أسبوع السينما الفلسطينية: الذاكرة في حرب الإبادة
عروض "أسبوع السينما الفلسطينية" تتواصل في مدينة طرابلس اللبنانية تحت عنوان "السينما تقاوم". ما هي الأفلام المشاركة؟
-
يحيي "أسبوع السينما الفلسطينية" "مسرح إسطنبولي" و"جمعية تيرو للفنون"
تتواصل عروض "أسبوع السينما الفلسطينية" (8 - 12 نيسان/أبريل الجاري)، تحت عنوان "السينما تقاوم" على شاشة المسرح الوطني اللبناني (الأمبير) في مدينة طرابلس شمالي لبنان، ويحيي هذه المناسبة "مسرح إسطنبولي"، و"جمعية تيرو للفنون". ويتضمّن البرنامج أفلام "حارس الذاكرة"، و"جنين جنين"، و"غزّة تقاتل من أجل الحرية"، و"ملح هذا البحر"، و"إحكي يا عصفورة". وهنا جولة على الأفلام المشاركة.
**
فيلم "حارس الذاكرة" وثائقي من 50 دقيقة بالعربية ومنقول إلى الإنكليزية، للباحث الفلسطيني طارق البكري، الذي يعمل على لمّ شمل فلسطينيي الشتات ببلادهم عن طريق مشروعه الذي يحمل اسم "كنا وما زلنا".
يساعد البكري هذه العائلات في العودة إلى بلدها، كثيرون منهم للمرة الأولى، ويستخدم وسائل التواصل الاجتماعي لمشاركة هذه الصور والقصص.
إضافة إلى ذلك، يوثّق البكري تفاصيل علاقة كل عائلة مع بلدها للحفاظ على تاريخها، ولإبقاء الذاكرة الفلسطينية حيّة.
فيلم "جنين جنين"، للمخرج محمد البكري، تعود حكايته إلى العام 2000 بعد فشل مفاوضات كامب ديفيد الثانية، واندلاع الانتفاضة الثانية، التي واجهتها "إسرائيل" باجتياح الضفة الغربية بالكامل، وبينها مخيم جنين، لتدمّر البيوت، وتقتل العشرات من الفلسطينيين بين طفل، وامرأة، وعجوز، وشاب، وحتى الجنين في رحم أمه.
قدّم بكري وثيقة إدانة للضمير الإنساني كلّه بسبب الصمت والتواطؤ مع المحتل على كتم الصوت المنادي بالحرية، وإزهاق الروح الحرة في المخيم، ليبقى نيسان/أبريل 2002 لحظة يكلّلها العار في عالم يزعم انتماءه لقيم الحرية، وينادي بحقوق الإنسان في كل بقعة على الأرض باستثناء فلسطين.
بعضاً من رؤية بكري تكمن في تعرّض مستوطني الأرض المحتلة لعملية خداع تدفع بهم إلى أتون حروب، وذلك من قبل مؤسسات تقود الشعوب إلى الدمار لمصالحها الخاصة.
موقف بكري السلمي في نظرته للعودة بالطرق السلمية لم يشفع له عند الإسرائيلي، إذ جاءت بساطة الفيلم ولغته البصرية البسيطة والواضحة بمثابة "ألف عملية استشهادية" طبقاً لوصف الصحافة الإسرائيلية.
أما فيلم "غزة تقاتل من أجل الحرية" للصحافية الناشطة الأميركية، آبي مارتن (2014)، فيوثّق تظاهرات مسيرة العودة الكبرى التي انطلقت في قطاع غزة في آذار/مارس عام 2018، واستمرت حتى نهاية عام 2019 قرب السياج الفاصل بين غزة والأراضي المحتلة.
وإلى جانب عنف الاحتلال وقمعه للمتظاهرين، يكشف الفيلم أيضاً التداعيات الإنسانية للحصار والحروب التي شنّها "جيش" الاحتلال على القطاع، ويسلّط الضوء على المشكلات الخدماتية والأزمات المعيشية التي تواجه سكّانه مثل انقطاع الكهرباء، وشح مياه الشرب، ومنع السفر، وغير ذلك من نتائج الحصار.
