"Unherd": لماذا نفد حظ إيلون ماسك؟

السياسة والأعمال عالمان مختلفان تماماً.

  • إيلون ماسك ودونالد ترامب
    إيلون ماسك ودونالد ترامب

موقع "Unherd" البريطاني ينشر مقالاً يناقش الفرق بين النجاح في عالم الأعمال والنجاح في السياسة، مستخدماً تشبيهاً لافتاً بلعبة الروليت الروسية لتسليط الضوء على دور الحظ مقابل المهارة في تحقيق النجاح، وخاصة حين يتجاوز الشخص حدوده ويدخل ميادين جديدة بخبرة غير كافية، ويأخذ إيلون ماسك مثالاً على ذلك.

أدناه نص المقال منقولاً إلى العربية:

تخيّلوا عالماً بائساً حيث يكون من الطبيعي جداً أن يلعب الناس لعبة الروليت الروسية. فيموت معظم الناس مبكراً، وينجو بعضهم ونسمّيهم "ناجحين". ولكن ماذا لو حالفهم الحظ لفترة أطول؟ وماذا يحدث عندما ينفد هذا الحظ؟

فلننظر في الاحتمالات. إذا استخدمتَ مسدساً بـ6 حجرات، فإن فرص نجاتك من طلقة واحدة تزيد قليلاً عن 83%. ومع وصولك إلى الجولة الـ4، ستكون فرص نجاتك متساوية تقريباً. بعد ذلك، تتدهور الأمور بسرعة، وبحلول الجولة الـ25، إذا كنت قد نجوتَ طوال هذه المدة، تصبح فرص نجاتك نحو 1%. لنفترض الآن أنّ جميع من في الولايات المتحدة يلعبون هذه اللعبة. بحلول الوقت الذي تُسحب فيه الزناد للمرة الـ70، يكون عدد الناجين الذين يلعبون نحو 1000 شخص فقط. وهذا هو أيضاً عدد المليارديرات في الولايات المتحدة. إيلون ماسك ودونالد ترامب من بينهم. وكلاهما يعتقدان أنهما بارعان في هذه اللعبة، وما زالا يلعبانها. لكن إلى متى سيحالفهما الحظ؟

لا تبدو فرص ماسك في البقاء قوية. فقد أفرط في إطلاق النار عندما قرر إثارة خلاف علني بانتقاده مشروع قانون ميزانية ترامب الضخم والرائع. لقد كانت خطوةً متهورةً قد تنجح في عالم الأعمال، حيث يُكافأ أصحاب الرؤى على إحداث التغيير. أما في عالم السياسة، فالمجالس مكتظة بالنقاشات في أغلب الأحيان.

قد يعترض أحدهم على تشبيهي لما يجري بلعبة الروليت الروسية. فهي لعبة عشوائية للغاية. ويظن أنّ النجاح في الأعمال والسياسة ليس وليد الحظ. وهذان الرجلان يتمتعان بمهارات؛ فماسك ذكي وترامب بارع في التعامل مع الناس. لكنّ النجاح في الحياة الواقعية غالباً ما يكون مزيجاً من المهارة والحظ.

كلّ هذا صحيح، لكنّ تجربتي الفكرية تُبرز نقطة مهمة حول المخاطر الكبيرة، التي غالباً ما يتمّ إغفالها في السرديات الصحافية. إنّ المهارة مهمة في كلّ ما نقوم به، ولكن قليل منا، بمن في ذلك الأكثر ذكاءً والأفضل تعليماً، يمتلك مهارات لا يمتلكها أي شخص آخر. ونحن نخلط بين البقاء والتفوّق. لكن ما يُحدث الفرق بين النجاح والفشل يكمن في الفرص التي نغتنمها والمخاطر التي نُقدم عليها. وغالباً ما يكون النجاح ثمرة خيارات اتخذناها منذ وقت طويل وهيّأتنا لخوض غمار الحياة.

وهذا الأمر ينطبق بالتأكيد على إيلون ماسك. فهو أغنى رجل في العالم لأنه راهن على نجاح مشروعين: الاستثمار في شركة "تسلا" مبكراً وتأسيس شركة "سبيس إكس". وقد أثمرت هاتان المحاولتان. في تشبيهنا للعبة، يشبه هذا الأمر الفوز باليانصيب مرتين، أو الوصول إلى الجولة 100 في لعبتَي روليت. إلا أن احتمالات حدوث ذلك ضئيلة جداً. ولكن بمجرد وصولك إلى هذا المستوى، قد تظن أن الأمر لم يكن مجرّد حظ، بل كنتَ أفضل من الجميع.

