"تيك توك" في مصر: الأغنياء والفقراء يلتقون... والدولة تشاهد

بين "مصر" و"إيجيبت"، كيف يبرز "تيك توك" التفاوت الطبقي بين المصريين؟ وهل تحوّل إلى منصة سياسية استدعت المراقبة الحكومية؟

يبرز تطبيق "تيك توك" لقدرته على إنشاء فيديوهات سريعة الانتشار وصناعة مشاهير صغار بسرعة، ما يجعلهم عرضة للحملات الحكومية. ومع ذلك، فقد ربطت هذه المنصة الناس في مصر ،على الرغم من الفروقات الاجتماعية والاقتصادية بينهم، مسهمة في إطلاق نقاش ثقافي وسياسي حيوي يصعب على الحكومة السيطرة عليه.

في هذه المادة يتناول غابريل كوسينتينو، الباحث الإيطالي في مجال الاتصال السياسي والإعلام الجديد، تطبيق "تيك توك" كونه يكشف الآثار السياسية لاستخدام وسائل التواصل الاجتماعي في مصر.  يذكر أن كوسينتينو، الذي يدرس حالياً في الجامعة الأميركية بالقاهرة التأثير الاجتماعي والسياسي لوسائل الإعلام الرقمية والاجتماعية في مصر، ألّف العديد من الكتب عن وسائل التواصل الاجتماعي، وهنا ترجمة نصّه إلى العربية:

"بعد إطلاق سراحه من السجن عام 2011، صرّح المهندس والناشط المصري، وائل غنيم، إلى وسائل الإعلام قائلاً: "إذا أردت تحرير مجتمع فامنحه الإنترنت فحسب".

جاء كلام غنيم بعدما ألقي القبض عليه لدوره في الثورة التي أسقطت نظام الرئيس الراحل، حسني مبارك. ويرجع جزء من نجاح تلك الانتفاضة الشعبية غير المسبوقة إلى دور وسائل التواصل الاجتماعي في حشد المواطنين حول قضية سياسية مشتركة.

في عام 2025، وبعد أكثر من عقد تحت حكم حكومة الرئيس عبد الفتاح السيسي، صار من المنصف القول إنه لم يتبق من رؤية غنيم تلك إلا القليل. إذ يخضع استخدام "السوشال ميديا" في مصر لرقابة مشددة من قبل السلطات لضبط أي علامات على المعارضة، إذ يتم اعتقال المواطنين روتينياً لأدنى الأسباب كانتقاد الحكومة.

في عام 2018، أصدرت مصر قانوناً جديداً سمّته "الحد من مشكلة المعلومات المضللة"، بات يستخدم لقمع المعارضة، فيما يتفاعل المصريون اليوم ضمن حدود غامضة لما هو مسموح بقوله على الشبكة العنكبوتية، والنتيجة هي انتشار واسع للرقابة الذاتية خوفاً من الاعتقال.

"تيك توك" في مصر

  • وائل غنيم
    وائل غنيم

أصبح تطبيق "تيك توك" الصيني شديد الشعبية في مصر منذ عام 2020، وذلك بعدد مستخدمين فوق سن 18 يقدر بنحو 33 مليون مستخدم. وبينما لم يأخذ "تيك توك" بعداً سياسياً صريحاً مثل "فيسبوك" و"تويتر"، فإنه أصبح مسرحاً لسلسلة من الأحداث التي وضعت مستخدميه تحت أعين السلطات، ليكشف ذلك عن بعض الخلافات السياسية والتوترات.

وتتعلق معظم تلك الأحداث بقدرة "تيك توك" على العمل كــ "محرك انتشار"، فحتى المستخدمين الذين لديهم عدد قليل من المتابعين يمكنهم الحصول على شهرة مفاجئة وإشكالية في بعض الأحيان.

