هل من تأثير إقليمي في انتخابات 2025 في إقليم كردستان؟

يتمتع إقليم كردستان العراق بعلاقات معقّدة ومتناقضة في كثير من الأحيان مع إيران وتركيا و"إسرائيل"، حيث يوازن بين احتياجاته الاقتصادية والأمنية واستقلاله السياسي ومصالح الحكومة المركزية العراقية.

  • التحالفات الانتخابية في انتخابات 2025.
    التحالفات الانتخابية في انتخابات 2025.

تمّ الاعتراف رسمياً بالكرد كجنسية متميّزة تتمتّع بحقوق وحماية واسعة داخل النظام الاتحادي العراقي بموجب الدستور العراقي لعام 2005، لكن بقيت الخلافات حول تطبيق الدستور، فيما يتعلّق بالأراضي والشؤون المالية والأمن، مما خلق توترات سياسية غالباً ما تلقي بظلالها على وضع المنطقة المعترف به قانوناً.

يعترف الدستور رسمياً بإقليم كردستان ومؤسساته، بما في ذلك حكومة إقليم كردستان، كما كان موجوداً في عام 1992. وهذا يمنح المنطقة حكماً ذاتياً كبيراً. أسس الوضع الكردي نظاماً فيدرالياً غير متكافئ، يوصف بأنه "اتحاد حرّ" لمكوّناته وشعوبه، مما يشير إلى أنّ الكرد انضمّوا طوعاً إلى الدولة الفيدرالية.

تتمتّع حكومة إقليم كردستان بسلطاتها التنفيذية والتشريعية والقضائية الخاصة بها وتُعتبر كلّ من العربية والكردية لغتين رسميتين للعراق. يسمح دستورياً لحكومة إقليم كردستان بأن يكون لها قوات أمن داخلي خاصة بها، بما في ذلك البيشمركة. وينصّ الدستور على أنّ حكومة إقليم كردستان لها الحقّ في الحصول على حصة عادلة من الإيرادات الوطنية.

لكن لا تزال الخلافات الحاسمة مع الحكومة الفيدرالية من دون حلّ، ولا سيما فيما يخصّ المادة 140 وهي عملية من ثلاث خطوات – التطبيع، والتعداد السكاني، والاستفتاء – لتحديد وضع المناطق الغنية بالنفط والمختلطة عرقياً، بما في ذلك كركوك، ولم تنفّذ العملية تنفيذاً كاملاً قط، مما ترك وضع هذه المناطق مصدراً مستمراً ومتقلّباً للصراع. حيث ولّدت الخلافات حول السيطرة على موارد النفط والغاز نزاعات طويلة الأمد وكبيرة.

مرّرت حكومة إقليم كردستان قانونها الخاص ووقّعت العقود مع الشركات الدولية. في شباط/فبراير 2022، لكن قضت المحكمة الاتحادية العليا العراقية بعدم دستورية قانون النفط والغاز لعام 2007 في حكومة إقليم كردستان. وعلى الرغم من أنّ الدستور ينصّ على تقاسم الإيرادات بشكل عادل، لا يزال هناك اختلاف جوهري في التفسير، حيث تسعى بغداد في كثير من الأحيان إلى مركزية السلطة، في حين تشدّد "حكومة إقليم كردستان" على الهيكل الاتحادي واستقلالها الذاتي المكفول دستورياً.

الأحزاب السياسية والانتخابات

الأحزاب السياسية الرئيسية في إقليم كردستان العراق هي الحزب الديمقراطي الكردستاني، الذي يهيمن بشكل أساسي في الأجزاء الشمالية والغربية من إقليم كردستان العراق، بما في ذلك أربيل ودهوك، أهدافه مبنية على أيديولوجية قومية تعطي الأولوية لتقرير المصير الكردي والحقوق السياسية للكرد في إطار ديمقراطي، دعا تاريخياً إلى زيادة الحكم الذاتي داخل العراق واستكشف إمكانية الانفصال السلمي عن بغداد من دون نجاح.

أولويته هي للعلاقات الاقتصادية والسياسية القوية مع تركيا، مما أدى إلى توتر علاقته مع الجماعات الكردية الأخرى، مثل حزب العمال الكردستاني، وهو أقام علاقات قوية مع دول غربية مثل الولايات المتحدة، والتي قدّمت  الدعم العسكري والتدريب لقوات البيشمركة.