من جانبه، لم يُحقّق ماسك نجاحاً يُذكر في السياسة. ويعود ذلك في جزء كبير منه إلى خطأ إدراكي يقع فيه الناجحون بشكل خاص، ألا وهو مغالطة التعميم، أي الاعتقاد بأن ما ينطبق عليّ وعلى عالمي ينطبق على الجميع. ارتكب ماسك خطأً ظناً منه أنّ من نجح في شركتي "تسلا" و"سبيس إكس" سينجح في السياسة. كان يعتقد أن نجاحه الباهر في هذا العالم وتجاهله للأعراف سيُطبّقان على السياسة. لكن ما جعله متفوّقاً في مجال الأعمال جعله أخرق، بل انتحارياً في السياسة. 

وليس مستغرباً أن يفكّر بهذه الطريقة. فأنا أعرف الكثير من المصرفيين الاستثماريين الناجحين ومستشاري الأعمال الذين ذاع صيتهم بعد أن كانوا مجهولين وأصبحوا وزراء مالية في بلدانهم. وكانوا، كما يُقال، بارعين في الأرقام. لكنهم لم يعرفوا سوى "غولدمان ساكس" أو "ماكينزي"، وعالم السياسة يسير وفق قواعد مختلفة تماماً عن قواعد مجالس الإدارات. وقد فشلوا جميعهم تقريباً لأنّ مهاراتهم لم تُترجم إلى سياسة. لم يكونوا أغبياء، لكنهم كانوا جاهلين.

وتجربة إيلون ماسك في قسم كفاءة الحكومة (Doge) خير مثال على ذلك. ففي حال كنت ترغب في توفير المال في شركة كبيرة، الأمر بسيط للغاية؛ عليك بخفض الهدر. لكن إصلاح البيروقراطية يُعدّ أمراً مختلفاً تماماً. لا تبدأ بما تراه، بل بالقوانين والتشريعات التي تُعدّ السبب الجذري للهدر. وهذه الخطوة ليست واضحةً بشكل مباشر. فهي تتطلّب وقتاً وصبراً واهتماماً ومعرفةً عميقةً بكيفية ربط هذه الأمور بالنظام. وهذا ما يفتقر إليه ماسك بشدة. 

لا تختلف نظرة السياسة والأعمال إلى مسألة الهدر فحسب، بل تختلف نظرتهما إلى المخاطر أيضاً. فالإفلاس هو الحدث الذي تُخاطر به في عالم المال، ولكنه نادر الحدوث. أما في عالم السياسة، فالإفلاس يحدث دائماً؛ انظروا إلى ما حدث مع ليز تروس. أعتقد بأنها كانت غير محظوظة؛ لقد ارتكبت خطأً فادحاً في الوقت غير المناسب. لكنّ التحوّط من المخاطر في السياسة أصعب بكثير منه في عالم الأعمال أو المال. فالتحوّط من المخاطر السياسية أصعب، ونمذجتها أصعب، ويكاد يكون من المستحيل التعافي منها. وماسك يتعلّم هذا الدرس بصعوبة. لقد غامر باستثماره بشكل كبير في فوز ترامب، ثم قطع علاقاته بالإدارة؛ ولم يبقَ له سوى شركتين يرتبط مصيرهما ارتباطاً وثيقاً بالتشريعات التي يتحكّم بها ترامب في النهاية. وبالتالي، فإن إيلون ماسك يرزح تحت رحمة ترامب. 

في البداية، كان ترامب مثل ماسك. رجل أعمال لم يخض غمار السياسة قط. وكان يعتقد أن المال هو الفيصل في كل الأمور. نتيجةً لذلك، كان ميالاً لارتكاب أخطاء من نوع مغالطة التعميم؛ فقد ظنّ هو الآخر أنه قادرٌ على تولّي الإدارة كشركةٍ تجارية. لكنه تعلّم أن عليه أن يكون أكثر حذراً. فهو يدرك أنّ الأمر لا يقتصر على الحظ فحسب. ويعلم أنه الرئيس المنتخب لدولة ديمقراطية، وليس ديكتاتوراً دائماً في مجلس الإدارة. ومع ذلك، لا يزال ماسك يفكّر كديكتاتور أعمال، بحيث ستفعل شركاته ما يشاء تماماً. وعلى عكس ترامب، لن يحصل على ولاية ثانية.

