"استرجاع الأمل".. كيف رأى كتاب مصريون "طوفان الأقصى"؟

من الاحتفاء بالذكرى الخمسين لحرب أكتوبر 1973وصولاً إلى العبور الثاني الذي قاده الفلسطينيون من غزة. كيف رأى كتّاب مصريون ملحمة "طوفان الأقصى"؟

لا تتعجّب عزيزي القارئ إذا رأيت في مصر صورة قديمة لمحمد الدرة تزيّن جدار محل للحلاقة في شارع جانبي لا يأبه له المارة، فهذا هو العادي؛ أو إذا دخلت عشرات البيوت فوجدت صورة مسجد قبة الصخرة قاسماً مشتركاً بينها دونما اتفاق، بينما البسطاء يظنون أن الصورة هي للمسجد الأقصى، أو إن مررت بمغسلة اسمها الأقصى، أو "ماركت" اسمه القدس، فهذا هو العادي للشعب الذي احتفى بالعبور في أكتوبر مرتين، أولاهما في العام 1973 وثانيهما في غزة عام 2023. كيف رأى كتّاب مصريون ملحمة "طوفان الأقصى"؟

***

أسامة الرحيمي: أن تكون غريباً عن الأرض قريباً إلى السماء

يرى الكاتب المصري أسامة الرحيمي أن "للعبور تجليات كثيرة، منها التاريخي والتراثي والعسكري، والمجازي أيضاً، وله أثر في التاريخ المصري القديم حيث اختلط بمفهوم ديني لدى اليهود، حول خروجهم من مصر (وفق تراثهم)، وعبورهم سيناء، أو كما أسموه الخروج، وعُرفوا بالعبرانيّين". 

وربط الرحيمي في حديثه إلى "الميادين الثقافية" بزوغ العبور حديثاً باجتياز الجيش المصري لقناة السويس، وتحصينات خط بارليف على الضفة الشرقية الذي روَّج له الصهاينة بأنه لا يُقهَر، حتى أنهم توعَّدوا المصريين بشيِّهم كالسمك في مياه القناة إذا فكّروا بالاقتراب من خط بارليف. 

ولفت صاحب "بوح المبدعين" إلى أن "الأهم من العبور هو ما توافق فيه المجاز والحقيقة، وقطع المسافات من غيوم الأحلام إلى بهاء الواقع، وفضّ أوهام الخوف بشجاعة الفعل، والضعف بالتصميم، وإحالة الأمل إلى ثمار ناضجة في قبضة صاحب الحق".

ويجزم الصحافي في مؤسسة "الأهرام" بأن مجمل هذه المعاني ينطبق على بسالة المقاومة الفلسطينية ضد الكيان الصهيوني؛ حين "عبرت" هوان رد الفعل إلى المبادأة، وخوف المغلوب إلى جسارة القوي الهادر، فبات المستضعف صاحب اليد الطولى والأعلى، إنه عبور بمختلف معاني الكلمة في اللغة والتاريخ والتراث والمجاز والواقع". 

محمد الزلباني: العبور.. بساطة الأفكار واسترجاع الأمل

عن مفهوم العبور بين أكتوبر 1973 وأكتوبر 2023 سعينا في "الميادين الثقافية" أن نتوقّف عند الجسور التاريخية والنفسية بين العبورين. ولذلك طرحنا ما جرى على الصحافي المصري محمد الزلباني الذي قال إن "معظم النار من مستصغر الشرر"، فإن كانت فكرة بسيطة كخراطيم المياه، قد ساعدت المصريين على إزالة الساتر الترابي، ومن ثم يتم العبور، فالفلسطينيون فعلوها بعد 50 عاماً بفكرة أكثر بساطة، وهي المركبات الشراعية، التي طارت بها مجموعة المظليّين، وهبطوا بها داخل مستوطنات الغلاف، مُتخطّين كل الحواجز الإسرائيلية.

يرى الزلباني أن هناك وجه شبه آخر، يظنه هاماً، ورغم أنه قد يبدو معنوياً في ظاهره، ألا وهو التوقيت، ذلك أن "كلا العبورين جاء في توقيت فقدَ فيه الكثيرون الأمل. أكتوبر المصريين جاء بعدما ظل الشعب يحثّ السادات، منذ أول يوم تولّى فيه السلطةـ على اتخاذ قرار الحرب، وعاش المصريون آنذاك قرابة 3 سنوات عُرِفت بفترة اللا سلم واللا حرب". 

ويضيف: "ما جرى الآن في أكتوبر فلسطين مشابه لذلك، فربما تكون العملية الأخيرة لم تأتِ بالنصر المأمول؛ لكنها استطاعت أن تُحيي قضية ربما ظن البعض بأنها باتت في طي النسيان، حين غطّت عليها أحداث سياسية أخرى، مثل الحرب في أوكرانيا، والنزاعات في السودان وسوريا وليبيا، ناهيكَ بالأزمات الاقتصادية التي شَغَلَتْ غالبية الدول العربية، فتقوقعت على ذاتها".

