نظام أبارتهايد نووي عنصري: "إسرائيل" وإيران والاحتكار النووي

معاملة الوكالة الدولية للطاقة الذرية لإيران ليست تطبيقًا محايدًا للقانون الدولي؛ بل هي تحويل المؤسسات الدولية إلى أسلحة تخدم مصالح الغرب الاستراتيجية ومشروعه الإمبريالي. 

  • تميل الدول الغربية إلى تهميش الوكالة عندما لا تُردد صدى الدعاية الغربية.
    تميل الدول الغربية إلى تهميش الوكالة عندما لا تُردد صدى الدعاية الغربية.

العدوان الإسرائيلي الصارخ، المدعوم والمنسق مع إدارة ترامب، على الجمهورية الإسلامية الإيرانية، والذي استهدف منشآت برنامجها النووي واغتيال قادتها العسكريين وعلماء الطاقة النووية لديها، أعاد بقوة إلى ساحة التداول العالمي النقاش حول نظام حظر الانتشار النووي ودور الوكالة الدولية للطاقة الذرية في فرضه وإنفاذه، ودور هذا النظام في استكمال هيمنة الغرب الإمبريالية على العالم واستدامة استضعاف الجنوب العالمي وابتزازه نوويًا باحتكار علوم وتقنيات الطاقة النووية كأحد أهم آليات المشروع الإمبريالي الغربي. 

أعلنت الوكالة الدولية للطاقة الذرية يوم الخميس أن إيران لا تمتثل لالتزاماتها النووية. صوّت مجلس محافظي الوكالة على اعتبار طهران تنتهك التزاماتها بالحد من تخصيب اليورانيوم وبتسهيل زيارات مفتشي الوكالة لمواقعها النووية. بعد ساعات من هذا التصويت، شنت "إسرائيل"، الدولة الوحيدة المسلحة نوويًا في غرب آسيا وكل أفريقيا وترفض التوقيع على معاهدة "حظر الانتشار النووي" NPT، عدوانها على المنشآت النووية لإيران، الدولة الموقعة على المعاهدة وبروتوكولات التفتيش الإضافي. 

وهنا يتضح دور الوكالة الدولية في تبرير عدوانية "إسرائيل" وشرعنة احتكارها للتسلح النووي وتهديد أقطار وشعوب العالم الإسلامي.  ووصف رئيس الوكالة الهجمات الإسرائيلية التي طالت أحياء مدنية وضحايا من الأطفال بأنها "مقلقة للغاية" – وهي وقاحة بارعة في تهوين خطورة الموقف، رغم الدمار الهائل وعواقبه الفادحة على الأمن الإقليمي والدولي.

يُشكّل هذا التصويت عادة مبررًا لمجلس الأمن لفرض أو "إعادة فرض"، عقوبات اقتصادية صارمة على إيران، بعد رفعها وفق خطة العمل الشاملة المشتركة – وهي اتفاق 2015 النووي مع إدارة أوباما والدول دائمة العضوية بمجلس الأمن والاتحاد الأوروبي وألمانيا. انسحب ترامب أحاديًا من الاتفاق عام 2018 وفرض عقوبات قصوى، ما برر لإيران التخلي عن التزاماتها الإضافية بحسب الاتفاق واستئناف التخصيب. 

ردّ الرئيس الإيراني، مسعود بزشكيان، على تصويت الوكالة الدولية للطاقة الذرية بتحدٍ، قائلا: "لا أعرف كيف أتعاون مع العالم الخارجي لمنعهم من ارتكاب الشرور، ولإتاحة العيش للشعب باستقلالية في هذا البلد". وأضاف: "سنواصل طريقنا الخاص؛ سيكون لدينا تخصيب". وقد تم بالفعل بناء موقع ثالث لتخصيب اليورانيوم، أعلنت عنه إيران كإجراء مضاد لتصويت الوكالة.

تحيز ضد إيران

يرى الكاتب الإيرلندي ديلان إيفانز، أن بزشكيان له كل الحق في الغضب. لا يمكن اعتبار الوكالة الدولية للطاقة الذرية هيئة محايدة. بل العكس تمامًا؛ فهي تخضع لتأثير كبير من القوى الغربية، خاصة الولايات المتحدة، التي تُوفّر جزءًا كبيرًا من تمويلها وتمارس نفوذًا دبلوماسيًا كبيرًا على قراراتها. إنها معادية بشدة لإيران، وتُردد غالبًا الروايات الأمنية الغربية، وخاصةً روايات أميركا و"إسرائيل"، اللتين تنظران إلى برنامج إيران النووي بريبة من دون مبرر. 

