هدنة غزة بين التمديد المشروط والتصعيد المحتمل: سيناريوهات المرحلة المقبلة

يُطرح حالياً مقترح يقوم على تمديد الهدنة في غزة لمدة 50 يوماً مقابل إطلاق سراح نصف الأسرى الأحياء والأموات في اليوم الأول، مع بدء التفاوض ببن الطرفين، لكن من دون أيّ التزام إسرائيلي صريح بوقف الحرب.

0:00
  • المرحلة المقبلة في غزة تتطلّب تفكيراً استراتيجياً بعيداً عن ردود الفعل العاطفية.
    المرحلة المقبلة في غزة تتطلّب تفكيراً استراتيجياً بعيداً عن ردود الفعل العاطفية.

مع انتهاء المرحلة الأولى من الصفقة، يسود القلق في غزة والمنطقة، وسط عدم ذهاب "إسرائيل" للتفاوض على المرحلة الثانية، بل إعلانها العلني عن تنصّلها من الاتفاق برمّته. السيناريوهات المطروحة تتراوح بين تمديد الهدنة، أو استئناف الحرب، أو الدخول في جولة قتال سريعة. ومن ثم العودة لمسار التهدئة مجدداً. في ظلّ هذه التعقيدات، يبدو أنّ الخيارات محدودة، لكنّ المطلوب هو التفكير بواقعيّة بعيداً عن المبالغات وردود الفعل العاطفية.

السيناريوهات المحتملة

1. تمديد الهدنة وفق صيغة جديدة من دون التزام بوقف الحرب

يُطرح حالياً مقترح قدّمه مبعوث الرئيس الأميركي، ستيف وتكوف، يقوم على تمديد الهدنة لمدة 50 يوماً مقابل إطلاق سراح نصف الأسرى الأحياء والأموات في اليوم الأول، مع بدء التفاوض ببن الطرفين، لكن من دون أيّ التزام إسرائيلي صريح بوقف الحرب.

هذا السيناريو يحمل مزايا ومخاطر في آنٍ واحد:

من جهة، يمكن أن يوفّر وقتاً إضافياً لتخفيف الأزمة الإنسانية في غزة، وإدخال مزيد من المساعدات والإمدادات الأساسية.

كما أنّ إطلاق عدد كبير من الأسرى دفعة واحدة قد يشكّل ضغطاً سياسياً داخلياً على حكومة الاحتلال.

لكن في المقابل، غياب أيّ التزام إسرائيلي بوقف الحرب يعني أنّ الاحتلال يريد سحب ورقة الأسرى من يد حركة حماس والمقاومة، مع عدم حلّ جذر القضية وهو وقف الحرب وإعادة إعمار غزة.  

كذلك، فإنّ استمرار الغموض حول النيّات الإسرائيلية قد يضع المقاومة في مأزق، إذ إنها ستكون عالقة بين القبول باتفاق غير مضمون، أو رفضه وتحمّل مسؤولية انهيار التهدئة.

2. استئناف الحرب لممارسة الضغط العسكري على المقاومة

قد تلجأ "إسرائيل" إلى التصعيد العسكري مجدّداً بهدف فرض مزيد من الضغط على حماس، في محاولة لإجبارها على تقديم تنازلات أكبر في أيّ مفاوضات مستقبلية، بمعنى العودة للمقاربة الإسرائيلية السابقة، أي المزيد من الضغط العسكري ما يساعد في جعل حماس أكثر مرونة في ملف الأسرى، لكن هذا الخيار يواجه عدة عراقيل:

الضغط الشعبي داخل "إسرائيل"، خاصة من عائلات الأسرى الإسرائيليين الذين لا يزالون في غزة، ولا سيما أنّ التجربة خلال 15 شهراً من الحرب أثبتت فشل مقاربة الضغط العسكري.

عدم وجود ضمانات بأنّ جولة القتال الجديدة ستؤدّي إلى تحقيق أهداف "إسرائيل" العسكرية.

3. جولة قتال سريعة ومكثّفة مع حصار مكثّف ومنع إدخال المساعدات الإنسانية

قد تحاول "إسرائيل" تنفيذ عمليات عسكرية مكثّفة تستهدف ما تبقّى من البنية العسكرية للمقاومة، على أمل تحقيق إنجازات سريعة من دون التورّط في حرب طويلة. لكن هذا السيناريو أيضاً محفوف بالمخاطر:

لا توجد ضمانات على أنّ المقاومة لن تردّ بقوّة، مما قد يؤدّي إلى تصعيد واسع النطاق.

من السهل أن تتحوّل هذه العمليات إلى مواجهة طويلة الأمد، خاصة إذا لم تحقّق أهدافها خلال الأيام الأولى.

