللازمة لتغيير الواقع، وأن أي محاولة للتمرد من المرجح أن تقود الأمور إلى الأسوأ.  

أما الكبير، صاحب الانتماء الأوسع أفقاً، فيرى نفسه قوياً بالاحتياطي الاستراتيجي الذي يستند إليه.  لذلك، لا يقبل بالدنية، ويدين المساومات غير المبدئية ويحتقرها، لأنه يرى أن الإطار الأوسع الذي ينتمي إليه يؤهله، لو عمل واجتهد وناضل وضحّى، أن يحدث تغييراً في ميزان القوى، وبالتالي في صورة المشهد، وأن يغيّر واقع الهيمنة إلى واقع تحرر.

ليس الفرق بين هذا وذاك إذاً أن الثائر المتمرد على قوى الهيمنة حالمٌ وغيرُ واقعي، لا يرى حقيقة ميلان ميزان القوى ضده، وأن الراضخ المستسلم "واقعي" و"عملي" و"غير عاطفي" يرى ذلك بوضوح، بل تعني فكرة المقاومة، بالتعريف العلمي، مدى القدرة على مقاومة تيار جارف، كما مقاومة بعض المواد العازلة للتيار الكهربائي، أو مقاومة كائن عضوي للعدوى، أي أن المقاومة تفترض مسبقاً حالة دفاعية في مواجهة قوة طاغية، ولا تفترض قط التكافؤ بين طرفين، وإلا لما كانت مقاومة، بل حرباً عادية.  

الفرق بين المقاوِم والمستسلم، إذاً، ليس عدم إدراك حقيقة ميلان ميزان القوى لمصلحة قوى الهيمنة، خارجياً أو داخلياً، بل يكمن الفرق بينهما في أن المقاوم يرى إمكانية تغيير ميزان القوى، لأنه يستند إلى قوى كامنة كبيرة، ويحمل مشروعاً كبيراً يليق بحجمها، ويعمل على تحويل طاقتها الكامنة إلى عمل، وأنه يرى الأثمان المطلوب دفعها لتحقيق ذلك المشروع صغيرة.

أما المستسلم، على العكس من ذلك تماماً، فينطلق من ذاته الفردية أو من انتماءات ضيقة، لا يرى أبعد منها، لذلك يفكر بصورة صغيرة، ويحمل مشروعاً انتهازياً، عندما لا يتورط بالتحول إلى أداة لقوى الهيمنة.  وفي الحالتين يتعامل مع المقاوم كعنصرٍ مزعزعٍ للاستقرار، لا بد من احتوائه وإحباطه وتفريغه من الحس المتمرد وتشتيت جهوده، ولا بأس من التواطؤ ضده عندما تقل العواقب.

الفرق، إذاً، أن المستسلم يستند إلى هوية ضيقة، يعرّف مصلحتها بصورة ضيقة، وأن المقاوِم يستند إلى هوية واسعة، يعرف مصالحها بصورة أكثر اتساعاً، وأن المقاوِم يرتقي بذاته وما يمثله إلى ما هو أعلى، وأن المستسلم ينحط بهما إلى ما هو أدنى.  

إنه الفرق، فعلياً، بين عملاقٍ وقزم.  ومن دون العودة إلى سؤال: من أنا؟ ومن نحن؟  لن تفيد كل الحجج التي تُساق في الدفاع عن المقاومة وثقافتها ونهجها، مهما كانت عقلانية أو منطقية.  لا بد إذاً من أن نعرّف أنفسنا بصورة أوسع كي نقاوم بثقة، مؤمنين بحتمية النصر.  والمقاوِم الذي تدفعه الظروف إلى المقاومة، كرد فعل، انطلاقاً من هوية ضيقة، إما أن يتسع أفقه، ويتجاوز ذاته، ويتجه وحدوياً، وإما أن تنحسر مقاومته ويتحول إلى المساومات الانتهازية والملوثة.   

