"نيويورك تايمز": ترامب يغرق في حرب مع اليمن.. كلفة باهظة وصراع بلا أفق
رغم وعوده بسحب القوات الأميركية من حروب الشرق الأوسط، ترامب يوّرط الولايات المتحدة في نزاع متصاعد مع اليمنيين، الذين يواصلون شنّ هجمات رغم مئات الغارات الأميركية.
-
"نيويورك تايمز": ترامب يغرق في حرب مع اليمن.. كلفة باهظة وصراع بلا أفق
صحيفة "نيويورك تايمز" الأميركية تنشر مقال رأي يناقش تورّط إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب في عملية عسكرية واسعة ومكلفة في البحر الأحمر بهدف وقف هجمات القوات المسلحة اليمنية على السفن التجارية تضامناً مع غزّة.
ويرى الكاتب أنّ الهجمات الأميركية على اليمن تواجه انتقادات داخل الإدارة الأميركية، التي ترى أنّ هذه الحرب تستنزف الموارد وتتناقض مع هدف واشنطن المعلن بإعادة تركيز استراتيجيتها نحو الصين ومنطقة المحيط الهادئ، وأيضاً لا تحقق هدفها حتى الآن.
أدناه نص المقال منقولاً إلى العربية:
تولّى الرئيس ترامب منصبه واعداً بفكّ ارتباط الجيش الأميركي عن بحروبه الباهظة والممتدّة في الشرق الأوسط. لكن، بعد 3 أشهر، يجد الرئيس نفسه متورّطاً في النوع ذاته من الحملات العسكرية المفتوحة التي أزعجت إدارات أسلافه، والتي تحمل في طيّاتها مخاطر اندلاع حرب أوسع نطاقاً مع إيران، حيث يحشد الجيش الأميركي قواته في مهمّة مثيرة للجدل لوقف هجمات الحوثيين من اليمن على السفن التجارية في البحر الأحمر.
وزير الدفاع بيت هيغسيث الذي كشف عن تفاصيل حسّاسة في محادثة ثانية غير محمية، يشرف على عملية لم تمكّن الولايات المتحدة حتّى الآن من استعادة الحركة البحرية المنتظمة عبر الممرّ البحري الذي يربط المحيط الهندي بالبحر الأبيض المتوسط عبر قناة السويس، بل دفعت أيضاً إدارة ترامب إلى دوّامة باهظة التكلفة، قد تؤدّي إلى تصعيد سيكون من الصعب معه سحب القوات الأميركية مع مرور كلّ يوم.
الفاتورة المالية تتضمن تكاليف مجموعتين ضاربتين لحاملتي طائرات، حيث تبلغ تكلفة تشغيل كلّ منهما نحو 6.5 مليون دولار يومياً، خلال تمركزهما الآن قبالة ساحل اليمن. تضاف إليها "قاذفات بي 2" التي تتجنّب الرادار، وكانت قد صُمّمت في الأصل لشنّ هجمات خاطفة ضدّ الاتحاد السوفياتي، وتكلّف نحو 90 ألف دولار لكلّ ساعة طيران. وفي الشهر الأول من العملية أسقطت هذه القاذفات إلى جانب عشرات الطائرات المقاتلة والمسيرة، قذائف تزيد قيمتها على 250 مليون دولار على أنحاء مختلفة في اليمن.
كما تستخدم البحرية الأميركية صواريخ اعتراضية مضادّة للصواريخ تكلّف نحو مليوني دولار للصاروخ الواحد، لتدمير صواريخ الحوثي وطائراته المسيّرة التي لا تزيد تكلفتها على بضعة آلاف من الدولارات لكلّ منها. ومن المتوقّع الآن أن تصل تكلفة العملية العسكرية ضد اليمن، أفقر دولة في الشرق الأوسط، إلى ملياري دولار في أيار/ مايو وفقاً للكونغرس.