وفي حين تتخذ السلطات المصرية  إجراءات صارمة ضد مستخدمي "تيك توك"، لم تكن هناك خطط ملموسة لحظر المنصة، بل  استخدمته بعض الفروع الحكومية لتعزيز مبادراتها الخاصة. على سبيل المثال، وقّعت وزارة الشباب والرياضة اتفاقية مع "تيك توك" لإطلاق "مركز تيك توك المصري للمبدعين"، والذي يهدف إلى تثقيف الشباب حول استخدام وسائل التواصل الاجتماعي بشكل مسؤول.

استهداف النساء.. واعتقالات

  • سمح
    سمح "تيك توك" للمستخدمين العاديين في مصر بتحدي الأعراف الاجتماعية في بعض الحالات

منذ عام 2020، أوقفت السلطات المصرية العديد من مستخدمي "تيك توك" بتهم تتراوح بين "انتهاك قيم الأسرة المصرية"، و"نشر معلومات مضللة"، واتهامات بــ "الانضمام إلى جماعات محظورة". لم ينشر معظم مستخدمي "تيك توك" محتوى جنسياً أو سياسياً صريحاً، وتشير هذه الحالات إلى أن السلطات تراقب المنصة من كثب، وفقاً لاعتبارات أخلاقية وسياسية صارمة.

وكانت أبرز القضايا تتعلق بالفتيات، أبرزهن حنين حسام، ومودة الأدهم، اللتان ألقي القبض عليهما عام 2020 بتهمة "انتهاك القيم العائلية". وتنص المادة 25 من قانون مكافحة الجرائم الإلكترونية المصري على أن المحتوى "الذي ينتهك مبادئ وقيم الأسرة التي يدعمها المجتمع المصري قد يعاقب عليه بالسجن لمدة لا تقل عن ستة أشهر و/أو الغرامة". وهكذا، يترك تعريف القيم العائلية غامضاً عن عمد. 

وأشار المراقبون إلى أن هذا الغموض سمح بتطبيق القانون في عدد من الحالات المختلفة، أسفر عن توجيه التهم ذاتها إلى عشرات الفتيات اللاتي تعرضن لأحكام بالسجن لفترات طويلة.

وتشير طبيعة التهم إلى دافع أعمق محتمل: مراقبة وجود الشابات في الفضاءات الرقمية حيث يُمكنهن اكتساب النفوذ والاستقلال المالي خارج إطار الأسرة أو العمل التقليدي. إذ منح "تيك توك" المستخدمين العاديين في مصر ظهوراً غير مسبوق، ما سمح لهم بتحدي الأعراف الاجتماعية في بعض الحالات، وغالباً من خلال الفكاهة. ويبدو أن هذا قد أثار قلق السلطات، التي يبدو أنها سعت إلى توجيه رسالة إلى عامة الناس.

لم تقتصر الاعتقالات المتعلقة بــ "تيك توك" على "انتهاك قيم الأسرة المصرية" فقط، إذ اعتقل 3 مستخدمين في 2022 لانتقادهم ارتفاع أسعار الغذاء. ووجهت لهم تهم نشر أخبار كاذبة؛ على الرغم من حقيقة زيادة نسبة التضخم في مصر.

بالإضافة إلى ذلك، انتشر في عام 2023 "سكيتش" ساخر عن زيارة مزيفة للسجن. اعتقل صُنّاع الفيديو واتهموا بالانتماء إلى جماعة محظورة ونشر الأخبار الكاذبة وإساءة استخدام وسائل التواصل الاجتماعي.

وتشير مثل هذه الاعتقالات إلى أن محتوى "تيك توك" الذي يتطرق إلى مسائل سياسية حساسة، حتى على سبيل المزاح، يشكل نوعاً جديداً من التحدي للحكومة المصرية. وتشعر السلطات بقلق خاص إزاء المحتوى سريع الانتشار الذي قد يلفت الانتباه إلى سجلها السيئ في مجال حقوق الإنسان، من بينها الظروف السيئة للغاية في السجون.