ما يجعل سلطان باشا الأطرش كبيراً وعظيماً مثلاً أنه جيّش الطائفة الدرزية في مشروع وطني وقومي كبير يتجاوز حدود محافظة السويداء.  وما يجعل السيد حسن نصر الله كبيراً وعظيماً مثلاً أنه جيّش الطائفة الشيعية في لبنان في مشروع ذي أبعاد وطنية وقومية وإقليمية وعالمية يتجاوز حدود لبنان ذاته، لا الطائفة الشيعية فحسب.  

وما يجعل جمال عبد الناصر كبيراً وعظيماً أنه جيّش مصر في مشروع نهوض وتحرر وطني وقومي وعالمي (دعم حركات التحرر في أفريقيا مثلاً، وإنشاء حركة عدم الانحياز)، وكذلك محمد علي باشا الكبير، وابنه إبراهيم، من قبل عبد الناصر، في النصف الأول من القرن التاسع عشر.  

الأمثلة كثيرة، على الصعود والارتقاء من الهوية الصغيرة إلى الهوية الكبيرة، وعلى الانحدار وتقزيم الكبيرة إلى صغيرة.  وأقول يجعل، لا "جعل"، لأن من يثبت على ذلك النهج حتى النهاية يسجل اسمه على حائط الخلود فلا يمحوه الزمن.

ولو أخذنا القائدين الشهيدين يحيى السنوار ومحمد الضيف وصحبهما، فإن ما يجعلهم كباراً وعظماء هو أنهم حوّلوا قطاعاً صغيراً ومحاصراً ومنكوباً إلى قنبلة هزت الكرة الأرضية برمتها سياسياً، وإلى رمزٍ لمناهضة الصهيونية يتجاوز غزة ذاتها، وفلسطين، والعرب، والمسلمين، إلى شوارع عواصم العالم، من أقصى الشرق، في سيؤول مثلاً، إلى أقصى الغرب من لندن إلى نيويورك.

وفي زماننا، ومنذ بدء الصراع مع الحركة الصهيونية في فلسطين وغيرها، باتت حلقة النار التي لا بد من القفز عبرها إلى الهوية الأوسع هي فلسطين، كل فلسطين.  

وهذا أصبح قانوناً من قوانين الحياة السياسية في عالمنا المعاصر أن التخلي عن فلسطين، كل فلسطين، يقترن بالنكوص إلى الهوية الأضيق، عربياً وإسلامياً وإنسانياً، وأنه يقترن بالتبعية للهيمنة الغربية في حالة الجنوب العالمي، وأن التمسك بفلسطين يقترن بالارتقاء إلى الهوية الأوسع، وبمشروع التحرر من الهيمنة الغربية.

حتى فلسطينياً، يعني التخلي عن كل فلسطين خسفها إلى "دويلة في حدود الـ 67"، منزوعة السلاح، بالتفاهم مع الطرف الأميركي-الصهيوني، أي أن التخلي عن كل فلسطين يعني التخلي عن الوطنية الفلسطينية ذاتها، فلسطينياً، لا عن العروبة والإسلام والإنسانية فحسب.

ومن الواضح أن من وقعوا المعاهدات وساروا في نهج التطبيع مع العدو الصهيوني، اقترن ذلك عندهم بالنكوص إلى الهويات الضيقة وتبرير ذلك بأنه من مصلحتها، وهي صيرورة كل نظام أو حركة سياسية عربية انحدرت إلى درك التطبيع، إذ رأيناها تبرر ذلك بمصلحة قُطرها أو طائفتها أو منطقتها.  

حتى عندما حدث ذلك فلسطينياً، فإنه اقترن ببلورة هوية فلسطينية مبتسرة، مستعدة للتخلي عن معظم فلسطين، ومهيأة للتنسيق أمنياً مع العدو الصهيوني، ومناهِضة للمقاومة فلسطينياً وعربياً وإسلامياً.  

