"طوفان الأقصى" حدث جارٍ لم ينتهِ ووقائعه تتغير كل دقيقة

  • كتاب
    كتاب "طوفان الأقصى: من غير قواعد اللعبة؟" لحسين عبد الغني   

يكتشف القارئ قبل أن يفض غلاف كتاب: "طوفان الأقصى: من غيّر قواعد اللعبة؟" من تأليف الإعلامي حسين عبد الغني، أن المؤلف قد أعلن موقفه واضحاً جلياً من خلال الكلمة التي كتبها على الغلاف الأخير للكتاب والتي يقول فيها: هذا الكتاب ليس محايداً. فربما تجد فيه تحليلاً موضوعياً لا ينكر الحقائق ولا يبيع الأوهام.. لكنك قطعاً ستجد فيه رأياً منحازاً لخيار المقاومة ونهج التحرر من الهيمنة. وهو جرس إنذار يحذر من أنه إذا استمر العرب في الانصياع لأعدائهم، وإذا تخلت تنظيمات المقاومة عن سلاحها فإن القدس وغور الأردن والجولان سيضيعون إلى الأبد. كما أن سيناريو الرعب بترحيل الفلسطينيين من غزة والضفة الغربية قسراً. وتحويل لبنان إلى حديقة خلفية. ونزهة عسكرية لـ"إسرائيل" في/ أورانيوم الكبرى/ ستكون كابوساً معاشاً.  

بعد هذا التمهيد المختصر والواضح.. والذي يكشف عن البوصلة التي توجه الكاتب وتحدد اتجاهاته ورؤاه ووجهات نظره في كل ما سيقدمه في هذا الكتاب. يجد القارئ تأكيداً آخر من خلال الإهداء الذي يقول فيه حسين عبد الغني. إلى حامل العصا وصاحب الشوك والقرنفل جيفارا القرن الواحد والعشرين.. إلى ذلك المقاوم المجهول.. الذي يخرج من تحت الركام.. فيضرب من دون أن يرتجف له قلب ولا تهتز له يد.

إلى الآباء المؤسسين الذين أطلقوا أول رصاصة في شتاء بعيد.. ومن لحقهم ويلحق بهم من أبناء أرض كانت تسمى فلسطين.. وصارت تسمى فلسطين..  وبعد هذا الإهداء الذي يحمل دلالات كثيرة. يلفت حسين عبد الغني نظر القارئ إلى الجهد المبذول في هذا الكتاب. وذلك من خلال ثلاثة أسطر يؤكد فيها أن هذا الكتاب وحدة موضوعية تتناول زلزال طوفان الأقصى. وأنه قد استفاد من مضمون مئة مقال في الصحف المختلفة وقام بالإعداد البحثي لنحو خمسين محاضرة. ومقابلة تلفزيونية.. نشرها وأجراها.. كما يؤكد أن المعلومات الموجودة في هذا الكتاب.. توقفت عند شهر تشرين الثاني/ نوفمبر2024  تاريخ صدور الكتاب عن دار الفلق للنشر في المملكة المتحدة..

يقدم حسين عبد الغني رؤاه في هذا الكتاب "طوفان الأقصى: من غيّر قواعد اللعبة؟" من خلال مقدمة وتسعة فصول وخاتمة عن أسباب ونتائج وتبعات طوفان الأقصى. فيقدم تحليلاً رصيناً ومهماً لأهم القضايا العربية والإقليمية والدولية. والذي كان طوفان الأقصى سبباً في الكشف عن خباياها وتعرية كل المتورطين والمتواطئين والعاجزين على كل المستويات عربياً وإقليمياً ودولياً. ويلفت عبد الغني نظر القارئ إلى أن طوفان الأقصى حدث جارٍ لم ينتهِ بعد وأن وقائعه تتغير كل دقيقة ويتسع نطاقه كل يوم وأنه حدث مزلزل سائل ومتأرجح. ما يجعل التنبؤ بمآلاته من أكثر مهام التحليل صعوبة.