هذا هو القرار الرئيسي الخامس للوكالة الدولية خلال خمس سنوات، ويستهدف إيران تحديدًا. في حزيران/يونيو 2020، وبّخ مجلس محافظي الوكالة إيران رسميًا بشأن المواقع غير المعلنة ومسائل التعاون. في حزيران/يونيو 2022، طالب قرارٌ بمنع إيران من تقديم تفسيراتٍ بشأن جزيئات اليورانيوم في ثلاثة مواقع غير مُعلنة. وفي تشرين الثاني/ نوفمبر2022، أعاد قرارٌ لاحق تأكيد الضغط بشأن مسائل عالقة تتعلق بالضمانات. وفي 2024، حزيران/يونيو طالب مجلس المحافظين مجددًا بتوضيحٍ بشأن آثار يورانيوم. تُظهر هذه القرارات هوسًا مُستمرًا بأنشطة إيران السابقة (أعمال تسلح مزعوم قبل 2003) أكثر من امتثالها الحالي.

يقارن إيفانز هذا بمعاملة الوكالة لـ"إسرائيل" خلال العقدين الماضيين، لم تُصدر الوكالة أي قرار بشأن البرنامج النووي الإسرائيلي. وبعكس إيران، "إسرائيل" ليست دولة مُوقّعة على معاهدة حظر الانتشار النووي، ولا تزال منشآتها النووية، مثل مفاعل ديمونا، خارج نطاق ضمانات الوكالة وإشرافها تمامًا.

في عام 2018، زوّدت "إسرائيل" الوكالة الدولية للطاقة الذرية بمواد "أرشيف نووي إيراني" مزعوم، ما دفع إلى تجديد عمليات التفتيش وطرح أسئلة حول الأنشطة غير المُعلنة. وعندما تعتمد الوكالة على أدلة تقدمها "إسرائيل" – وهي ليست طرفًا في معاهدة حظر الانتشار النووي، ولا تملك أسلحة نووية – لاستهداف إيران، فإنها تُضحي بوضوح بادعاء الحياد.

أشارت برقيات نشرها موقع ويكيليكس عام 2010 إلى أن يوكيا أمانو، الذي شغل منصب المدير العام للوكالة من عام 2009 إلى عام 2019، كان على وفاق وثيق مع الموقف الأميركي تجاه إيران. ووصفت إحدى برقيات الخارجية الأميركية أمانو بـ"مؤيد قوي للولايات المتحدة" في قضايا رئيسية. وثمة مزاعم موثوقة بأن معلومات إيرانية حساسة جمعتها الوكالة قد تم تبادلها – بشكل مباشر أو غير مباشر – مع أجهزة استخبارات غربية كوكالة الاستخبارات المركزية والموساد الإسرائيلي. وسرعان ما تجد تقارير الوكالة التفصيلية، المُفترض أنها سرية، طريقها إلى وسائل إعلام غربية وإسرائيلية، ما يُشير بقوة إلى وجود تنسيق.

بحسب إيفانز، يكفي إلقاء نظرة على خريطة الدول التي صوتت في آخر قرار للوكالة لرصد هذا التوجه. وقد قُدّم القرار من قِبل الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا وألمانيا، وتمت الموافقة عليه، بأغلبية 19 صوتًا من أصل 35 دولة في مجلس محافظي الوكالة. صوتت ثلاث دول ضد القرار (روسيا والصين وبوركينا فاسو)، وامتنعت 11 دولة عن التصويت، ولم تصوت دولتان.

الإنفاذ الانتقائي

تميل الدول الغربية إلى تهميش الوكالة عندما لا تُردد صدى الدعاية الغربية. في الفترة التي سبقت غزو العراق عام 2003، روجت الولايات المتحدة وبريطانيا بشراسة معلومات مضللة حول أسلحة الدمار الشامل، رغم نتائج واضحة لدى الوكالة تُفيد بعدم امتلاك العراق لبرنامج تسلح نووي نشط. تجاهلت الحكومتان سلطة الوكالة وقوّضتها، باستخدام نفوذهما السياسي والدبلوماسي والإعلامي لتهميش التقييمات الفنية للوكالة. استمر الغزو بغض النظر عن تقارير الوكالة.

بموجب معاهدة حظر الانتشار النووي، إيران مُلزمة قانونًا بعدم تطوير أسلحة نووية والسماح للوكالة بعمليات تفتيش لمنشآتها النووية. كما وقّعت إيران اتفاقية الضمانات الشاملة مع الوكالة. وبموجب خطة العمل الشاملة المشتركة (2015)، قبلت إيران عمليات تفتيش البروتوكول الإضافي، ما سمح بمراقبة أشمل. والنتيجة التراكمية لجميع هذه الاتفاقيات أن برنامج إيران النووي أصبح من أكثر البرامج خضوعًا للمراقبة المكثفة عالميًا، حيث تُجرى مئات عمليات التفتيش سنويًا في منشآتها.

