هل يشكّل عزل رئيس كوريا الجنوبية انتصاراً للصين؟

من مصلحة الصين فوز زعيم الحزب الديمقراطي "لي" الذي يمكن أن يعمد في حال فوزه إلى إقامة علاقات سليمة مع الصين، وإلى زيادة التبادل التجاري بين البلدين.

0:00
  • مل أسباب تصاعد التوتر في شبه الجزيرة الكورية؟
    مل أسباب تصاعد التوتر في شبه الجزيرة الكورية؟

لم يتوقع رئيس كوريا الجنوبية المعزول، يون سوك يول، عندما كان مدعياً عاماً وشخصية محورية في التحقيق مع رئيسة كوريا الجنوبية السابقة، بارك كون هيه، التي عُزلت عام 2017، وحُكم عليها بالسجن بتهمة الفساد وإساءة استخدام السلطة عام 2018، أنه سيلقى المصير ذاته.

فقد أيدت المحكمة الدستورية في كوريا الجنوبية، بالإجماع، يوم 4 نيسان/ ابريل الحالي، عزل رئيس كوريا الجنوبية، يون سوك يول، بسبب محاولته فرض الأحكام العرفية في كانون الأول/ ديسمبر الماضي. ويُعد "يون" الآن ثاني رئيس تعزله المحكمة الدستورية، والرئيس المنتخب الأقصر خدمة في تاريخ البلاد.

وبعد عزل "يون" ستجري الانتخابات الرئاسية المبكرة يوم 3 حزيران/ يونيو لانتخاب خلف للرئيس المعزول. ويُعتبر زعيم الحزب الديمقراطي، لي جيه ميونغ، المرشح الأوفر حظاً للفوز في الانتخابات الرئاسية، بفارق كبير على أي منافس من حزب قوة الشعب، بحسب استطلاعات الرأي التمهيدية للرئاسة.

وبغض النظر عمّن سيفور في الانتخابات، سيواجه الرئيس المنتخب تحديات داخلية وخارجية كبيرة، عبر تحقيق الاستقرار في السياسة الداخلية، ولا سيما في ظل الانقسام العميق بين اليسار واليمين، والمهمة الشاقة الأخرى المتمثلة في التعامل مع الرئيس الأميركي دونالد ترامب الذي فرض على كوريا الجنوبية رسوماً جمركية تصل نسبتها إلى 25%، فضلاً عن مطالبته سول بزيادة إنفاقها العسكري.

كما يتصاعد التوتر في شبه الجزيرة الكورية، بعد أن اتخذ الرئيس الكوري السابق يون موقفاً متشدداً تجاه كوريا الشمالية، وعقد التحالفات مع اليابان والولايات المتحدة الأميركية لمواجهة كوريا الشمالية والصين.

دفع قرار المحكمة الدستورية بعزل الرئيس يون المنتقدين إلى اتهام بكين بمحاولة إزاحته من السلطة. ولم تكن المرة الأولى التي تُتهم فيها بكين بالتدخل في الشؤون الداخلية لكوريا الجنوبية، إذ سبق أن وجّهت إليها الاتهامات.

ففي محاولته لتبرير لجوئه إلى إعلان الأحكام العرفية، أشار الرئيس المعزول إلى وجود قوى معادية للدولة في كوريا الجنوبية، وأشار إلى استخدام مواطنين صينيين طائرة من دون طيار لتصوير حاملة طائرات أميركية راسية في مدينة بوسان الساحلية، وبأن المعارضة عرقلت تعديلاً لقانون مكافحة التجسس، ما حال دون مقاضاة الرعايا الأجانب الذين يتجسسون على كوريا الجنوبية، إلى جانب زعمه أن مرافق الطاقة الشمسية الصينية ستدمّر الغابات. 

أثارت هذه الاتهامات استياء الصين التي انتقدت الرئيس يون لإلقائه اللوم عليها في الأزمة الداخلية لبلاده، وأكدت معارضتها لربط القضايا المحلية بعوامل تتعلق بها، واختلاق مزاعم لا أساس لها من الصحة حول ما يسمى بالتجسس الصيني.

وبعد عزل يون اعتبرت بكين أن هذه المسألة هي شأن داخلي لكوريا الجنوبية، وأكدت أن سياسة الصين تجاه كوريا الجنوبية تقوم على الاستمرارية والاستقرار واليقين.

على الرغم من التأكيد الصيني أن الأزمات السياسية التي شهدتها سول وعزل الرئيس يون هما شأن داخلي لكوريا الجنوبية، وهي التي تعرب دائماً عن رغبتها في تعزيز التعاون مع سول، من شأن الانتخابات الرئاسية المقبلة أن تؤثر على مستقبل العلاقات بين بكين وسول، خاصة أن هذه العلاقات شابها التوتر في عهد الرئيس المعزول يون، الذي تقرّب من الولايات المتحدة الأميركية واليابان، وحضر قمة كامب دايفيد التي جمعت الدول الثلاث، أميركا واليابان وكوريا الجنوبية عام 2023، بهدف تعميق التعاون العسكري والتدريبات المشتركة لمواجهة تهديدات الصين وكوريا الشمالية. 

