هل ينجح ترامب في الحرب على اليمن؟

عند استعراض مشهد المواجهة الأميركية- اليمنية الراهن، يمكن قراءة جملة من المعطيات التي يمكن أن تساعد الأميركي في حربه، وأخرى تحول دون ذلك، فما هي عوامل نجاح الحرب الأميركية الراهنة ضد اليمن؟

0:00
  • تواصل القوات المسلحة اليمنية برنامجها من دون التأثر بالهجمات الأميركية.
    تواصل القوات المسلحة اليمنية برنامجها من دون التأثر بالهجمات الأميركية.

أطلق الرئيس الأميركي ترامب حملة عسكرية واسعة ضد حكومة صنعاء، مدّعياً أن الهجمات اليمنية ضد السفن الحربية الأميركية بلغت 174 هجوماً، وضد السفن التجارية الأميركية 145 هجوماً، هذا غير السفن المملوكة إسرائيلياً أو غيرها من السفن الغربية التي لم تلتزم بمقاطعة الموانئ الإسرائيلية في ظل الحرب على غزة، فهل يمكن لهذه الحرب الأميركية على اليمن أن تحقق أهدافاً بخلاف ما حققته هجمات بايدن السابقة على مدار سنة ونيف؟

تناغم الإعلام الأميركي كما الصحافة الأميركية مع حرب ترامب ضد اليمن، حتى إن  صحيفة "وول ستريت جورنال" الأميركية رأت أن "محدودية الردّ على هجمات الحوثيين في عهد بايدن، تركهتم يعتقدون أنه ليس هناك ما يخشونه بدرجة كبيرة".

لذا، فإن الحرب ضد الحوثيين "ضرورية لاستعادة حرية التجارة العالمية"، منوّهة إلى أن هجمات الحوثيين على حركة الملاحة أغلقت تقريباً مسار البحر الأحمر في وجه سُفن ليست روسية أو صينية أو إيرانية، وأنّ ذلك رفع تكاليف الشحن والتأمين إلى مستويات عالية، واختتمت الصحيفة بالقول "المشجّع في الأمر، هو أن الرئيس ترامب على الأقل في هذه القضية يُظهر إيماناً بقيادة أميركا للعالم".

امتازت الهجمات الأميركية الراهنة ضد اليمن منذ بدأت، عن سابقتها في عهد بايدن، بأربعة أمور، أولها أنها تأتي من دون مشاركة بريطانية، فالبحرية البريطانية الموجودة في المنطقة اكتفت بتقديم "دعم عبر التزويد الروتيني بالوقود"، وثانيها أنها تتم بشكل أحزمة نارية وسلسلة غارات متصلة، وثالثها أنها تتعمّد إصابة المدنيين وتزعم أنها أصابت مسؤولين، ورابعها تأكيد الأميركيين أن الغارات تنفذ عبر نيران مميتة، وفي الجملة تظهر الهجمات وكأنها حرب من طراز مختلف، خاصة مع وعود ترامب بتغيير الواقع في البحر الأحمر.

واصلت القوات المسلحة اليمنية برنامجها المعلن عنه من دون تأثر بهذه الهجمات حتى الآن، فهي أعطت الإسرائيلي مهلة لإدخال المساعدات الإنسانية إلى غزة، وانتهت المهلة فتحركت لوقف الملاحة العالمية تجاه ميناء إيلات الإسرائيلي، وهو الميناء الذي سبق أن أعلن إفلاسه نتيجة نجاح الموقف اليمني الحازم طوال الحرب على غزة، وفي الوقت الذي استأنف الإسرائيلي حربه الوحشية ضد غزة، بادرت القوات المسلحة اليمنية إلى قصف قاعدة "نيفاطيم" الجوية الإسرائيلية في النقب بصاروخ باليستي، وكانت قد ردت على الهجمات الأميركية بشن عدة عمليات ضد السفن الأميركية وتردد أن إحداها خرجت من الخدمة. يبدو حتى الآن أن اليمن احتوى الهجمات الأميركية كحاله خلال السنة الماضية من دون أن تتأثر قواته المسلحة بتنفيذ قرارات السيد عبد الملك الحوثي ضد الملاحة الإسرائيلية نصرة لغزة.

عند استعراض مشهد المواجهة الأميركية- اليمنية الراهن، يمكن قراءة جملة من المعطيات التي يمكن أن تساعد الأميركي في حربه، وأخرى تحول دون ذلك، فما هي عوامل نجاح الحرب الأميركية الراهنة ضد اليمن؟

أولاً: التفوق الأميركي العسكري سواء الهجومي كما الدفاعي، مع النفوذ الأميركي السياسي والعسكري الواسع في المنطقة في البحر كما البر والجو، وهو تفوق كاسح لا مقارنة فيه بين الطرفين.

ثانياً: التأييد الإقليمي الإسرائيلي والغربي والعربي، وهو تأييد متصاعد في ظل عربدة ترامب العالمية، وهي عربدة تجاوزت الطريقة الأميركية المعتادة، إذ إنها تتسم بالإجبار وتقديم قرابين الرضا العربية، لا سيما الخليجية منها.