خالد البوهي: العالم يساندنا ونحن لا نساند أنفسنا!
 

لأنّ الواقع لن يتغيّر من دون الانتباه إلى أهمية القوى الناعمة، يرى الكاتب والباحث المصري خالد البوهي أن "قوانا الناعمة كانت تستطيع أن تحدث توازناً عالمياً لو اهتمت بأن تخاطب غيرها، لكنها اكتفت بمخاطبة نفسها وحدها بفيلم أو أغنية أو قصيدة!". 

والبوهي هنا إنما يتحدث عن لوبي لم نجده برغم كثرة جالياتنا في أوروبا وأميركا، وكثرة الكفاءات ووفرة المال العربي، ويقول "أتحدث عن عبور غائب لقوانا الناعمة. في الأحداث الأخيرة رأينا تضامناً من جماهير سيلتك الاسكتلندي ولاتسيو الإيطالي، ولم تكن هذه هي المرة الأولى التي يتضامن فيها الناديان مع القضية، فهل قدّمنا لهما شيئاً؟ هل قمنا بمؤازرتهما ولو بمجرد (لايك) على صفحاتهما؟ هل قامت اتحاداتنا العربية باستضافتهما؟ قد تكون النتيجة أن يشعرا بخسارة العالم من أجلك بلا مقابل، ويقال لغيرهما لن يدعموك بعد أن نلفظك! شاهدنا إيطاليا وقد فاجأت الدنيا بإهداء كأس 1982 لفلسطين، ولم نقدّم لها شيئاً!". 

ويكاد البوهي أن يفقد صوابه وهو يرصد دعم بوفون وكانتونا وغيرهم من اللاعبين العالميين لقضية فلسطين العادلة من دون أن نقدّم لهم شيئاً، ويرى "أننا بسلبيتنا نقول إننا لن ندعم من يدعمنا، فأين المال العربي والجوائز العربية والتكريمات العربية؟ والأمر نفسه ينطبق على السينما، فلن تجد فيلماً عربياً يخاطب الآخر على غرار (البيانست)، ولن تجد تكريماً لواحد مثل مارلون براندو الذي لم نمنحه جائزة، ولم نجعله ضيفاً لمهرجان برغم تضامنه مع قضايانا. فتركناه مُهمّشاً بائساً".

لينا النابلسي: الأحلام بحاجة فقط لبعض الوقت لتتحقق 

أما الروائية المصرية لينا النابلسي فترى أن الدرس المستفاد هو أن "الحلم حاضر مهما ظنّنا أنه خبا، وهو ما أثبته الفلسطيني في الـ 7 من تشرين الأول/أكتوبر 2023، جاء حين أعاد قبلة الحياة لقضية ظننا أنها أصبحت مجرد شعارات وطنية وعربية يُخرِجها الناس في المناسبات كالنياشين لتزيّن المشهد". 

وترى صاحبة رواية "قلب مستعمل" أنه "يحقّ لنا جميعاً أن نحلم بالصلاة في الأقصى وكنيسة القيامة؛ لكن إن كان عبور 2023 عبوراً من ظلام الذاكرة إلى النور، ومن جانب الدفاع إلى جانب الهجوم، ومن رد الفعل إلى الفعل؛ فقد حقّق الفلسطينيون نصراً عظيماً يستحق أن يخلَّد".

لذلك؛ فإننا في "الميادين الثقافية" ندرك أن حضور فلسطين في إبداعات نجيب محفوظ وبهاء طاهر وخيري شلبي وعبد الرحمن الأبنودي وبيرم التونسي وأمل دنقل وصلاح عبد الصبور وغيرهم من عشرات الأدباء، لم يكن أبداً مجرد مصادفة، أو من باب رفاهية التعبير، بل كان تعبيراً عن رسوخ القضية الفلسطينية في الوجدان العربي؛ وهو ما انعكس في تفاعل المبدعين المصريين والعرب على منصات التواصل الاجتماعي مع عبور أبطال غزة إلى داخل الأراضي المحتلة، وما حقّقه "طوفان الأقصى" حتى اليوم على جميع الصعد.

في السابع من تشرين الأول/أكتوبر 2023 أعلنت كتائب القسام معركة "طوفان الأقصى"، فاقتحمت المستوطنات الإسرائيلية في غلاف غزة، وأسرت جنوداً ومستوطنين إسرائيليين. قامت "إسرائيل" بعدها بحملة انتقام وحشية ضد القطاع، في عدوانٍ قتل وأصاب عشرات الآلاف من الفلسطينيين.