قد تؤدّي إلى تعقيد المفاوضات وإغلاق أيّ فرص لعودة الأسرى  الإسرائيليين أحياء. 

في ظلّ هذه السيناريوهات، لا يمكن الاعتماد فلسطينياً فقط على ورقة الأسرى وإرادة المقاومة، بل يجب تبنّي خطاب سياسي وإعلامي أكثر شمولية، من أجل إرسال مجموعة من الرسائل للعرب والمجتمع الدولي، يزيد من هامش المناورة الفلسطينية في ظلّ الانحياز الأميركي الواضح لـ "إسرائيل. أهم مرتكزات الخطاب السياسي، هي:

1. تأكيد حجم الكارثة الإنسانية في غزة

غزة تعرّضت خلال أكثر من عام لموجة غير مسبوقة من التدمير، والخسائر البشرية والمادية تجاوزت حدود الكارثة، وأيّ حلّ لا يأخذ في الاعتبار وقف الحرب، و إعادة إعمار غزة وإغاثة سكانها لن يكون حلّاً حقيقيّاً.

2. التعامل بواقعيّة مع وضع المقاومة

لا شكّ أنّ المقاومة ما زالت تمتلك إرادة القتال، إلا أنها تعرّضت لضربات موجعة، وخسرت جزءاً كبيراً من قياداتها وبنيتها العسكرية، الاعتراف بهذا الواقع ضروري لإعادة ترتيب الأولويات، وعدم تقديم صورة غير واقعية عن الوضع الميداني، وهنا من المهمّ الموازنة بين الرسائل الداخلية الهادفة لرفع معنويات الجبهة الداخلية الفلسطينية، وبين رسالة مظلوميّة الشعب الفلسطيني في مواجهة "إسرائيل" المدعومة بأكبر قوة عسكرية في العالم، الولايات المتحدة الأميركية .

3. إيصال رسالة أنّ حماس ليست متمسّكة بالحكم

يجب التأكيد أنّ الأولوية ليست بقاء حماس في السلطة، بل وقف الحرب وإنقاذ غزة. وحماس مستعدّة لتسليم إدارة غزة لأيّ جهة فلسطينية أو عربية، شريطة أن يؤدّي ذلك إلى وقف الحرب و إعادة الإعمار وتحسين الأوضاع الإنسانية.

4. استثمار ملف الأسرى بذكاء

يجب التركيز على الضغط الشعبي داخل "إسرائيل" لدفع حكومتها نحو حلول سياسية لقضية الأسرى لدى المقاومة حتى ولو كان الثمن وقف الحرب.

إبراز المعاملة الجيّدة للأسرى الإسرائيليين كدليل على أنّ المقاومة الفلسطينية ليست منظّمات إرهابية، بل طرف سياسي وعسكري مسؤول عن قضية شعب مظلوم تحت الاحتلال. 

5. إيصال رسالة واضحة بأنّ غزة غير قادرة على الاستمرار في وضعها الحالي

الحكومة الحالية في غزة لا تمتلك الإمكانيات لإعادة الإعمار أو حتى توفير الحد الأدنى من مقوّمات الحياة.

استمرار الوضع كما هو سيؤدّي إلى كارثة إنسانية قد تمتدّ آثارها إلى الإقليم بأكمله.

ما المطلوب الآن؟

أولاً، دراسة مقترح التهدئة بحذر شديد، بحيث لا يتحوّل إلى فرصة لـ "إسرائيل" لاستئناف الحرب مجدداً. بدعم وشرعية الرئيس الأميركي دونالد ترامب، وهذا يتطلّب تحرّكاً دبلوماسياً سريعاً لفتح قنوات مع الأطراف العربية على ضوء انعقاد القمة العربية في القاهرة، والحديث عن خطة مصرية لإعادة إعمار غزة من دون تهجير أهلها، بهدف وضع إطار سياسي واضح لمستقبل غزة بعيداً عن المخططات الصهيونية.

ثانياً، إعادة تقييم الخطاب الإعلامي بحيث يكون مركّزاً على المطالب الأساسية، بعيداً عن المبالغات أو التبريرات غير الواقعية.

ثالثاً، توحيد الموقف الفلسطيني، لأنّ استمرار الانقسام قد يضعف أيّ جهود تفاوضية مستقبلية.

بالخلاصة، المرحلة المقبلة تتطلّب تفكيراً استراتيجياً بعيداً عن ردود الفعل العاطفية.

قبول أيّ مقترح للتهدئة يجب أن يكون مشروطاً بضمانات واضحة، حتى لا يتمّ استغلاله لصالح الاحتلال. في النهاية، المطلوب ليس فقط وقف الحرب، بل ضمان مستقبل أفضل لغزة وأهلها، من دون الوقوع في فخّ المخطّطات الإسرائيلية لليوم التالي في غزة والمنطقة.