في الأسبوع الماضي، وقعت إحدى أعنف الهجمات بقصف الولايات المتحدة محطّة نفطية أسفرت عن مقتل 74 شخصاً على الأقلّ، وفقاً للحوثيين، الذين أسقطوا بعد ذلك مباشرة، طائرة أميركية مسيرة حديثة بقيمة 30 مليون دولار، وفي اليوم التالي، أسقطوا واحدة أخرى ليصبح عدد المسيرات التي أسقطها الحوثيون 6 طائرات منذ بدء الهجوم الأميركي في شهر آذار/مارس الماضي. وعلى الرغم من مئات الغارات الجوّية والمخاطر التي يتعرّض لها الطيّارون في أثناء شنّهم هجمات روتينية ضدّ قوات الحوثي، لم تستطع الولايات المتحدة أن ترسّخ سيطرتها الجوّية على البلاد.
لقد دافعت البحرية الأميركية عن سفنها التجارية ضدّ مئات الطائرات المسيرة والصواريخ الحوثية منذ أن بدأت الجماعة بشنّ هجماتها البحرية في تشرين الثاني/ نوفمبر 2023، تضامناً مع الفلسطينيين في غزّة. وقد أغرق الحوثيّون سفينتين تجاريتين أجنبيتين في العام الماضي، ما أسفر عن مقتل 4 بحّارة على الأقلّ، وأدّت الهجمات إلى ارتفاع تكاليف النقل، حيث اختارت أكبر شركات الشحن في العالم إعادة توجيه رحلاتها حول الطرف الجنوبي لأفريقيا.
مع ذلك، لا يمرّ عبر البحر الأحمر سوى نحو 12% من التجارة العالمية سنوياً، ونسبة أقلّ من التجارة الأميركية. فهل يستدعي هذا إنفاق مليارات الدولارات، والمخاطرة بنقصان الاستعدادات العسكرية في مناطق أخرى، وتعريض حياة أفراد الخدمة الأميركية للخطر؟
إنّ استعادة النشاط البحري الروتيني في البحر الأحمر ستكون شبه مستحيلة من دون إبعاد الحوثيين عن النفوذ على طول الساحل الغربي للبلاد. وهم في نهاية المطاف، يتعرّضون للقصف منذ أكثر من عقد، حيث تناوبت السعودية و"إسرائيل" والولايات المتحدة خلال 3 عهود رؤساء أميركيين على قصف اليمن جوّاً.
وقد شن السعوديون ما يقدّر بـنحو 25 ألف غارة على اليمن في 7 سنوات، كجزء من حملة أسفرت عن مقتل 377 ألف يمني. إلّا أنّ الحوثيين بصمودهم ثبّتوا سيطرتهم على الساحل.
ترامب، كغيره من الرؤساء طوال الحرب العالمية على الإرهاب، يخطئ في افتراضه أنّ التفوق العسكري الساحق سيفضي إلى نهاية سريعة وحاسمة للحملة. ونظراً لعجزه عن دحر الحوثيين بالقوة الجوّيَّة وحدها، سيواجه قريباً وضع الخاسر الذي أربك قرار أسلافه في الشرق الأوسط، بين التراجع أو التصعيد.
كذلك أفادت تقارير أنّ الإدارة الأميركية تدرس دعم الميليشيات اليمنية المدعومة من دولة الإمارات. كما أنّ هذه الميليشيات تحاول اغتنام فرصة الغارات الجوّية الأميركية وتخطّط لهجوم برّي ضدّ الحوثيين. لكنّ هذه الخطوة من شأنها أن تفاقم الصراع، وتوسّعه وتطيله إلى المستوى الذي يكرّر الرئيس ترامب أنّه يسعى لتجنّبه.
وكان المتحدّث باسم مجلس الأمن القومي برايان هيوز، قد أعلن في بيان مكتوب بأنّ الإدارة "لن تكشف عن أيّ خطط أو تكتيكات تتعلّق بكيفية دفاعنا عن المصالح الأميركية في البحر الأحمر من الإرهابيين". وأضاف أنّ الأمن في البحر الأحمر مسؤولية "شركائنا في المنطقة، ونحن نعمل معهم من كثب"، لضمان حرّية الملاحة.
كما يريد الرئيس ترامب أيضاً توجيه رسالة إلى إيران، لكبح جماح الحوثيين وبرنامجها النووي المتوسّعِ، وإلّا. وتمنحه المحادثات النووية مع إيران، التي بدأت هذا الشهر في عُمان، أفضل فرصة لتحقيق كلا الهدفين. كما أنّ لديه فرصة لإحداث نقلة نوعية في العلاقات العامة، والحصول على صفقة أفضل ممّا فعل الرئيس باراك أوباما، من خلال تضمين تصرفات حلفاء إيران مثل الحوثيين و"حزب الله" و"حماس"، في أيّ اتّفاق جديد، والتي فشل الرئيس أوباما في معالجتها في الاتّفاق النووي التاريخي مع إيران في العام 2015.
