الكسكس الإسرائيلي والسطو على التراث المغاربي

ليس الصراع حول نسبة الكسكس أمراً هامشياً. إذ يخفي نزعة الاستئثار التي تطبع بها "شعب الله المختار" الذي يعتقد أن كل حركات وسكنات أسلافه مقدسة دوناً عن باقي البشر.

عبثاً يحاول أنصار التطبيع مع الكيان الإجرامي العبري في المغرب أن يبحثوا عن قواسم مشتركة معه، حتى يبرروا سلسلة الاتفاقات التي يصعب حصرها معه والتي صعدت من مستوى الاختراق الصهيوني للبلاد، حتى أصبح المغرب الرسمي فعلياً في جيب صانع القرار الإسرائيلي.

ومن الأوراق المعتمدة لديهم ورقة مغاربة "إسرائيل" الذين يعدونهم لوبي عالمياً نافذاً يحرص على الدفاع عن مصالح البلاد السياسية، ويزعمون وجود روابط ثقافية عميقة معهم، بل وقد تحولوا في نظرهم إلى سفراء للثقافة المغربية في العالم.

الفكرة ساذجة، لكن كثافة التوجيه الدعائي لها جعلتها تحتل الفضاءات الإعلامية المتاحة أمام المغاربة وتؤثر في بعضهم، مستثمرة حاجة الإنسان المغربي المحبط بفعل أوضاعه المعيشية المزرية إلى التقدير والاهتمام بما لديه والذي يراد له أن يقتنع، في غياب إنجازات تنموية حقيقية في التعليم والصحة والبحث العلمي، بأن طقوسه التي يمارسها كل يوم هي في حد ذاتها إنجاز وتستحق أن يحتفى بها على أوسع نطاق.

 فبعد أن كثر النصابون ومرتزقة التواصل الاجتماعي من جنسيات مختلفة، والذين اكتشفوا نقطة الضعف تلك فجنوا أموالاً طائلة من إغراق المغاربة بالمجاملات الإلكترونية، حرص الصهاينة بدورهم على استثمار هذه الجزئية فقدموا شخصيات ما زالت ذاكرتهم تحتفظ ببعض المفردات المغربية العالقة من زمن غابر لاستخدامها من أجل التواصل مع المغاربة يرطنونها بلكنة عبرية مكسورة، الشيء الذي أبهر ضعاف الشخصية المنسحقين أمام الآخر. كما أبهرهم أن هناك من يأكل الكسكس والطاجين ويستمع للطرب الأندلسي مثلهم لتكون هذه هي الحجة الوحيدة المعتمدة ليثبتوا عمق الروابط معهم. 

لا ننكر أن الإنسان قد ينجذب أحياناً إلى الآخر الذي يشترك معه ولو في بعض التفاصيل. لكن، ماذا لو اكتشف أن ذلك الآخر يسرق منه ذلك المشترك أو ينسبه إلى جهة أخرى، خصوصاً إن كان من يفعل هذا في الأساس كائناً طفيلياً عاش معه لقرون على هامش الهامش، ثم سطا على كل إرثه. وهذا ما يحدث لـــ "سفراء المغرب" المزعومين في الكيان المحتل، حيث نقلوا كل الموروث المغاربي في الفن والطبخ والعمارة وصبغوه بالأبيض والأزرق، بما في ذلك الكسكس الذي بات أكلة إسرائيلية، في تدليس في وضح النهار على أشهر طبق مغاربي.

وتلك عادة دأبت عليها كل طوائف وفئات اليهود المحتلين لأرض فلسطين الذين نقلوا تراث البلدان التي أتوا منها وفلكلورها الشعبي، وزعموا أنهم هم من ابتدعوه ثم جعلوا دولتهم الفقيرة ثقافياً تتبناه، بل بلغت الوقاحة مداها أن قاموا بسرقة تراث أهل المنطقة الأصليين، وهكذا أصبحت الفلافل والدبكة وغيرهما جزءاً من مكونات الهوية الإسرائيلية. 

الواضح أن الخطاب الدعائي الموجّه غير الحقيقة، فالصهاينة الذين يأتون لمغازلة المغرب لا يفعلون ذلك فيما بينهم ولا يرون أن المغاربة كانوا متسامحين معهم في التاريخ الذي عاشوه معهم. كما لم يشعروا في السابق بأي ولاء لبلدهم الأصلي وهم فيه، وقد ناصروا المحتلين الفرنسي والإسباني ضده، فكيف ينتظر من أجيالهم الجديدة التي لا تعرف البلاد أن تتعلق بالمغرب، فيما هي منخرطة بحماسة في الدعاية الصهيونية وملخصها أنه لم يوجد مكان آمن لليهود ولن يكون إلا في "أرض ميعادهم".

وما ملف الوحدة الترابية إلا دليل على أن الرهان عليه لحفظ مصالح المغرب مجرد أضغاث أحلام بعد أن حولها الصهاينة إلى ورقة لابتزاز المغرب، وقد كانت صورة نتنياهو الشهيرة أمام خريطة المغرب المبتورة تعبيراً على أن القوم ليسوا في وارد حلحلة هذا الملف.

نعتز بموروثنا الثقافي بلا أدنى شك. لكننا نرفض أن يكون بوابة للتواصل مع عصابات سرقت أرض غيرها وما زالت تمعن في تقتيل أهلها. فكما لم يلتفت أحد إلى الدواعش المغاربة في كيانهم في أجزاء من الشام ومن العراق رغم أنهم حديثو العهد في المغرب، فيجب أن نعتبر الصهاينة من أصل مغربي في وضع مماثل على الأقل. كما نستغرب من ذلك الاحتراب المغاربي الطاحن حول نسبة هذا الموروث إلى بقعة جغرافية على حساب أخرى داخل  النسيج المجتمعي نفسه، في الوقت الذي يتغاضى المطبع المغربي  عن السرقة مكتملة الأركان له من طرف دويلة طارئة. 

ليس الصراع حول نسبة الكسكس أمراً هامشياً. إذ يخفي نزعة الاستئثار التي تطبع بها "شعب الله المختار" الذي يعتقد أن كل حركات وسكنات أسلافه مقدسة دوناً عن باقي البشر، حيث يصبح كل شيء لمسته أيدي الأجداد أو وطأته أقدامهم في ملكهم، بل حتى الهواء الذي اختلط بأنفاسهم يصبح هواء عبرياً، والطعام الذي تناولوه يوماً ما كذلك. وهو ما يفسر خطوة قَنْبَلَةِ البلاد بالمزارات اليهودية والنفوذ المتعاظم الذي باتوا يحظون به في البلاد، بما يكشف عن نياتهم الحقيقية الرامية إلى جعل المغرب ملحقاً بكيانهم وليس العكس.