من البديهي أن تحدي ميزان القوى السائد، والسعي إلى تغييره، والقبض على جمر فلسطين، والتحرر من الصهيونية، مشروعٌ مكلفٌ جداً، وأن من يحمله لا بد من أن يكون كبيراً، في وعيه وأفقه، كي يقوى على دفع أثمانه، ويصبح كبيراً في فعله وأثره.  

لكنّ المفارقة أيضاً أن من يستعد لدفع تلك الأثمان يكبر بالمشروع، كما يكبر المشروع به، كما نرى، مثلاً لا حصراً، في حالة حركة أنصار الله في اليمن التي فرضت نفسها يمنياً، وعربياً، وإقليمياً، في نطاق البحرين الأحمر والعربي، بمقدار ما استعدت لدفع الثمن الغالي دعماً لغزة، على الرغم من صعوبة ظروفها بعد سنوات الحرب والحصار.  

المفارقة الأخرى هي أن المقاوِم الفرد، الذي تذوب فرديته وانتماءاته الضيقة في المشروع العام، يختزن داخله كل كرامة المقاومة وعنفوانها، كأنما انعكس العام الجمعي في الخاص الفردي بعد تماهي الخاص الضيق مع العام الواسع، في ترابطٍ جدليٍ بين الكبير الذي لا بد أن يصبح شأناً فردياً، والصغير الذي يكبر به.  وهو تأويلي المتواضع، في سياق الحديث عن ثقافة المقاومة، لقولٍ للإمام علي، كأنه موجهٌ للفرد الذائب في قضية كبرى: "وتحسب أنّكَ جرمٌ صغيرٌ، وفيك انطوى العالم الأكبر".                                     

تعرضت إيران لعدوان، فردت الصاع صاعين، وفرضت ذاتها نداً كفءاً في مقابل قطبٍ مهيمنٍ إقليمياً ومدعوم غربياً.  وراحت حبال الإقليم، في ذلك السياق التصادمي، تنْشَدُّ بينهما حتى تكاد تتمزق، الأمر الذي جعل اللحظة الراهنة إيرانية بامتياز.  

لكنها لحظةٌ فاصلةٌ لإيران ولكل ما يقع ضمن المجال المغناطيسي بين الضدين وما حوله، لأن ما ستسفر عنه هذه اللحظة من نتائج، سياسياً وميدانياً، وخصوصاً على صعيد ميزان القوى في الإقليم، سوف يكون خطيراً.

مجدداً، لا يتعلق الأمر بالبرنامج النووي الإيراني والصواريخ البالستية بمقدار ما يتعلق بموقف القيادة الإيرانية من حق الكيان الصهيوني في الوجود، بل يتعلق الأمر بالبرنامجين النووي والبالستي بمقدار ما تتمسك القيادة الإيرانية بقضية فلسطين، وبمقدار ما تدعم مشروع المقاومة في الإقليم، هذا المشروع الكبير الذي دفعت ثمناً باهظاً، دماً واقتصاداً وحصاراً ومعاناة، من أجله.

ومجدداً، كما في فلسطين والوطن العربي، لا بد من أن تبرز تيارات في إيران، استناداً إلى هويات ضيقة دوماً، ترى تمسك إيران بفلسطين ومشروع المقاومة، ومواجهة الهيمنة الغربية والعدو الصهيوني، "عبثاً" و"انتحاراً".  "ما لنا ولفلسطين؟"، ربما يقولون، أو "ما شأننا بدعم حركات سياسية أو مقاوِمة خارج إيران؟"، ربما يضيفون، و"الشعب الإيراني أولى بتلك الموارد"، و"أليس من الأفضل لنا أن نتقوقع ضمن حدودنا؟".