مع ذلك، رفض ترامب حتّى الآن استبعاد إمكانية توجيه ضربة عسكرية للبنية التحتية النووية الإيرانية إذا لم يُتوصّل إلى اتّفاق. وقد أصبح التهديد الآن أكثر خطورة مع تزايد وجود القوات والمعدّات العسكرية في المنطقة.
تصرّ إدارة الرئيس ترامب على أنّ العملية العسكرية ضدّ الحوثيين، "تضع المصالح الأميركية في المقام الأوّل". وكشفت سجلّات دردشة "سيغنال" التي نشرتها مجلة "ذا أتلانتيك" في الشهر الماضي عن شكوك نائب الرئيس جيه دي فانس بشأن الهجوم على اليمن. وكتب قبل يوم من بدء الضربات، "أعتقد أننا نرتكب خطأ".
كذلك، انتقد مسؤولون كبار آخرون المهمّة علناً عندما وجّه الرئيس جو بايدن، بدلاً من رئيسهم، عدداً أقلّ من الضربات في اليمن. كما صرح مستشار الأمن القومي مايكل والتز لصحيفة "بوليتيكو" في آب/أغسطس 2024، قبل تسلمه منصبه وانتخاب ترامب قائلاً: "نحن ننفق عشرات المليارات من الدولارات على ما يعادل في الواقع مجموعة من الذين يعملون بالوكالة عن إيران".
وعلى المنوال نفسه أعرب وكيل وزارة الدفاع لشؤون السياسات البريدج كولبي عن رأي مماثل قبل بضعة أشهر. وكتب في منشور على"إكس": "هذه علامة حقيقية على مدى انحراف سياستنا الخارجية عن مسارها الصحيح، أن نشنّ الآن هجمات عسكرية مستمرّة في اليمن، من دون أي أمل حقيقي في فعّاليتها".
ولطالما دافع كولبي، كغيره من أعضاء الإدارة، عن تحويل الولايات المتحدة اهتمامها عن الشرق الأوسط وإعادة التركيز على الصين ومنطقة آسيا والمحيط الهادئ، بينما المفارقة التي لم تغب عنه في أنّ جزءاً كبيراً من الترسانة المتراكمة حول اليمن تم سحبها من آسيا.
ومؤخّراً، قال الأدميرال صموئيل جيه بابارو قائد البحرية الأميركية في منطقة المحيطين الهندي والهادئ أمام الكونغرس، بأنّ كتيبة كاملة من نظام الدفاع الصاروخي باتريوت التابع للجيش الأميركي نقلت مؤخّراً من اليابان وكوريا الجنوبية إلى الشرق الأوسط، واستلزم ذلك 73 رحلة شحن جوّي.
ومرّة أخرى، يظهر تعارض المهمّة في اليمن مع الأهداف المعلنة للإدارة، تكشّفت بتصريحات هيغسيث أمام حلفائه الآسيويين عن أنّ "الولايات المتحدة ستركّز على جهودها ضدّ العدوان الصيني". وفي مؤتمر صحفي عقد في مانيلا في آخر الشهر الماضي، قال إنّ "ما ستفعله إدارة ترامب هو تحقيق أهدافها، أي إعطاء الأولوية الحقيقية والتوجّه نحو هذه المنطقة من العالم بطريقة غير مسبوقة".
على ما يظهر، أنّ الرئيس ترامب هو أحدث قائد عامّ يَصل إلى البيت الأبيض واضعاً الصين نصب عينيه، لكنّه حرف مساره، بينما يبقى النجاح الاستراتيجي طويل الأمد في الشرق الأوسط بعيد المنال، إذا لم يقترن بجهود دبلوماسية وسياسية مكثّفة. وإذا تعلمنا شيئاً خلال ربع القرن المنصرم، فهو أنّ الرئيس لا يستطيع التخلّص من أيّ مشكلة بعمليّات القصف.
نقله إلى العربية: حسين قطايا.