"أيام مولانا الرومي"رواية معرفية بإسناد تاريخي

الرواية تدخلنا إلى عوالم جلال الدين الرومي وتطوف بنا إلى مدن فريد الدين العطار، وإشراقات السهروردي، وتجليات نجم الدين كُبرى، ومدارس الحكيم الترمذي، وفتوحات ابن عربي.

  • كتاب جديد عن
    كتاب جديد عن "أيام مولانا وقواعد العشق الأربعون"

في روايته "أيام مولانا وقواعد العشق الأربعون"، الصادرة عن دار الأمير، يمزج محمد حسين بزي بين دراسته الأكاديمية وانخطافه الروحي وتلمُّسه خلاصاً تكاملياً ذاتياً وتتبعاً لخطوات صوفيين كبار، في طريق المعرفة القلبية والكشف والرؤى. ويأخذنا إلى مغامرة غير مضمونة النتائج، بل هي تحمل من المخاطر أكثر مما تَعِد من مراسي الاستجمام والدعة والطمأنينة! 

تقع الرواية في 400 صفحة من القطع الوسط، قدمت لها د. دلال عباس، وجاء في مقدمتها: "تعرفنا الرواية حياة وأفكار العارف الكبير السيد برهان الدين محقق الترمذي الاستاذ الثاني لمولانا بعد والده بشكل مفصل، ولعلها المرة الأولى التي تزخر فيها رواية عن مولانا بكل هذه الإحاطة عن الترمذي وأحواله، وتبقى قصة مولانا وشمس وقواعد العشق الأربعون رواية معرفية ذات إسناد تاريخي يرويها محمد حسين بزي بلغة صوفية مكينة، نقرأها وتقرأنا داخل الرواية".

وإذا اعتدنا أن يشكل العنوان مدخلاً لقراءة الكتاب أو اقتراحاً مقدماً من الكاتب من أجل قراءة كتابه من بوابة العنوان، فإن محمد حسين بزي، في روايته "أيام مولانا وقواعد العشق الأربعون"، يعد قارئها بسَفر إلى عوالم جلال الدين الرومي، لكن القارئ سرعان ما يكتشف أن الكاتب يطوف به مدن فريد الدين العطار النيسابوري السبع، وإشراقات شهاب الدين السهروردي، وتجليات نجم الدين كُبرى، ومدارس الحكيم الترمذي، وفتوحات ابن عربي، وتلميذه صدر الدين القونوي، وفخر الدين الرازي، وغيرهم.  

يجري القارئ مسلسلاً قياده كما المريد لشيخه ميتاً بين الغسّال، مستمعتاً بخدر الكشف اللذيذ، متواطئاً مع المكيدة. وكان يعتقد أن أقصى ما يمكن لهذا الكاتب، المتخصص بشؤون التصوف والعرفان، أن يخاتله بتوقف إزاء محطة على أبواب قلعة الرومي، عنوانها شمس الدين التبريزي معشوق جلال الدين وأستاذه في العشق. لكن قلم الكلام لا يتوقف عند شمس الدين التبريزي، كالكاتبة التركية أليف شافاق، في كتابها "قواعد العشق الأربعون"، الذي تقتصر فيه على لقاء مولانا جلال الدين الرومي توأمه الدرويش، والطواف المذهل لشمس الدين التبريزي، وإنما يتجاوزها. فيجري قلمه غزيراً دسماً مفعماً بأحداث ووقائع تاريخية، أبرزها تاريخ قونية و بلخ - مسقط رأس الرومي - وأحوال الدولة الخوارزمية، وسيرة سلاطينها، متوقفاً ملياً عند الفظائع التي شهدها العالم الإسلامي من جراء الغزو المغولي.

يُدخلنا بزي مدرسة الحكيم الترمذي، فيورد قواعده العشقية، ويبدأ بالقاعدة الأولى، وهي الحب، تليها القاعدة الثانية، وهي مخالفة النفس، وهكذا إلى أن ينتهي عند القاعدة الأربعين، وهي ذكر "لا إله إلا الله"، وهي ثمرة عمره وذكر الأذكار وورد الأوراد "لتكن ذكراً لا تمله".

بعد مدرسة الترمذي، ندخل مع الرومي في جامعة التبريزي وهي جامعة، وأيّ جامعة؛ هناك حيث يكون لقاء الحبيبِ حبيبَه، والعاشقِ معشوقَه، فيهيم الرومي في أودية التبريزي، ومن هناك تبدأ قصة العشق التي لم يشهد لها التاريخ الصوفي والإنساني مثيلاً.

فـ"شمس الذي بنى عرفانه على القلب، كان يرى فيه أساس الارتقاء بروح الإنسان وسموها على الماديات، حتى تصبح مؤهلة للوصال مع الحضرة الإلهية، واستقبال جمال نورها، فلا شيء في الإنسان غير القلب يمكنه أن يحل محلها في أداء أمانة الاستخلاف في الارض". وشمس، الذي اشتُهر بكثرة أسفاره، لم يكن يستقر في بلد معين، ولم يُعرف له مكان إقامة دائم، بل كان دائم الحل والترحال، ولم يكن منتمياً إلى وطن يحنّ إليه، سوى البحث عن سر العشق الذي يسافر فيه المعشوق الأوحد إلى الله تعالى.

وفي صباح يوم السبت 26 من جمادى الآخرة عام 642 هـ، يصل إلى قونية فيلتقي مولانا الخارج لتوه مع مريديه من مدرسته في سوق القطن في موكب شمس النازل في سوق السكر. يقف مولانا بمحاذاة الموكب. يتوقف شمس إزاء مولانا ليسأله، من دون سابق مقدمات، سؤالاً يغشى عليه بعد الإجابة، ولا يفيق إلى أن يحمله تلامذة مولانا إلى دارته ليختلي به فيها أربعين يوماً في خلوة مستمرة ذات صوم وصلاة وتأمل ومناجاة وأسئلة واختبارات، بانت بعدها الرشحات، واتضحت طريق الحقيقة، واتحد العاشق بالمعشوق والطالب بالمطلوب، وبعدها لم يعد يُعرف من الشيخ ومن المريد.

ننتهي من قراءة "أحوال مولانا …"، فنكتشف أن كاتبه كان قبطاناً بحرياً يعرف كيف يمسك خرائطه ويحدد الاتجاه. وما أخطاؤه في الطريق سوى تغيرات في مواقع النجوم وأحوال السالك والطقس معاً. فكي تصل إلى مقام مولانا جلال الدين الرومي لا بد من عبور كل هذه المسافات، وتحمل مخاطر هذه المفاوز وطي تلك المقامات التي يبلغ عددها 21 مقاماً (مقام العرافة، مقام الكلام، مقام الفقد، مقام النجم، مقام شمس، مقام الاشراق، مقام الوداع...).

هذا الحشد من المقامات يشي بوعورة الطريق وتخبط السفينة في عرض بحار الأنواء، وتزاحم الأسماء والصفات في ذات النوتي المتشظية في فوضى عارمة، تدفع عارفاً كبيراً كالنفري إلى القول: "ليس ثمة طريق"، لكن عرّافة بزي، التي تتقن استنطاق النصوص الصوفية "على رسلك أيها الشيخ، هدئ من روعك يا عزيزي سأجيبك من فوري عن السؤال الذي يبرق في عينيك حد الدمع الطافح على وجنتيك.. أنا عرّافة البحر التي كانت يوماً عجوزاً على اليابسة، تعبر بالعاشقين في طريق الوصل إلى المحبوب…".