بين Egypt ومصر

  • تقدر نسبة المصريين تحت خط الفقر 30% من تعداد السكان
    تشكل نسبة المصريين تحت خط الفقر 30% من تعداد السكان

أثبتت منصة "تيك توك" قدرتها على ربط الأشخاص من خلفيات اجتماعية واقتصادية متباينة للغاية، كما هو واضح عالمياً. وبما أن مصر دولة شديدة الهرمية، فإن ذلك سمح لمجموعة من النخبة الثرية بأن تعيش في واقع اقتصادي واجتماعي منفصل تماماً عن غالبية السكان (تشكل نسبة المصريين تحت خط الفقر 30% من تعداد السكان).  

هكذا، يشار على "تيك توك" إلى المجتمع الكوزموبوليتاني الأكثر امتيازاً بـ"إيچيبت" فيما يشار إلى المجتمع الفقير بــ "مصر". 

ويهدف "تيك توك" إلى إنتاج محتوى سريع الانتشار أكثر منه موقع تواصل اجتماعي، مثل "فيسبوك"، الذي يعتمد على روابط اجتماعية قائمة. والنتيجة هي مساحة افتراضية مشتركة يتفاعل فيها المجتمعان بطرق جديدة. وهذا يُولّد ديناميكيات اجتماعية وثقافية فريدة تُلاحظ أيضاً في بلدان أخرى.

@raynayyy18 Love my country f kol el a7wal 😂 #egypt #masr #fyp ♬ original sound - 🦋

إذاً "إيچيبت" تشاهد "مصر" وهي تصنع كل أنواع المحتوى من الغناء والرقص إلى التسول، بينما تلقي "مصر" نظرة خاطفة على عالم الأغنياء الذي يستحيل عليهم الوصول إليه. 

وفي ظل الأزمة الاقتصادية الحالية، قد يكون هذا الانقسام صارخاً. إذ بينما يُعاني معظم المصريين من التضخم وارتفاع تكاليف المعيشة والبطالة، يتباهى الأثرياء بأنماط حياتهم على "تيك توك". 

وعندما ينشر مستخدمو "تيك توك" الأثرياء محتوى يشكون فيه من مشكلات تافهة نسبياً، مثل الانتظار الطويل لخدمة ركن السيارات في مطعم فاخر، أو يتباهون بمصروفهم الأسبوعي، فإن ذلك يكشف عن انفصالهم عن المصاعب اليومية التي يواجهها المصريون الأقل حظاً. 

ويعلق المستخدمون بحرية على مقاطع فيديو بعضهم البعض، ومشاركة آرائهم الصريحة. قد يُقال لطالب يتباهى بمصروفه الأسبوعي البالغ 3000 جنيه مصري (60 دولاراً أميركياً): "هذا راتب بعض الناس شهرياً".

ومنذ ظهور "تيك توك" لأول مرة عام 2020، تطور التطبيق في مصر من منصة موجهة أساساً نحو محتوى ساخر ومسلٍ للمراهقين، إلى منصة لجميع الأعمار المهتمين بجمع المعلومات، ومواكبة أحدث التوجهات والأحداث، ومساحةً للمشاركة السياسية، لا سيما في ما يتعلق بفلسطين، خصوصاً في ظل حرب الإبادة الإسرائيلية في غزة بعد عملية "طوفان الأقصى". 

لكن، لم يُلحظ أي تسييس واضح لهذه المنصة العالمية في مصر حتى الآن، وقد لا يحدث ذلك أبداً، نظراً للرقابة الصارمة من قبل السلطات. لكن قدرة "تيك توك" على كشف الانقسامات في المجتمع المصري ووصل المواطنين بمختلف انتماءاتهم الديموغرافية قد تكون لها عواقب سياسية غير متوقعة في المستقبل القريب.

الترجمة بتصرف: محمد السادات - مصر

في السابع من تشرين الأول/أكتوبر 2023 أعلنت كتائب القسام معركة "طوفان الأقصى"، فاقتحمت المستوطنات الإسرائيلية في غلاف غزة، وأسرت جنوداً ومستوطنين إسرائيليين. قامت "إسرائيل" بعدها بحملة انتقام وحشية ضد القطاع، في عدوانٍ قتل وأصاب عشرات الآلاف من الفلسطينيين.

اخترنا لك