ثم فيلم "ملح هذا البحر" للمخرجة من أصل فلسطيني، آن ماري جاسر، وهو انحياز للحياة في فلسطين السليبة، واستعادة رمزية لها عبر أعمال تدلّ على إمكانية استعادة الحقّ، وتقول إن الحرية تُنْتَزع انتزاعاً بقوة الحجة وبقوة الانتماء الى المكان.
تحضر في الفيلم معالم يافا المتبقّية وقرية الدوايمة قضاء الخليل تذكيراً بمذبحتها المدوّية.
عرض الفيلم في إطار قسم "نظرة خاصة" الذي يتضمّن فيلماً عربياً آخر وهو فيلم لبناني يتنافس مع "ملح هذا البحر" على جائزة الكاميرا الذهبية في "مهرجان كان الدولي للسينما" في دورته الـ61 عام 2008.
ويعبّر الفيلم عن رؤية إنسانية عميقة لتداعيات الرغبة الملحّة للعودة إلى الديار الفلسطينية السليبة وكيف تتبدّل الرؤية الشخصية للبطلة ما بين التفاؤل في تفهّم الوضع الفلسطيني الراهن، والصدمة من الواقع الاحتلالي المخيف.
أحد منتجي الفيلم، الممثل الأميركي، داني غلوفر، ألقى كلمة قال فيها إن: "الفيلم قصة عاطفية وحكاية عن الذاكرة وأنا فخور بأني كنت من بين منتجي هذا الفيلم".
تخلّل العرض تفاصيل الذاكرة الفلسطينية من خلال صور قديمة عن يافا، وبحرها الأسير الذي رحل جد بطلة الفيلم منه على مراكب صيد صغيرة ليواجه الأقدار في رحلة اللجوء الفلسطيني، وحياة الشقاء في المنافي، من خلال استعادة تفاصيل النكبة بمصاحبة موسيقى أغنية "يا بحرية" لمارسيل خليفة.
ويحكي الفيلم قصة الشابة الفلسطينية ثريا (سهير حماد) التي ولدت في بروكلين بنيويورك وقرّرت العودة للإقامة في بلدها الأصلي فلسطين. لكن بمجرد وصولها إلى المطار حاملةً جوازاً أميركياً تكتشف معنى الحواجز والإغلاق ومعنى أن تكون فلسطينياً تعصف به الأزمات في عالم يتناساه على هامش الأحداث.
أما فيلم "احكي يا عصفورة" فيروي عودة الصغير من المدرسة إلى بيته غاضباً، حيث يسأل أمه "هل أنتِ سارقة؟" فتتعجب الأم من كلام صغيرها، وتسأله عما حدث فيقول "أخبرتني المعلمات أنكِ خاطفة طائرات. أليس عيباً عليكِ".
ظنّ الصغير أن أمه سرقت ألعاب طائرات، لذلك فهو غاضب منها، ضحكت الأم عالياً، وشرحت لصغيرها حقيقة الحكاية "هذه طائرات إسرائيلية، ألسنا نحارب إسرائيل؟".
يهزّ الصغير رأسه، لكنّ كلام أمه لم يمنعه من أن يسألها مجدداً عن الطائرات: "أين هي؟". فهو يريد أن يلعب بالطائرات التي خطفتها أمه، وما زال يحمل براءةً، ودهشةً تجاه العالم، فهو لم يعرف أن أمه هي المقاتلة الفلسطينية ليلى خالد التي اختطفت طائرة إسرائيلية عام 1969 وأخرى عام 1970.
اختارت المخرجة عرب لطفي اسماً رقيقاً لفيلمها الوثائقي "احكي يا عصفورة"، حيث تحكي نساء المقاومة الفلسطينية ليلى خالد، وتيريز هلسا، وعائشة عودة، ورشيدة عبيدة، ورسمية عودة، ووداد قمري، وأمينة دحبور حكاياتهن مع المقاومة، وحركة البطلات المغامرات اللواتي شاركن في عمليات مقاومة ضد "جيش" الاحتلال في الستينيات والسبعينيات من القرن الماضي. والتقت المخرجة بالمقاتلات بعد قرابة 20 عاماً من أعمالهن البطولية، سنوات طوال تغيّرت فيها حياتهن.
على مدار ساعة ونصف الساعة تحكي المناضلات الفلسطينيات ما حدث، في مشاهد تستدعي مزيجاً من الفخر والغصة. ولا سيما اليوم في ظلّ المجزرة التي تتعرّض لها فلسطين، خصوصاً غزة.