أما الحزب الديمقراطي الوطني فهو يسيطر بشكل أساسي في الأجزاء الجنوبية والشرقية من إقليم كردستان العراق، ولا سيما السليمانية. يعرف بأنه حزب اجتماعي ديمقراطي علماني، ويستمدّ الكثير من دعمه من الطبقات الحضرية والمثقّفة في إقليم كردستان العراق.

يدعم الحقّ في تقرير المصير الكردي، حافظ على علاقات أوثق مع إيران مقارنة بالحزب الديمقراطي الكردستاني، ويرجع ذلك جزئياً إلى القرب الجغرافي والاعتبارات الاستراتيجية. يتمتع بعلاقة أكثر تعقيداً وأحياناً أكثر تعاوناً مع حزب العمال الكردستاني مقارنة بالحزب الديمقراطي الكردستاني، على الرغم من أنّ علاقتهما لا تخلو من التوتر.

حزب الجيل الجديد اكتسب دعماً بين جيل جديد من الناخبين ركّز على مكافحة الفساد وتحدّي قبضة الحزب الديمقراطي الكردستاني/الاتحاد الوطني الكردستاني التقليدية على السلطة. يدعو إلى مزيد من التحرير الاقتصادي والشفافية. يركّز على القضايا الاجتماعية.

لا تعتبر الأحزاب الإسلامية في كردستان العراق قوى مهيمنة، لكنها تتمتع بحضور كبير كجزء من المعارضة ويمكنها التأثير على السياسة من خلال التحالفات. بدلاً من ذلك، يهيمن على المشهد السياسي إلى حدّ كبير الحزبان العلمانيان الرئيسيان، الحزب الديمقراطي الكردستاني والاتحاد الوطني الكردستاني.

الاتحاد الإسلامي الكردستاني حصل على سبعة مقاعد في برلمان 2024 المكوّن من 100 مقعد. كانت لديه تاريخياً قاعدة دعم قوية، لكن ليس بقوة الحزب الديمقراطي الكردستاني نفسه،  بعد انتخابات عام 2024، انضمّ إلى المعارضة.

أما أعضاء مجموعة العدالة الكردستانية فحصلوا على ثلاثة مقاعد في انتخابات 2024، وهو انخفاض عن مكانتهم السابقة.  ويعملون كقوى معارضة، ويتحالفون مع جماعات معارضة أخرى، مثل حركة الجيل الجديد. لقد استغلّوا مقاعدهم البرلمانية لتحدّي الأحزاب الحاكمة والدعوة إلى إصلاحات اقتصادية واجتماعية.

غالباً ما يلقي الجمود السياسي المستمر والتوترات المتعلّقة بتقاسم السلطة بين الحزب الديمقراطي الكردستاني والاتحاد الوطني الكردستاني بظلاله على نفوذ الأحزاب الصغيرة. وفي حين أنّ هذا التنافس يمكن أن يخلق فرصاً لكتل المعارضة، إلا أنه يمكن أن يؤدّي أيضاً إلى عدم الاستقرار الذي يهمّش دورها. 

التحالفات الانتخابية في انتخابات 2025

في حين لا يوجد تحالف كبير واحد للانتخابات الفيدرالية العراقية لعام 2025، فإنّ المشهد السياسي في كردستان العراق يتسم بالمنافسة الشديدة والشراكة المتوترة بين الحزبين المهيمنين، الحزب الديمقراطي الكردستاني والاتحاد الوطني الكردستاني.

 تركّز الأحزاب الكردية الرئيسية في المقام الأول على التفاوض مع بغداد حول حصص الميزانية والحكم الذاتي الإقليمي على موارد الطاقة. تشمل أبرز القوائم الانتخابية الكردية للانتخابات البرلمانية العراقية في تشرين الثاني/نوفمبر 2025 الحزب الديمقراطي الكردستاني بقيادة مسعود بارزاني.