علاوة على ذلك، هناك فرق بسيط يُدركه مليارديرٌ اليوم، في حين لا يدركه الآخر. في عالم الأعمال، المال هو الفيصل. أما في السياسة، فالمال هو الأهم. ومجرد كونك غنياً لا يعني أنك قادر على إعادة تشكيل السياسة وفقاً لأهوائك؛ فلا يمكنك شراء الأصوات. قد تكون، مثل ماسك، من المبدعين الحقيقيين في حياتنا الاقتصادية ويمكنك النجاح في مجال الأعمال حتى لو كان 51% من السكان يكرهونك بشدة. لكن لتحقيق النجاح في عالم السياسة، يتعيّن عليك بناء تحالفات من الناخبين أو الأحزاب التي تُشكّل الأغلبية.

لقد حظي ماسك بفرصة جيدة، وحظ سيّئ، ليصبح مالكاً لمنصة تواصل اجتماعي كبيرة في الوقت المناسب تماماً؛ ومنحه ذلك القوة لدخول المعترك السياسي عندما كانت الظروف المعاكسة له صعبة للغاية. لكن ذلك كان أيضاً جزءاً من سقوطه. في السياسة، عليك أن تكون مستعداً لاحتمالية اختلاف الناس معك عند محاولتك إنجاز أي أمر مهم. وسيتحداك قادة المعارضة ويروون قصصاً مختلفة.

هذا التأثير المُصطنع ضارٌّ جداً في عصرنا الحالي. فقد ترك القادة في جهلٍ تامٍّ بما يعتقده الناخبون حقاً. وإذا أمضيتَ وقتاً طويلاً في التحدّث مع شعبك، فستختفي الحقيقة عن الأنظار. وقد شهدنا ذلك قبل أسبوع فقط خلال الانتخابات الرئاسية البولندية. إذ كان أنصار المرشح الخاسر، رافال ترزاسكوفسكي، عمدة وارسو الليبرالي، على قناعة تامة بفوز مرشحهم، على الرغم من أنّ نتائج استطلاعات الرأي كانت متقاربة للغاية بحيث لا يمكن التنبؤ بها. كما شهدنا ذلك خلال السباق الرئاسي بين ترامب وهاريس العام الماضي. ويواصل الليبراليون التلاعب بآرائهم، ويُخطئون في تقدير قوة خصومهم بشكل كبير، متجاهلين في الوقت نفسه إرادة الشعب. وقد حدث الأمر نفسه أيضاً في الفترة التي سبقت استفتاء خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي في عام 2016.

واليوم تُعدّ منصتا "إكس" و"تروث سوشيال"، التابعتان لماسك وترامب، بمثابة نظيرين يمينيين للصحف الحضرية ذات الميول اليسارية. وعندما يفاجأ مشتركو كلا المنصتين بنتيجة لم يتوقّعوها، فإنهم لا يقبلونها، بل يبحثون عن شخص لإلقاء اللوم عليه. واليوم، تتفاقم أوهام كلا الجانبين. وقد بلغ هذا التناقض حدّاً جعل ماسك، من خلال حديثه في غرفته المنعزلة الصغيرة، مقتنعاً اليوم بأنه يستطيع استخدام أمواله لإنشاء حزب سياسي جديد في قلب السياسة الأميركية. ربما يتعيّن عليه أن ينظر إلى ما يحدث لإيمانويل ماكرون وحزبه، الذي يُعدّ ربما التجربة السياسية الأكثر جرأةً في الوسطية الراديكالية التي شهدناها في دولة غربية متقدّمة. هناك فائض من المال، ولكن لا يوجد أي دعم. لقد فشل في جذب الناخبين وترامب يدرك ذلك. فهو عكس كلّ سياسات الوسطية، يعرف كيف يُحدث اضطراباً ولكنه يتمتع أيضاً بفهم عميق لكيفية عمل السياسة اليوم. على عكس ماسك، الذي حالفه الحظ، وظن أن ذلك كان كافياً.

وأنا أتوقّع بأن ماسك سيواصل رهاناته المتهورة معتقداً اعتقاداً راسخاً بأنه لا يمكن أن يفشل. في مثال لعبة الروليت الروسية، لا يمكننا أن نتوقّع سوى أن يكون هناك شخص واحد على قيد الحياة بحلول الجولة الـ 107. وهذا الشخص سيكون ترامب.

نقله إلى العربية: حسين قطايا.