كما مثلت أزمة تايوان أحد ملامح الخلاف بين بكين وسول خلال فترة الرئيس المعزول، الذي اعتبر في تصريح له عام 2023 أن قضية تايوان ليست مجرد قضية بين الصين وتايوان، وبل هي مثل قضية كوريا الشمالية، قضية عالمية. 

في حال فوز زعيم المعارضة، لي جيه ميونغ، ربما يعمد إلى التقرب من الصين وكوريا الشمالية إذ إن "لي" معروف بتبنيه موقفاً إيجابياً تجاه البلدين، ولم يكن متحمساً للتحالف بين الولايات المتحدة الأميركية وكوريا الجنوبية واليابان، وقد رفض التحالف الأمني ضد الصين، وهو يتبنى موقفاً رافضاً لتدخل بلاده في القضايا المرتبطة بالتوتر في مضيق تايوان، وعلى رأسها أزمة تايوان. 

فقد قال في حفل انتخابي العام الماضي إنه "مهما حدث في مضيق تايوان، ومهما حدث في الشؤون الداخلية للصين وتايوان، فما الذي يهمّنا؟"، وكان أكثر ما يلفت الانتباه قرار "لي" الجلوس إلى جانب سفير الصين آنذاك، شينغ هايمينغ، في السفارة الصينية في سول.

ومن المرجح أن يخفف " لي" من التوترات مع كوريا الشمالية، بل قد يعمد إلى التوسط بين كوريا الشمالية والولايات المتحدة ويسعى إلى عقد لقاء يجمع رئيسي البلدين، أسوةً بما فعل الرئيس السابق مون جاي ان. كما أن "لي" شدد في إحدى كلماته على أهمية تعزيز سول تحالفها الأمني ​​مع الولايات المتحدة والتعاون مع كل من واشنطن وطوكيو.

 وبالتالي فإن زعيم حزب المعارضة في حال فوزه، سيُبقي على التحالفات الأمنية مع الولايات المتحدة الأميركية، من دون الانخراط في أي تحالفات جديدة تستهدف الصين وكوريا الشمالية، لكنه في المقابل سيعمل على تعزيز علاقاته مع بكين، أكبر شريك تجاري لكوريا الجنوبية.

ولدى الرئيس المنتخب مهمة صعبة تتمثل بلقاء الرئيس ترامب للتفاوض على إزالة أو تخفيف الرسوم الجمركية، فضلاً عن التفاوض على القيمة التي ستتحملها سول لقاء بقاء القوات الأميركية على أراضيها وزيادة إنفاقها العسكري.

وقد يواجه الرئيس المقبل صعوبات عديدة، خاصة في حال التقارب مع الصين، إذ إن الرئيس ترامب قد يضغط على سول لأجل تخفيف علاقاتها مع بكين تحت التهديد بفرض رسوم جمركية إضافية، أو سحب القوات الأميركية من كوريا الجنوبية، أو إبعاد سول عن المفاوضات التي يمكن أن تجري مع كوريا الشمالية، على الرغم من أن زعيم الحزب الديمقراطي يدعم علاقات إيجابية مع بيونغ يانغ.

بشكل عام، من مصلحة الصين فوز زعيم الحزب الديمقراطي "لي" الذي يمكن أن يعمد في حال فوزه إلى إقامة علاقات سليمة مع الصين، وإلى زيادة التبادل التجاري بين البلدين، خاصة في ظل الرسوم الجمركية التي فرضها ترامب على الصين وكوريا الجنوبية والحرب التجارية المشتعلة بين بكين وواشنطن.

وبعد فرض ترامب رسوماً جمركية بنسبة 25% على كوريا الجنوبية، سارعت الأخيرة إلى الاتصال بالرئيس الأميركي بهدف تخفيف تلك الرسوم. ومن المرجح أن توافق كوريا الجنوبية على الاستثمار في مشروع خط أنابيب الغاز في ألاسكا، وفتح مصانع لها في الولايات المتحدة الأميركية، وشراء المزيد من الأسلحة الأميركية مقابل رفع الرسوم الجمركية.

في ظل الحرب التي يشنها ترامب على الصين، تقوم بكين بتوسيع شبكة علاقاتها مع مختلف دول العالم، ولا سيما الدول القريبة منها، بهدف فتح أسواق هذه الدول أمام المنتجات الصينية.

وما يهم بكين أيضاً من كوريا الجنوبية، هو التعاون في مجال الرقائق الإلكترونية، إذ تُعتبر سول رائدة في صناعة الرقائق المتطورة، وتعتمد عليها الصين في ظل القيود التي فرضتها واشنطن على تصدير الرقائق الإلكترونية المتطورة إلى الصين، والضغوط التي تمارسها على عدد من الدول لتخفيف تعاونها التكنولوجي مع بكين. وبالتالي فإن فوز زعيم الحزب الديمقراطي قد يتيح لبكين تعاوناً أوسع في مجال أشباه الموصلات والتكنولوجيا.