ورغم هذا فإن تأكيد السردية التاريخية وفي وقتها هو فرض وليس واجباً. وذلك لأننا أمام عدو له سوابق لا تُحصى في تزوير الحقائق من خلال هيمنته الهائلة على الإعلام والثقافة في العالم. وفي هذا الإطار يشرح حسين عبد الغني لماذا أصر على تقديم رؤيته عن انتصار السابع من أكتوبر المعروف باسم طوفان الأقصى. ويجيب بأنه لا يريد أن يتعرض هذا الانتصار لما تعرض له انتصار أكتوبر العظيم عام 1973. حيث جاءه أحد أبنائه منهاراً.. قبل خمسة وعشرين عاماً..وكان يدرس في إحدى المدارس الأميركية في القاهرة. ووجد الابن أن منهج التاريخ في هذه المدرسة يزعم أن حرب أكتوبر كانت نصراً للكيان الصهيوني وهزيمة لمصر.

ويقدم كتاب "طوفان الأقصى: من غيّر قواعد اللعبة؟" تحليلاً توثيقياً لمحطات الحرب من جهة. وغبار التفاوض المخادع من جهة أخرى. تلك الحرب التي امتدت من غزة إلى لبنان وإيران واليمن والعراق. وبعد أيام قليلة من بداية العدوان على غزة قال الرئيس الأميركي السابق جو بايدن: إن هذه الحرب سيمتد تأثيرها إلى العالم كله ولسنوات كثيرة مقبلة. ويؤكد عبد الغني أن طوفان الأقصى حدث تاريخي سيمتد أثره في الزمن ليكون ما بعده ليس كما قبله. كما تتجاوز التأثيرات والصدوع التي يخلفها في ساحته المحلية لتؤثر في إقليمه ثم في العالم بأسره.

ويشرح هذا الكتاب كيف أعاد طوفان الأقصى ترتيب كل جولات الصراع العربي الصهيوني العسكرية وحسم أوجه التشابه والاختلاف بين كل منها وإلى أي من تلك الجولات والحروب يقترب الطوفان. فالمعادون للمقاومة من فلسطينيي أوسلو وعرب التطبيع القديم والجديد ينظرون إلى الطوفان نظرتهم إلى الجولة الأولى من الصراع نكبة 1948. ويزعمون أن ما يصفونه بتهور حماس والقائد الشهيد يحيى السنوار قاد الفلسطينيين إلى نكبة جديدة. وتتعارض تلك النظرة الانهزامية مع حقيقة أن شعب غزة رفض التهجير وتمسك بأرضه ومنع حدوث نكبة جديدة سعى إليها الصهاينة والأميركان من خلال خطة الجنرالات. كما أن تلك النظرة تتناسى أن المقاومة قد ردت الصاع صاعين فكبدت العدو خسائر بشرية في يوم واحد. هي الأكبر في كل حروبه مع العرب. بل إن بعض قادة العدو يقولون إن طوفان الأقصى هو الأكثر إيلاماً منذ الهولوكوست.

أما المنصفون من المحللين السياسيين فيرَون أن طوفان الأقصى يشبه إلى حد كبير حرب السويس عام 1956. فهي الحرب التي مثلت باعتراف المؤرخين نهاية الاستعمار الأوروبي القديم البريطاني والفرنسي وحلول الاستعمار الأميركي الجديد محله وملء الفراغ الذي تركه انحدار لندن وباريس من قطبي العالم إلى قوتين دوليتين من الدرجة الثانية. كما نتج عن حرب السويس وجود القطبية الثنائية بين أميركا والاتحاد السوفياتي.

يرى حسين عبد الغني طوفان الأقصى يشبه إلى حد كبير من حيث القدرة على مفاجأة العدو ومبادأته بهزيمة ساحقة وتحطيم نظرية الأمن الصهيوني، حرب أكتوبر 1973. كما يشبه تلك الحرب في انقلاب معادلاتها بعد فترة من الوقت بسبب الدعم الأميركي للكيان الصهيوني. حيث تحولت تلك الحرب من انتصار صريح للعرب إلى ادعاء صهيوني بالنصر والسعي إلى تسوية مجحفة تحاول أن تعطي العدو سياسياً ما فشل في تحقيقه في الميدان.

