هل تحققت أهداف "إسرائيل" في الحرب على غزة؟
القدرة على تحويل التهديدات التي تحتويها الخطة الأميركية التي قد تتحول إلى قرار أممي من مجلس الأمن الدولي، إلى فرصٍ ممكنٌ، إذا ما توافرت إرادة لتحقيق الحد الأدنى من الحقوق الفلسطينية.
-
أدّت الحرب في غزة إلى إدراك العالم أهمية إيجاد حل للصراع الإسرائيلي الفلسطيني.
بعد الهجوم الفلسطيني المباغت في السابع من تشرين الأول/ أكتوبر 2023، والفشل الإسرائيلي الذريع في إجهاض الهجوم قبل وقوعه، أجمعت المستويات العسكرية والأمنية والسياسية الإسرائيلية كافة على نتيجة واحدة، سقوط المرتكزات التي بُنيت عليها العقيدة العسكرية الإسرائيلية، وأبرزها نظريات الردع والإنذار المبكر والدفاع، ما دفعها إلى تغيير الاتجاه، والتوجه نحو هدف واحد هو الحسم، الذي يجب أن يؤدي إلى القضاء على التهديدات لا إلى ردعها فقط، بمعنى بسيط في نظر "إسرائيل " ما بعد السابع من أكتوبر/تشرين الأول، أن الحاجة للردع تتلاشى إذا أصبح المستهدف بالردع غير موجود (حكومة اليمين المتطرف مفهومها للحسم هو إنهاء الوجود الفلسطيني عبر التهجير والإبادة والاستيطان)، أو على الأقل لا يملك القوة التي تمكّنه من تهديد "إسرائيل" (المستويان العسكري والأمني يركزان على هدف نزع السلاح وعدم مشاركة المقاومة في إدارة قطاع غزة).
لم يعد خافياً على الأطراف كافة بمن فيهم الوسطاء والمجتمع الدولي وحتى الطرف الأميركي، بأن الحكومة الإسرائيلية بقيادة بنيامين نتنياهو ووزراء اليمين الفاشي وجهات وازنة داخل حزب الليكود الحاكم، كانت تسعى إلى تأبيد الحرب على غزة، بما يؤدي إلى تدمير شامل ومنهجي للقطاع، ودفع المواطنين فيها إلى الهجرة قسراً، ومن ثم إحلال الاستيطان والمستوطنين في قطاع غزة، بصرف النظر عن نتائج وانعكاسات هذا المسار الجهنمي، من تهديد لحياة الأسرى، أو مقتل عشرات الجنود الإسرائيليين، أو توسع حجم الإبادة الجماعية للفلسطينيين، وما إلى ذلك من تداعيات على تعميق العزلة الدولية لـ "إسرائيل" وتحويلها إلى دولة مارقة ومنبوذة.
إن استمرار الحرب والحرص على تحقيق أهداف اليمين الفاشي، وتخطي كل الخطوط الحمر، حتى في نظر أصدقاء وحلفاء "إسرائيل"، مثل الهجوم العسكري على قطر، دقت ناقوس الخطر، وبات مختلف الأطراف يخشون أن يتسبب الجنون الإسرائيلي في إشعال المنطقة بل والعالم، الأمر الذي دفع الطرف الأميركي ومن خلفه المجتمع الدولي وبدعم عربي وإسلامي وإقليمي، إلى فرض وقف الحرب وتبادل الأسرى أولاً، وبسرعة، في إطار محددات تراعي المخاوف الإسرائيلية الرئيسية، ولا سيما ألا يصبح قطاع غزة قادراً على تهديد "إسرائيل"، كما يطمئن الأطراف العرب والفلسطينيون والإسلاميون بإبقاء الفلسطينيين على أرضهم وعدم التهجير أو الضم.
