"ها أنا عند قدميك".. عن بوشكين العاشق ونسائه الملهمات

"كل ما فيها فوق العالم والعواطف". هكذا وصف كبير الشعراء الروس ألكسندر بوشكين إحدى حبيباته. ماذا تعرفون عن بوشكين العاشق ونسائه الملهمات؟

تحتفل الأوساط الأدبية والثقافية الروسية في 6 حزيران/يونيو 2024، بالذكرى الــ 225 على ولادة كبير الشعراء الروس ألكسندر سيرغيفيتش بوشكين (1799 - 1837)، ويُلقى الضوء في آلاف الأنشطة على حياة هذا الشاعر التي لم تتجاوز 38 عاماً، وعلى إبداعاته الشعرية والنثرية التي شكلت، إلى جانب أعمال ممثلي العصر الذهبي في الأدب الروسي، نقلة نوعية حاسمة في تقريب الأدب من عامة الناس وجعله شعبياً. لكن الكثير من أعمال بوشكين ما كانت لتتفتق به عبقريته لولا الحب والطيش والنساء اللواتي عرفهن وعشقهن وذاب في جمالهن حتى التقى بأكثرهن جمالاً، زوجته نتاليا نيقولايفنا غونتشاروفا (1812 - 1863).

خلال جولة في "متحف بوشكين الحكومي للفنون"، تستوقفنا بورتريهات حبيبات بوشكين وعشيقاته. تكثر الدراسات التي تحدثت عن هؤلاء النساء، لكن إذا ما جلنا مع الناقدة الفنية والكاتبة صوفيا باغداساروفا، فإن قائمتها الفنيّة، التي عرضها موقع "كولتورا" الرسمي، لا تشمل زوجة بوشكين، ولا النساء اللواتي لا بورتريهات موثوقة لهن. كما أننا لا يمكننا التفريق بين أولئك الذين دخل معهن في علاقة حب حقيقية وأولئك اللواتي تنهد من أجلهن، فذلك لا يمكن إثباته أبداً على أي حال. فقد عاش الشاعر "في عصر الجمال الاستثنائي، وكان عاطفياً للغاية".

*** 

  • يكاترينا باكونينا

يكاترينا باكونينا

"موجات الملاءة الشفافة 

تغطّي صدرك المرتجف

كي يتمكن من التنفس تحتها،

فقد أراد أن يتنهّد سراً".

كانت يكاترينا بافلوفنا باكونينا (1795 - 1869) شقيقة رفيق بوشكين في ثانوية تساروسيليسكويه العالية ألكسندر باكونين. وكانت، بدءاً من عام 1911 حين كانت في الــ 16 من عمرها، تزور شقيقها بشكل متكرر، وكانت هي ووالدتها تقضيان الصيف في منزل قريب. أعجب بها بوشكين الفتى وتعلق بها، واختارها مصدر إلهامه، وأهداها 23 قصيدة وذكرها في أعماله حتى عام 1825. لكن مسار حياة الفتاة كان مختلفاً، إذ غدت وصيفة الشرف للإمبراطورة الروسية يليزافيتا ألكسيفنا، ودرست الرسم وتتلمذت على يدي الرسام والمعمار الشهير ألكسندر بريولوف (1798-1877). تزوجت متأخرة وهي في الــ 39 من عمرها من أحد معجبيها القدامى الضابط ألكسندر بولتوراتسكي (1792-1855)، فاستقرت في قرية زوجها، وربت أطفالها ومارست الرسم، وكانت سعيدة من دون بوشكين.

***

يليزافيتا فورونتسوفا

"انتهى كل شيء ولا علاقة بيننا.

وأنا حضنت ركبتيك للمرة الأخيرة،

وخرجت من شفتيّ تأوّهات حزينة".

كانت يليزافيتا كسافيريوفنا فورونتسوفا (1792 - 1880) زوجة حاكم نوفوروسيسك العام ميخائيل فورونتسوف، رئيس بوشكين في مرحلة منفاه الجنوبي. على ما يبدو، كان شغف الشاعر أحد أسباب العداء الذي شعر به فورونتسوف تجاهه، فانتقم منه وأرسل بوشكين في النهاية من أوديسا إلى ميخائيلوفسكوي البعيدة.

لا نعرف كم استمرّت العلاقة بين الشاعر ويليزافيتا، إذ يربط الباحثون اسمها بعدد من قصائده ويرد ذكر يليزافيتا كسافيريوفنا الجميلة في مخطوطاته. ويرجح بعض الباحثين أنها استغلّت بوشكين كغطاء لتبعد الأنظار عن عشيقها الحقيقي، ابن عمها، ألكسندر ريفسكي الذي يعتقد أنه والد ابنتها صوفيا. لكن الحاكم العام اكتشف أمرهما في النهاية وتخلص من ريفسكي الذي ألصقت به تهمة معاداة الحكومة. 

