Breaking Point: تجريد يستلهم الطبيعة للتعبير عن الذات

يحاول سروجي أن يستكشف بأشكال تجريدية مؤثرات الأزمنة المضطربة، مُتفحِّصاً الآثار التي خلفها الصراع، تاركاً فسحة واسعة مزدانة بالأمل تيقظاً لاحتمالات الندم.

"لحظة تحوّل" أو "فترة استراحة" أو "نقطة انكسار" أو "ساعة انتقال"، وبالأجنبية "Breaking Point”، عنوان واحد وتفاسير متعدّدة قد تصلح للمعرض الفني التجريدي للفنان اللبناني هانيبال سروجي، وهي أعمال من التسعينيات يجري عرضها في "غاليري جانين ربيز" في بيروت. 

أمام حالة التغريب التي عاشها لبنان - البقعة التي أصبحت "لبنان" وسط الساحل الشرقي للمتوسط، فباتت كل اللغات والتعابير غريبة وغربية، وأمام كم من الأعمال الفنية التي لا تفسير مباشراً لها، يمكن للمرء أن يرى فيها مختلف التفاسير، ويمكنه أيضاً أن يرى في مصطلح ما تفاسير كثيرة منفتحة غير محدّدة بدقّة.

كذلك، اللوحات تشكيل مفتوح بأشكاله على مختلف الاحتمالات، فقد رسمها الفنان وهو أشبه ما يكون في حالة انتظار. تجريديّات تتراوح بين أواخر الثمانينيات وأوائل التسعينيات، قليلاً قبل، ثم ما بعد التوقف المفاجئ للحروب الأهلية المتمادية في تاريخ المنطقة، والمنعكسة على الداخل اللبناني، كأنها صلة وصل بين داخل البلد وخارجه، والتي تصبح في لحظة تكرار الذات صلة وصل بين داخل الفنان وخارجه.

هي الفترة التي سادها هدوء وفراغ في الوقت عينه، كثمرة من ثمار الحرب الأهلية وتدميرها كل الأشياء. تأتي الأعمال كأنها نهاية لها، وسط ذهول متأرجح بين استعصاء الحلّ على مدى زمني طويل والتوقف المفاجئ السريع، طارحة تساؤلات عن سخافة الحرب: هل كان كلّ ذلك الدمار مغطّى بقشّة؟ مغطّى بما يمكن إنهاؤه بشطبة قلم أو ضربة ريشة فنان؟

مقاربة يطرحها الفنان وهو يصوغ تشكيليّته، حيناً منسابة متساوقة، وحيناً مضطربة ومتردّد وتستدعي جهداً لتخرج عملاً يخرج به الفنان إلى الناس بصورة مرموقة، لكنّ الحرب المستعصية على حلّ تتوقف بأسرع من ضربة ريشة من ضرباته بقرار من مكان ما؛ حالة لا غرابة في أن تتسبب بفضول واستغراب يقف الفنان أمامه معبّراً عن نفسه من دون ضوابط، مطلقاً الحرية لريشته ومخيلته لترحل كيفما تشاء.

تعكس الأعمال حالة خاصة مرتبطة بزمنها في فترة أصبح الزمن فيه محدّداً ومعروفاً، ولكن ممتداً بانفلاش. كما تعكس الأعمال رؤى مختلفة وذكريات وحالة معينة من حالات العقل والمُتَخَيَّل.

يحاول العمل أن يستكشف بأشكال تجريدية مؤثرات الأزمنة المضطربة، ويمكن لكلّ عمل أن يُدْرَك بمؤثِّرات لونيّة مختلفة، مُتَفحِّصاً الآثار التي خلفها الصراع، تاركاً فسحةً واسعةً مُزدانةً بالأمل تيقّظاً لاحتمالات الندم.

من اللوحات "حقل" (92)، و"أنشودة شجرة" (92)، و"أنشودة رياح" (91)، و"في الرياح" (91)، و"خراب على قمة شجرة بلوط" (91)، وٍ"سيمور" (89)، و"نهوض أتون" (89)، وكلها زيتيات على قماش كتان، فيما "إنسان-شجرة" (91) من أكريليك ووسائط متعددة. 

عن التجريد

عن اعتماد التجريد التام، لا يعتقد سْروجي بهذا المنطق، لأنه، كما قال لـــ"الميادين الثقافية"، "يلجأ في رسم اللوحة إلى أشكال موجودة، وعادة لها صلة بالطبيعة، وبين الطبيعة والهندسة، وبالمناظر الموجودة في الطبيعة، ونحن بطبيعة الحال موجودون في الطبيعة".

ويرى سْروجي (1975) أن "الأعمال في المعرض يمكن القول إنها أعمال عمودية ترمز إلى صلة الانسان بين الأرض والسماء، ومنها ما هو بشكل أشجار أو أي عنصر طبيعي، وتشير إلى فوق وتحت، وإلى التعاطي بين الأرض والسماء، ونحن كبشر نمشي على أقدامنا بين الأرض والسماء، وما كنت أعمل عليه له علاقته بالطبيعة، وعلاقتنا نحن بالطبيعة".

وتحدث عن الفترة التي كان ينفّذ فيها هذه الأعمال: "أوائل التسعينيات، كانت فترة صعبة، وكنا في حالة المعلّق، لا هنا ولا هناك، وفجأة حلّ السياسيّون الحرب فيما كنّا ما نزال معلّقين، متأرجحين بين الـ"هنا" والـ"هناك".

وقال إن: "الرسم طريقة تفكير. وفي جميع الأحوال، هو تعبير عن علاقة الانسان بالطبيعة حوله بطريقة من الطرق".

يذكر أن سروجي شارك في العديد من المعارض الجامعة في دول عديدة، منها "في الغيوم" في معرض سنغافورة للفنون، وحاز جائزة "ماك" الدولية للفنون في بلفاست في إيرلندا عام 2014. والمعرض الحالي هو ثامن مرض فردي له في "غاليري ربيز"، بعد سلسلة معارض فردية في الغاليري عينه. 

عرضت أعمال سروجي في دبي وأبو ظبي ولندن وبيروت. وحازت معارضه ألقاباً مهمة في كندا وفرنسا. وقد أصدر "غاليري ربيز" له كتاباً بعنوان: "هانيبال سْروجي: رسوم ناريّة، وماء، وتراب، وهواء".