ما لا يمكن إنكاره أن الحقيقة الأهم في "إسرائيل" والعالم في الشهر الأخير هي أن الحرب على غزة توقفت بشكلها الواسع والإبادي، تحت ضغط أميركي قوي، على الأطراف كافة ومنها الإسرائيلي، وعلى الرغم من التنازلات الفلسطينية، إلا أن القرار الفلسطيني الصعب بالمضي قدماً والموافقة المقتضبة على المرحلة الأولى من خطة الرئيس الأميركي دونالد ترامب، أدت إلى إجهاض أحلام اليمين الإسرائيلي الفاشي بالطرد الجماعي للفلسطينيين من غزة إلى دول أُخرى، فضلاً عن استمرار وتوسع حرب الإبادة الجماعية، ولا سيما بعد البدء باحتلال وتدمير مدينة غزة.
على الرغم من المآخذ التي لا تخطئها العين على الخطة الأمبركية، بيد أنها، لم تلبِّ مرامي وطموحات اليمين الإسرائيلي المتطرف، فإضافة إلى عرقلة مسار الإبادة والتهجير والضم والاستيطان في غزة، لم يبتلع الائتلاف الحكومي الإسرائيلي حديث الخطة عن أفق سياسي يربط بين غزة والضفة في المستقبل، والاعتراف بالطموح الفلسطيني في إقامة الدولة الفلسطينية، الأمر الذي يعتبر خطاً أحمر لدى اليمين الإسرائيلي المتطرف.
إن الوضع الراهن لا يتماشى مع خطط وأهداف اليمين المتطرف والتي أفضل مَن يعبّر عنها الوزير الإسرائيلي بتسلئيل سموتريتش، وأساسها طرد الفلسطينيين من قطاع غزة، ولاحقاً من الضفة الغربية، وضم الأراضي الفلسطينية إلى "إسرائيل" وزرعها بالمستوطنات.
في المقابل، تتشكل إرادة دولية تُبقي الفلسطينيين على أرضهم، وتمنع تهجيرهم، وأن يعود قطاع غزة والضفة الغربية ليشكلا كياناً سياسياً واحداً، وهو ما عكسه التسونامي السياسي الدولي الذي تُوّج باعترافات دولية وازنة بالدولة الفلسطينية.
لقد أدّت الحرب الطويلة والدمار الواسع في قطاع غزة إلى إدراك العالم أهمية إيجاد حل سياسي للصراع الإسرائيلي الفلسطيني، ويُضاف إلى ذلك ازدياد الإرهاب اليومي الذي يمارسه المستوطنون والجنود الإسرائيليون ضد الفلسطينيين في الضفة الغربية.
هذا الواقع الذي بات يحاصر "إسرائيل " من مختلف الاتجاهات، دفع الرئيس ترمب إلى فرض خطته، بصرف النظر عن أجندة نتنياهو وحكومته، وأحد أهدافه إنقاذ "إسرائيل" من نفسها بعد أن فقدت البوصلة وأصابها العمى السياسي والاستراتيجي.
إن القدرة على تحويل التهديدات التي تحتويها الخطة الأميركية التي قد تتحول إلى قرار أممي من مجلس الأمن الدولي، إلى فرصٍ، ممكنٌ، إذا ما توافرت إرادة عربية وإسلامية لتحقيق الحد الأدنى من الحقوق الفلسطينية، وكما أسهمت تلك الإرادة في منع سيناريو التهجير، فإنها قادرة على دفع المجتمع الدولي وحتى الطرف الأميركي إلى الإقرار بالحقوق الشرعية الفلسطينية، لا من أجل عيون الفلسطينيين والعرب، بل من أجل استقرار المنطقة وحفظ السلام والأمن الدوليين، ولدى الأطراف العرب والإسلاميين الأوراق والأدوات الكافية لتحقيق إرادتهم إن توافرت، بعد أن اتضح للعالم أن لا سلام ولا أمن ولا تطبيع من دون إنصاف الشعب الفلسطيني والإقرار بحقوقه المشروعة.