يؤكد عبد الغني أن طوفان الأقصى بجبهات إسناده في لبنان واليمن والعراق وخاصة لبنان.. يشبه تماماً حرب الاستنزاف التي خاضتها مصر ضد العدو الصهيوني بعد عدوان حزيران/ يونيو1967. وحتى آب/ أغسطس عام 1970. كما يتشابه طوفان الأقصى مع كثير من المواجهات مع العدو الصهيوني: حرب منظمة التحرير في لبنان 1982 وحرب تحرير الجنوب اللبناني عام 2000 وحرب تموز/ يوليو 2006  في لبنان والحروب على غزة بما فيها معركة سيف القدس 2021. ولكن طوفان الأقصى يتفوق على جميع المواجهات النظامية وغير النظامية باتساع نطاقه الجغرافي. فلم تشهد أي حرب عربية مع الصهاينة معركة امتدت إلى قوس جغرافي واسع امتد لنحو 2000 كيلو متر في مواجهات اليمن وإلى 2500 كيلو متر في المواجهات مع إيران. 

ويضع حسين عبد الغني يده على ملمح محزن ومخيف لم تشهده أي مواجهة عربية مع الصهاينة من قبل. وهو انضمام أطراف عربٍ عسكرياً إلى العدو وساعدوها في التصدي للصواريخ والمسيرات الإيرانية واليمنية في انكشاف كامل لما يسمى حلف النقب.

ويضع حسين عبد الغني يده على واحدة من المفارقات المؤلمة. وهي انكشاف الدول العربية أمام تنظيمات محدودة العدد والعتاد..حيث بدت هذه الدول وتلك المنطقة التي تعتبر من أعلى مناطق العالم إنفاقاً على السلاح المستورد. غير قادرة على اكتساب نفوذ يترجم الترسانات العربية التي تحولت إما إلى سلاح صدئ في المخازن أو إلى سلاح لم يُستخدم وتجاوزته تقنيات أكثر حداثة.

ويقدم كتاب "طوفان الأقصى: من غيّر قواعد اللعبة؟" تفسيراً لتلك الهيمنة الصهيونية على الإقليم. تلك الهيمنة التي نتجت عن غياب المشروع العربي الذي غاب بعد اختفاء دور مصر القيادي وعجز كل من تصدوا لخلافتها في الحلول محلها وعجزهم عن بذل التضحيات التي يتطلبها هذا الدور. فحدث فراغ هائل في النفوذ الإقليمي. كما حدثت الهيمنة الصهيونية من خلال دعم أميركي لا محدود.. والأهم من خلال ارتماء الدول العربية صاحبة المال الوفير في أحضان الحلف الصهيوأميركي.

ويذهب حسين عبد الغني إلى أن طوفان الأقصى يمثل أهم محاولة عسكرية عربية تمتلك سلاح المبادأة لكسر مسار التسوية أو الاستسلام العربي الذي بدأ منذ فض الاشتباك الثاني على الجبهة المصرية عام 1975 لتتواصل بعده المعاهدات من كامب ديفيد إلي وادي عربة. ومن أوسلو إلى اتفاقات التطبيع الإبراهيمية المجانية.

ويقدم حسين عبد الغني من خلال كتابه "طوفان الأقصى: من غيّر قواعد اللعبة؟" الكثير من الإشارات المهمة من خلال بعض الآراء الغربية مثل رأي الكاتب الأميركي الشهير توماس فريدمان الذي يؤكد أن حرب طوفان الأقصى والرد بالإبادة الجماعية للفلسطينيين من قبل حكومة بنيامين نتنياهو يمثلان أكبرتهديد للنفوذ الأميركي في الشرق الأوسط حيث يهدد بهدم الهندسة السياسية التي بناها هنري كيسنجر وضمنت هيمنة أميركا على المنطقة.

ومن الإشارات المهمة في هذا الكتاب أن نخبة التطبيع العربية من فريق إعلان كوبنهاجن في 30 كانون الثاني/ يناير1997 وحتى فريق التطبيع الإبراهيمي. يتجاهلان التهديدات الصهيوأميركية عن الصراع الصفري. بعد أن كانوا يسخرون من التوصيف القومي بأن الصراع مع الصهاينة صراع وجود وليس صراع حدود. كما حاول هذا الفريق اختراع صراعات مع إيران وتركيا رغم وجودهما الأصيل في الإقليم عكس الكيان الصهيوني.

وبشكل عام استطاع حسين عبد الغني طوال صفحات هذا الكتاب المهم..أن يقدم العديد من الأفكار والرؤى التي تنتصر لفكرة المقاومة..والأهم أنها تعمل على فضح وتجريس كل العملاء والمتواطئين والعاجزين عربياً وإقليمياً ودولياً.

اخترنا لك