الاتحاد الوطني الكردستاني بقيادة بافل طالباني، حركة الجيل الجديد بقيادة شاسوار عبد الواحد، تعمل تاريخياً على برنامج مناهض للمؤسسة الحاكمة، الجماعة الإسلامية الكردستانية. والاتحاد الإسلامي الكردستاني يشاركان بقوة فما هي العوامل المؤثّرة على التحالفات؟

إنّ تشكيل التحالفات عملية معقّدة وتتأثّر بالديناميكيات الإقليمية وتؤدّي الخلافات المستمرة بين الحزب الديمقراطي الكردستاني والاتحاد الوطني الكردستاني إلى تعقيد تشكيل جبهة موحّدة. تؤثّر هذه الانقسامات على مواقفهم التفاوضية مع الحكومة الاتحادية في بغداد.

لا تزال المفاوضات مع بغداد حول الميزانية الاتحادية وحصة إقليم كردستان من عائدات النفط قضية مركزية لجميع الأحزاب الكردية ومحرّكاً رئيسياً للاستراتيجية السياسية. إنّ صعود حركات المعارضة القوية، مثل حركة الجيل الجديد، يمنع الحزب الديمقراطي الكردستاني والاتحاد الوطني الكردستاني من تشكيل أغلبية بسيطة من حزبين، مما يدفعهما إلى البحث عن شركاء في الائتلاف بين الفصائل الأصغر.

ستؤثّر التحالفات والمنافسات التي تشكّلت داخل إقليم كردستان في الانتخابات 2024 أيضاً على الموقف  التفاوضي الكردي في الانتخابات البرلمانية العراقية في تشرين الثاني/نوفمبر 2025. 

ما هو تأثير القوى الإقليمية على الانتخابات؟

يتمتع إقليم كردستان العراق بعلاقات معقّدة ومتناقضة في كثير من الأحيان مع إيران وتركيا والولايات المتحدة  و"إسرائيل"، حيث يوازن بين احتياجاته الاقتصادية والأمنية واستقلاله السياسي ومصالح الحكومة المركزية العراقية.

يتأثّر إقليم كردستان العراق بشكل كبير بجيرانه الأقوياء - بما في ذلك إيران وتركيا والعراق - حيث يتماشى الحزب الديمقراطي الكردستاني والاتحاد الوطني الكردستاني مع لاعبين إقليميين مختلفين على أساس الروابط التاريخية والمصالح الاستراتيجية.

وتمارس كلّ من تركيا وإيران نفوذاً كبيراً وطويل الأمد على المشهد السياسي والانتخابات المقبلة في إقليم كردستان العراق. إنّ مشاركتهم مدفوعة بمزيج من المخاوف الأمنية والمصالح الاقتصادية والتنافس الإقليمي، وغالباً ما يحدث من خلال الوكلاء والنفوذ الاقتصادي.

مصالح تركيا الأساسية هي الأمن والاقتصاد. يتمّ توجيه نفوذها إلى حدّ كبير من خلال علاقتها الوثيقة مع الحزب الديمقراطي الكردستاني، بقيادة عائلة بارزاني.

ضغطت تركيا على كلّ من بغداد وحكومة إقليم كردستان للتعاون في قتالها ضدّ حزب العمال الكردستاني وتهدف من خلال تعزيز علاقاتها الدبلوماسية والاقتصادية مع الحزب الديمقراطي الكردستاني إلى مواجهة القوى المتنافسة، بما في ذلك إيران. ومن الأمثلة الحديثة على ذلك قرار تركيا رفع حظر الطيران إلى السليمانية، وهي خطوة ينظر إليها على أنها تعزّز موقف الحزب الديمقراطي الكردستاني قبل الانتخابات.

أما إيران مدفوعة بهدفها الاستراتيجي المتمثّل في الحفاظ على نفوذها في العراق، في المقام الأول من خلال الاتحاد الوطني الكردستاني ومقرّه في منطقة السليمانية، هو تاريخياً أكثر تحالفاً مع إيران.

وترى إيران أنّ الوجود الاقتصادي والسياسي المتزايد لتركيا في العراق يشكّل تهديداً لها بعد تراجع نفوذها الإقليمي الشامل مما يجعل الحفاظ على موقعها في العراق أكثر أهمية.

بشكل عامّ، ستجري الانتخابات المقبلة في كردستان العراق على خلفيّة تدخّل مكثّف طويل الأمد من جيرانها الأقوياء، تركيا وإيران. تؤثّر هذه المشاركة بشكل كبير على الديناميكيات السياسية المحلية والنتيجة النهائية.