لكنه ضيقُ أفقٍ حتى من منظور قومي فارسي (لا نتفق معه طبعاً)، لا من منظور إسلامي أو مبدئي أو تحرري فحسب.  كما أنه منظورٌ يعبر عن جهلٍ بأبسط مبادئ الجيوبولتيكس، أي استراتيجيات مواجهة التحديات الجغرافية-السياسية، عندما يتعلق الأمر بقوة إقليمية حريصة على استقلالها وسيادتها إن لم تدافع عن نفسها خارج أسوارها، فإن المعركة ستنتقل إلى داخلها، تماماً كما حدث مع سوري.  

وفي قلب معمودية النار المتصاعدة، يقبض رجلٌ على جمر فلسطين، ويقف وقفةً ثابتة، ويجيّش إيران في مشروع يتجاوز إيران والعرب إلى مناهضة الصهيونية والهيمنة الغربية، على الرغم من التهديدات المستمرة باغتياله شخصياً من طرف نتنياهو وترامب وغيرهما، ليضاف اسمه إلى سجل الكبار العظماء الذين ساروا على الدرب ذاته من قبله.  إنه الإمام الاستشهادي علي خامنئي.  قف معه الآن، في قلب المعركة التي يقودها، أو قف مع نتنياهو.  ولا منطقة وسطى بين الإثنين. 

أعرف جيداً أن من يقفون على "الحياد"، أو يثيرون تحفظات على المشروع الإيراني في المنطقة في هذه اللحظة الخاطئة بالذات، يصفون مثل هذا الكلام بأنه "مندفع عاطفياً"، ولا يأخذ كثيراً من العوامل الجانبية في الحسبان.  لكنه كلامٌ يستند، بكل هدوء، إلى ثقافة المقاومة، من طرف مواطن قومي عربي يرى المقاومة مصلحة استراتيجية عليا للأمة العربية قبل إيران.

لا بد إذاً من العودة إلى بعض أهم محددات ثقافة المقاومة، بما تمثله من عناصر قوة معنوية تساعد على تحصين حواضن المقاومة سياسياً وأمنياً وإعلامياً وثقافياً. 

تمثل الثقافة، بصورة عامة، طريقة محددة في العيش، تنظمها بصورة رسمية أو غير رسمية مجموعة من القيم والمفاهيم والأعراف والطقوس وطرق الخطاب والتعامل اجتماعياً.  

أما المقاومة الثقافية، فهي الممارسة القائمة على توظيف الرموز والمعاني لمقاومة قوة مهيمنة خارجياً أو داخلياً.  

كثيراً ما يجري ذلك بأدوات فنية مثل القصيدة والرسمة واللوحة والفيلم والمسرح أو أي عمل فني آخر، وهو معنى الفن الملتزم، أو بأدوات فكرية مثل الكتاب والندوة والمقالة والبحث الجاد، أو بأدوات إعلامية، مثل القناة الفضائية أو الموقع الإلكتروني أو وسائل التواصل الاجتماعي، والأدوات الإعلامية هي الأعمق أثراً اليوم.

أما ثقافة المقاومة فهي تكريس نهج المقاومة وقيمها ومفاهيمها وأعرافها وتقاليدها باستخدام أدوات المقاومة الثقافية.  

فما هي المحددات الأساسية لثقافة المقاومة في زماننا وفي ظروفنا اليوم؟ برأيي المتواضع، إنها الآتي:

1 -  إن المقاومة رد فعل طبيعي على ظروف الظلم والاحتلال، وإنها حق وواجب.  وإنها تنشأ دوماً في ظروف اختلال ميزان القوى مع قوة مهيمنة.  أما المطالبة بتأخيرها ريثما يتحسن ميزان القوى فيعني عدم نشوئها على الإطلاق.  فالمقاومة هي التي تغيّر ميزان القوى.

2 – إن تنكيل القوة المهيمنة بالحواضن الشعبية للمقاومة هو نوع من العقاب الجماعي على احتضانها للمقاومة تتحمل القوة المهيمنة مسؤوليته وذنبه، لا المقاومة التي قامت أصلاً لتحرير تلك الحواضن من الهيمنة والاحتلال.  