في المقابل، لم تُوقّع "إسرائيل" قط على معاهدة حظر الانتشار النووي. ولديها برنامج تسلح نووي متطور وسري (يُقرّ بوجوده جميع الخبراء الدوليين تقريبًا) من دون أي عمليات تفتيش دولية لمنشآتها الرئيسية، ولا سيما مفاعل ديمونا. وتُحافظ "إسرائيل" على سياسة "الغموض النووي" (فلا تُؤكد ولا تُنكر تسلحها نوويًا). ونتيجةً لذلك، تعمل ترسانة "إسرائيل" النووية بالكامل خارج نظام ضمانات الوكالة.

خضعت إيران لقرارات متعددة من مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، وعقوبات، وعزلة دبلوماسية بسبب برنامجها النووي، حتى من دون ظهور دليل قاطع على برنامج تسلح نووي.

وطُلب منها الامتثال لأنظمة تحقق شاملة تتجاوز كثيرًا متطلبات معاهدة حظر الانتشار النووي ذاتها. في المقابل، لا تواجه "إسرائيل" ضغوطًا دولية أو قرارات أممية تطالبها بالانضمام إلى معاهدة حظر الانتشار النووي أو فتح منشآتها أمام التفتيش. 

تعرقل الولايات المتحدة أو تعارض أي تحركات للوكالة أو الأمم المتحدة لتوجيه اللوم رسميًا لـ"إسرائيل" أو الضغط عليها بشأن وضعها النووي. ورغم بلاغات موثوقة من مُبلغين عن انتهاكات (مثل إفصاحات مردخاي فعنونو عن برنامج "إسرائيل" للتسلح النووي في ثمانينات القرن الماضي)، لم تُجرِ الوكالة أي تحقيق رسمي مع "إسرائيل".

ويلفت إيفانز إلى مفارقة نووية ساخرة: بما أن "إسرائيل" لم توقع على معاهدة حظر الانتشار النووي، فإنها تقنيًا لا تنتهك أي التزامات بموجب المعاهدة. ومع ذلك، فهي تمتلك أسلحة نووية، ما "يُقوّض" جوهر نظام حظر الانتشار النووي. لا تُجري الوكالة الدولية للطاقة الذرية تحقيقات رسمية مع الدول غير الموقعة على معاهدة حظر الانتشار النووي أو تُعاقبها، ما يُشكّل ثغرة قانونية صارخة.

تُصوَّر إيران مرارًا وتكرارًا أنها تهديد مُحتمل للأمن الإقليمي، وخاصةً من قِبَل الولايات المتحدة و"إسرائيل" وبعض دول الخليج. وتتعرض البلاد لضغوط مُستمرة لقبول بروتوكولات تحقق أشد، وتُقيّد سيادتها، وكل ذلك باسم منع الانتشار.

في حين يعتبر حلفاء "إسرائيل"، خاصةً الولايات المتحدة، أنها ضرورة استراتيجية للاستقرار الإقليمي، ما يمنحها إعفاءً فعليًا من التدقيق. ويتم تجاهل ترسانتها النووية غير المُعلنة في مناقشات السياسة الغربية، رغم خطر الانتشار النووي الذي تُمثله (ما يُحفّز الخصوم الإقليميين لتحقيق التكافؤ).

ازدواجية المعايير

يسمي إيفانز نظام حظر الانتشار النووي هذا "أبارتهايد نووي". فلماذا تُعاقب دولة مُوقّعة تلتزم بعمليات التفتيش بصرامة أكبر من دولة غير مُوقّعة تُصنّع أسلحة نووية سرًا؟ هذه الازدواجية الصارخة في المعايير تُقوّض شرعية نظام منع الانتشار بأكمله.

إن معاملة الوكالة الدولية للطاقة الذرية لإيران ليست تطبيقًا محايدًا للقانون الدولي؛ بل هي تحويل المؤسسات الدولية إلى أسلحة تخدم مصالح الغرب الاستراتيجية ومشروعه الإمبريالي. 

الرسالة للعالم واضحة: إذا كنت صديقًا للولايات المتحدة، يمكنك صنع أسلحة نووية سرًا من دون عقاب؛ وإذا كنت خصمًا، فسيُعامل حتى الاستخدام السلمي للتكنولوجيا النووية كجريمة. هذا ليس حظر انتشار، بل إكراه مُقنّع بزيّ القانون. وحتى تخضع ترسانة "إسرائيل" للتدقيق نفسه الذي يخضع له برنامج إيران السلمي، ستبقى الوكالة الدولية للطاقة الذرية منفذًا لنظام أبارتهايد نووي عنصري لا حارسًا للأمن العالمي.