***

فيرا فيازيمسكايا

"إذن، وداعاً. ها أنا عند قدميك وأصافحك، أهزّ يدك، بالطريقة الإنكليزية، لأنك لا تريدينني أن أقبّلها".

كانت الأميرة فيرا فيودروفنا فيازيمسكايا (1790 - 1886) زوجة صديق بوشكين المقرّب، الشاعر الروسي الأمير بيوتر أندريفيتش فيازيمسكي (1792-1878). التقت فيرا بالشاعر في العام 1824، في أوديسا، وسرعان ما نشأت علاقة ودية بينهما، بقيت حتى نهاية حياة الشاعر، وأطلقت عليه لقب "الابن المتبنى".

تُعدّ رسائل الأميرة إلى زوجها من أوديسا أحد مصادر المعلومات عن الشاعر خلال مرحلة منفاه الجنوبي. كان بوشكين أكثر صراحة معها من زوجها، ووفقاً لذكريات معاصريه، كان يحبّها حقاً، لكن هذا الحبّ، كما يبدو، بقي عذرياً. هذه الفتاة ذات النظرة النارية الثاقبة و"الضحكة الصاخبة النقية" غير المحتشمة قليلاً، كانت قد تزوجت باكراً.

ذات يوم، ألقت الأميرة حذاءها في البركة، فهرع جميع الفرسان، بمن فيهم الأمير فيازيمسكي، لسحبه من الماء. مرض فيازيمسكي ولم يتمكن من مغادرة المنزل وكان يحتاج إلى رعاية وقد اعتنت به فيرا وكانت قربه طيلة فترة مرضه. ولإيقاف القيل والقال، أجبر الأهل الشابين على الزواج، فتزوجها فيازيمسكي وهو لا يزال مريضاً. لكنه سرعان ما شفي، وتبين أن زواجهما كان ناجحاً وأنجبا 8 أطفال. 

***

أفدوتيا غوليتسينا

"كدت أن أكره الوطن، 

لكنني رأيت غوليتسينا أمس، 

فتصالحت مع وطني" 

كانت أفدوتيا إيفانوفنا غوليتسينا (1780 - 1850) من أجمل جميلات عصرها، وهي صاحبة صالون أدبي كان بوشكين ورفاقه دائمي التردد عليه.

كتب بيوتر فيازيمسكي أن الشاعر "كان مفتوناً بها قليلاً"، لكن نيقولاي كارامزين أكد أن بوشكين "وقع في حبها بشكل مميت". بالفعل، لن يتمكن أي شاب من الهروب من سحر هذه الأميرة الرشيقة ذات الصوت الناعم، التي أطلق عليها لقب "أميرة الليل"، إذ كانت تنام نهاراً ولا تستقبل أحداً قبل العاشرة ليلاً.

عاشت الأميرة الجميلة ذات الحاجبين الأسودين والعينين الداكنتين منفصلة عن زوجها الأمير سيرغي ميخائلوفيتش غوليتسين صاحب قصر كوزمينكا. وعلى الرغم من أنها كانت سعيدة لسنوات عديدة، ووجدت الحب في علاقتها بميخائيل دولغوروكي، لكن زوجها لم يمنحها الطلاق، وكان مصير دولغوروكي أن قضى في الحرب.

***

ناتاليا غوليتسينا

"هي الوحيدة التي 

ستفهم أشعاري المبهمة، 

وحدها في القلب 

شعلة مصباح الحبّ النقية". 

هي الأميرة نتاليا ستيبانوفنا غوليتسينا (1794 - 1890)، حملت اسم جدتها وصيفة الإمبراطورة نتاليا الملقبة بملكة البستوني. والدها حاكم مقاطعة موسكو. كانت وصيفة للإمبراطورة كذلك وأدارت أحد أكثر الصالونات أناقة في سان بطرسبرغ، حيث تجمّع النبلاء كلهم.

يُفترض أن بوشكين الشاب كان مفتوناً بها في عشرينيات القرن الــ 19. لكن غوليتسينا توقفت عن استقبال الشاعر بعدما خاض في بعض المغامرات العاطفية في غرفة الخدم في منزلها، فاعتبرت أنه غير لائق. وهو بدوره وصفها بالسمنة والفظاظة، وكان الفراق. لكن هذه المرأة عاشت نحو 95 سنة، وظلت صاحبة شخصية اجتماعية مرحة ووصفت باللطف المذهل، على عكس وصف بوشكين لها.