3 - إن تحميل المقاومة ذنب ما يرتكبه الاحتلال من جرائم ضد حواضنها يقلب الحقائق على رأسها، ويخدم هدف العدو في إضعاف المقاومة وتفكيكها.  وفي ظل وجود وعي وحس مقاوِمين، فإن تلك الجرائم يفترض بها أن تصبح دافعاً لتحفيز المقاومة وزيادة الوعي بضرورتها وأهميتها. 

4 – إن المقاومة المسلحة العنيفة هي الشكل الأساس والأهم لممارسة المقاومة التي يجب أن تكون كل أشكال المقاومة الأخرى في خدمتها.  توجد أشكال متعددة للمقاومة إذاً، منها المقاومة الثقافية طبعاً.  لكنْ، لا يجوز أن يتعارض أي شكل من أشكال المقاومة مع استراتيجية المقاومة المسلحة، بل يجب أن تكون جميعاً روافع لها، وإلا فإنها تدخل في دائرة الشبهة.  

5 – إن أهم مهام المقاومة الثقافية في زماننا هي مناهضة التطبيع مع العدو الصهيوني بكل أشكاله، وضرورة كشف المطبعين وتفريطهم وعبثية منهجهم، حتى من منظور المصالح الضيقة التي يدّعون الدفاع عنها.

6 – إن شق الصفوف بذرائع طائفية أو دينية أو عرقية أو مناطقية أو عشائرية أو قُطرية من أهم أدوات المهيمن المحتل في تفكيك حواضن المقاومة وإثارة الصراعات والفتن فيما بينها.  لذلك، لا بد للوعي المقاوم من أن يكون وحدوياً بالضرورة.

7 – يتطلب نجاح استراتيجية المقاومة وضع التناقض مع المهيمن المحتل فوق كل التناقضات الأخرى، وإلا فإن حواضن المقاومة تصبح عرضةً للتشقق.

ولا يعني ذلك التظاهر بعدم وجود تناقضات أخرى، لأن ذلك واقع الحال، لكنّ إثارة كل التناقضات دفعةً واحدةً، من دون مراعاة لسلم الأولويات فيها، لا يخدم إلا العدو المحتل.

تبرز هنا، تحديداً، مسألة بعض الخلافات العربية مع إيران.  وكان كاتب هذه السطور ممن انتقدوا السياسات الإيرانية في العراق بعد سنة 2003، والموقف الإيراني من عدوان الناتو على ليبيا سنة 2011.  لكن عندما يندلع القتال مع العدو الصهيوني، فإن من أولى أولويات قيم المقاومة وثقافتها أن ندعم من يقاوم بشروطه.  وبناءً عليه، يجب أن ندعم كل مقاوم، من أي فصيل، أو من خارج أي فصيل، يقاوم العدو الصهيوني، ولو اختلفنا معه في هذه النقطة أو تلك.

ويذكر أن هناك تناقضات بين الإيرانيين أنفسهم بشأن دعم حركات المقاومة وفي كثيرٍ من الشؤون، وتوجد تناقضات بين العرب أنفسهم بشأن كثيرٍ من الأمور، لا داعي لسردها هنا، كما توجد مشاكل مع الإيرانيين، حدودية أو غير حدودية.  

لكننا نتحدث عن شعب جارٍ هنا، لنا علاقات تاريخية معه، لا عن كيان دخيل غريب عن نسيج المنطقة. وفي لحظة اشتداد القتال مع العدو الصهيوني يجب أن نردد مع مظفر النواب: كل بوصلة لا تتجه إلى القدس مشبوهة.

"إسرائيل" تشن عدواناً على الجمهورية الإسلامية في إيران فجر الجمعة 13 حزيران/يونيو يستهدف منشآت نووية وقادة عسكريين، إيران ترد بإطلاق مئات المسيرات والصواريخ التي تستهدف مطارات الاحتلال ومنشآته العسكرية.