ثالثاً: تراجع الاهتمام الأميركي بالقيم الإنسانية بشكل صريح حد الوقاحة، في وقت حافظ فيه الأميركي بالعادة على خطاب مزدوج تجاه استهداف المدنيين، لكنه في ظل حكم ترامب لا يأبه ويعبّر عن ذلك بوضوح كامل، ويتعامل كتاجر فاجر بمنطق الغلبة والسلب والحلب من دون أدنى وازع ولو بالكلام، ما يجعل احتمال ارتكاب مجازر أميركية في اليمن وارداً وعلى نطاق واسع، وهو ما يمكن أن يمثل ضغطاً على اليمن، على الرغم من فشل ذلك في الحرب السعودية على اليمن، فإنه يبقى مستجداً في الحرب الأميركية الراهنة، ولكنه سيف ذو حدين.

رابعاً وأخيراً؛ وهو أخطرها والمتمثل بالانشقاق داخل اليمن عبر حكومة عدن المعترف بها دولياً، وهي حكومة مرتهنة لصالح السعودية والإمارات ويدعمها حزبا الإصلاح الإخواني والمؤتمر القومي، وهما من أكبر أحزاب اليمن إضافة إلى التيار السلفي المموّل إماراتياً، وهي في مجموعها تشكل تحدياً حقيقياً وتسيطر على المساحة الأوسع من اليمن بما فيها 35% من المناطق السكنية الرئيسة.

ولكن هناك عوامل مضادة وهي أعمق وأهم، ويمكنها أن تؤدي إلى فشل الحرب الأميركية ضد اليمن، وأهمها:

أولاً: الفكر الجذري لحركة أنصار الله، وهو فكر سياسي ديني يؤمن بالجهاد كعقيدة راسخة ضد "إسرائيل" وأميركا، جهاد يؤمن به الملايين ممن حافظوا على مسيرات مليونية كل جمعة، حتى تحت القصف والمطر وحر الشمس من دون تراجع على امتداد خريطة اليمن التي تخضع لحكم أنصار الله.

ثانياً: الإبداع العسكري اليمني المحلي، وهو إبداع في شتى المجالات، استطاع أن يسخر أدوات بحرية بسيطة هزمت البوارج الحربية العملاقة من دون كلفة مالية، خاصة في ظل التدريب والتصنيع المستمر.

 ثالثاً: امتداد الجغرافيا اليمنية المعقدة، جبال وهضاب ووديان تلائم الطبيعة اليمنية القاسية، فيما تتوه طائرات التجسس الأميركية باهظة الكلفة ويتم إسقاطها، وهنا فإن الجغرافيا اليمنية تساعد اليمني على التخفي والتضليل الأمني، مع سعة أفق وهامش مناورة في حفظ الترسانة العسكرية والأمن الشخصي للقيادات ومراكز التصنيع ومرابض القصف، بخلاف الواقع اللبناني أو الفلسطيني المحصور.  

رابعاً: خصوصية القضية الفلسطينية في العقل والعاطفة اليمنية، خاصة مع نجاح الوقفة اليمنية مع هذه القضية باعتبارها قضية مركزية، وقدرة اليمن على استنزاف الكيان الإسرائيلي ليس فقط عبر إغلاق ميناء إيلات، إنما القصف اليمني المتواتر الذي طال "تل أبيب" عشرات المرات، نجاح سبّب حرجاً لقطاعات واسعة من المناهضين لحكومة صنعاء، خاصة في صفوف حزب الإصلاح الإخواني وحتى حزب المؤتمر، ورغم هشاشة خطاب حكومة عدن في دعم الحرب الأميركية ضد وطنهم، فإن الموقف اليمني الصلب لحكومة صنعاء مع غزة أكسبها المزيد من التأييد الشعبي وحتى في أوساط بعض النخب اليمنية والعربية وربما العالمية.

خامساً: التحالفات اليمنية القوية مع إيران وحزب الله وحماس والجهاد والحشد الشعبي، ضمن محور المقاومة، تعطي اليمن هامش مناورة إضافياً داخلياً وخارجياً، وهنا فإن الدعم الإيراني لليمن، وإن بشكل غير مباشر، يمثل رافداً هاماً يعزز الصمود.

سادساً: انتصار اليمن السابق في حروبه ضد العدوان السعودي- الإماراتي، وهي حروب دعمتها أميركا والغرب و "إسرائيل"، وشاركت فيها قوى يمنية ما أدى إلى تراجع نفوذها وشعبيتها، داخلياً وخارجياً، هو درس جوهري أمام أميركا التي فشلت طوال عقد كامل من الزمن في احتواء أنصار الله أو إخضاعهم.

يظهر من جملة معطيات الحرب الأميركية على اليمن أن عوامل فشلها تتجاوز عوامل النجاح، خاصة في ظل العجز الأميركي عن شن حرب طويلة الأمد، لما تمثله اليمن من تحد ثانوي ضمن خريطة التحديات العالمية، في ظل الربط اليمني لمواقفه بالحرب على غزة حصراً، فلا يمكن تصور أن تترك أميركا أزماتها الجوهرية مع إيران والصين وروسيا، وأضاف إليها ترامب كندا والمكسيك وقضايا داخلية حساسة، ليتفرغ لليمن ضمن نطاق إستراتيجي بعيد المدى، وهو ما يحوّل الدور اليمني في النهاية ليكون عامل ضغط متصاعد لصالح غزة وفلسطين.