***

أغلايا دافيدوفا

"وهل يمكنك أن تصدقيني، 

مثل تلك الساذجة؟

في أي رواية وجدتِ 

أن ماجناً مات من الحب؟"

كانت أغلايا أنجيليكا غبرييل (1787 - 1842) ابنة دوق دي غرامونت، أنطوان لويس ماري (1755 - 1836)، الذي ترك بلاده مع اندلاع الثورة الفرنسية واختار أن يحلّ في سان بطرسبورغ.

افتتن بوشكين بجمال أغلايا بشدة بين 1820 و1821. كانت هذه السيدة الجميلة والطائشة امرأة فرنسية أرستقراطية حقيقية، تبحث عن وسيلة للترفيه وسط الضجيج "حتى لا تموت من الملل في روسيا الهمجية".

وقد قارن بوشكين زوجها الجنرال ألكسندر لفوفيتش دافيدوف (1773-1833) بالسير جون فلستاف، الذي يظهر في مسرحية وليم شكسبير "زوجات وندسور المرحات".

وقد انتهت علاقة بوشكين بأغلايا بالكثير من الضوضاء والكلام غير اللائق الذي لا يرحم بحقها. ترملت أغلايا في ما بعد، ثم تزوجت وزير الخارجية الفرنسي الجنرال هوراس سيباستياني (1772 - 1851).

***

يلينا زافادوفسكايا

"كل ما فيها متناغم، كل شيء رائع،

كل ما فيها فوق العالم والعواطف.

إنها تستريح بخجل

في جمالها المهيب".

كانت الكونتيسة يلينا ميخائلوفنا زافادوفسكايا (1807 - 1874) واحدة من أجمل جميلات المجتمع الراقي في عصرها، كما اعترفت حتى النساء بذلك، "قتلت الجميع بجمالها الملكي البارد".

على الأرجح، أنها المعنية بوصف بوشكين "كليوباترا النيفا" (النيفا نهر يخترق بطرسبورغ)، حين وصف جمالها في الدراما الشعرية الرائعة "يفغيني أونيغين". كانت يلينا طويلة رائعة الجمال، ذات ملامح منتظمة وبشرة مبهرة. سحرت شعراء العصر الرومانسي من بوشكين إلى فيازيمسكي وإيفان إيفانوفيتش كوزلوف (1779-1840) ونظموا أشعاراً في حُسنها، وجمعتها صداقة مع ميخائيل يوريفيتش ليرمنتوف (1814-1841).

ظلت زافادوفسكايا على عرش الجمال حتى ظهور نتاليا نيقولايفنا غونتشاروفا (1812-1863)، أي زوجة بوشكين. يؤكد الجنرال ألكسي بتروفيتش أرلاموف (1777-1861) على هذا الأمر بشكل خاص، إذ يقول إن: "الكثيرين هنا يجدونها (نتاليا بوشكينا) أفضل بكثير من زافادوفسكايا الفاتنة". انتقلت زافادوفسكايا إلى باريس، وعلى مر السنين، كما لاحظ أصدقاؤها: لم يتغير جمالها إلا قليلاً.

***

أغرافينا زاكريفسكايا

"تظهر أحياناً متجاوزة الكون بما فيه،

تندفع حتى تنضب قواها 

كمذنّب متمرّد منفلت

من أفلاك النجوم الدقيقة"

لقّبت الكونتيسة أغرافينا فيودوروفنا زاكريفسكايا (1800 - 1879) بـ"فينوس النحاسية". كانت ذات وجه بهي وقوام جميل، متقلبة المزاج ومدللة ذات طبع طائش.

أصبح بوشكين أحد معارفها المقربين في عام 1828 وأسرّت له أسرارها، وأهدى لها عدة قصائد. دار شعراء آخرون في فلكها، ومنهم فيازيمسكي ويفغيني أبراموفيتش باراتينسكي (1800-1844) ونظموا في جمالها قصائدهم. انتقلت من سان بطرسبورغ إلى موسكو مع زوجها حين عُيّن عمدة للمدينة. جمعت الشبان حولها في موسكو فتجنبتها نبيلات المدينة. 

***

صوفيا كيسيليوفا

"ترجمتُ قصة امرأة شابة شعراً رائعاً. كيّفتُ أصوات شفتيها اللطيفتين اليانعتين مع بحور الشعر وألحانه". 

الأميرة صوفيا ستانيسلافوفنا بوتوتسكايا (1801 - 1875)، وهي ابنة أمير بولندي من امرأة يونانية. يُعتقد أن صوفيا روت للشاعر قصة الأميرة بوتوتسكايا المختطفة التي شكلت أساس قصيدته "نافورة بختشيساراي".

لن نجد قصائد مخصصة لكيسيليوفا ولا عجب أنها كتبت بصراحة في رسالة إلى زوجها الكونت بافل دميتروفيتش كسيليوف (1788-1872): "إذا رأيت بوشكين، أخبره أنني أتعلم اللغة الروسية حتى أتمكن من قراءة قصائده".