تشومسكي ونقد الليبرالية الجديدة والنظام العولمي

الكتاب تحليل دقيق لليبرالية الجديدة كنموذج سياسي واقتصادي، للسياسات التي تتيح لحفنة من الشركات الخاصة، السيطرة على أكبر حيز ممكن من الحياة الاجتماعية في جميع بلدان العالم.

  • كتاب
    كتاب "الربح فوق الشعب: الليبرالية الجديدة والنظام العولمي" للمفكر نعوم تشومسكي.

يحكي كتاب "الربح على حساب الناس" للمفكر الأميركي نعوم تشومسكي (الصادرة ترجمته عن دار التنوير) قصة الهيمنة الجشعة للشركات العملاقة على مقدرات الشعوب. ويحكي قصة التلاحم بين الحكومات وتلك الشركات والسعي الدؤوب لزيادة أرباح القلة الغنية على حساب الأكثرية. 

الكتاب تحليل دقيق لليبرالية الجديدة كنموذج سياسي واقتصادي، للسياسات والعمليات التي تتيح لحفنة من الشركات الخاصة، السيطرة على أكبر حيز ممكن من الحياة الإجتماعية في جميع بلدان العالم، بما فيها بلداننا العربية، لمصلحة كبار الأغنياء المستثمرين، ولأقل من ألف من الشركات الكبرى. 

الكتاب دراسة للعولمة وآلياتها وعواقبها السياسية والإقتصادية، ولما ينتظرنا مما تعده الولايات المتحدة الأميركية - المزيد من الفقر والتخلف والتبعية وعدم الإستقرار.

قراءتي لهذا الكتاب قسّمتها الى قسمين:

القسم الأول: إن تشومسكي يكذّب أسطورة السوق الحرة التي يتغنى بها مؤيدو الليبرالية الجديدة، فيقولون إن الحكومات والمؤسسات غير كفوءة لابد من تقييدها كي لا تلحق ضررا بالسوق ”الحرة. ويرد تشومسكي على ذلك بأن الحكومات الحالية أمر مهم ومركزي بالنسبة "للنيوليبرالية" لأنها تدعم الشركات بسخاء ويدلل على ذلك بظهور اقتصاد السوق العولمي (العولمة) الذي يتم تقديمه على أنه توسع طبيعي للأسواق الحرة عبر الحدود. ولكن العولمة نتاج ضغوط تمارسها الحكومات القوية ولاسيما الولايات المتحدة على شعوب العالم لتحقيق صفقات تجارية واتفاقات تسهل هيمنة الشركات العملاقة على الاقتصاديات حول العالم من دون أن تلتزم بأية واجبات تجاه شعوب تلك الأمم. 

وليس ثمة مكان تبدو فيه العملية أكثر وضوحاً منها في تأسيس منظمة التجارة العالمية في أوائل تسعينات القرن العشرين، والآن في المناقشات السرية الدائرة حول الاتفاقية المتعددة الأطراف الخاصة بالاستثمار المسمى بـMAI.

أما القسم الثاني: هو أهمية تحليل تشومسكي للنظام العقائدي في الديمقراطيات الرأسمالية في ظل انتفاء إمكانية الخوض في مناقشات وحوارات صادقة وصريحة حول الليبرالية الجديدة. إن انتقاد تشومسكي للنظام الليبرالي الجديد يعتبر عمليًا من المحرمات بالنسبة للتحليل الرئيسي المتداول في وسائل الإعلام التابعة للشركات الكبرى والأيديولوجيين من الأكاديميين والثقافة التي تلعب كلها دورًا مركزيًا في توفير "الوهم الضروري" لجعل هذا الوضع الذي لا يطاق يبدو منطقيًا وكريمًا بل وضروريًا.. 

تعقيباً على هذا الكلام، يقول "ماكشيسني" إنه بالرغم من شعور منتقدي الليبرالية بأن الوضع صعب التغيير إلا أن أعظم مساهمات تشومسكي قد تكون إصراره وتأكيده على النزعات الديموقراطية الأساسية لشعوب العالم وعلى الطاقات الثورية الكامنة. ويهاجم تشومسكي رسالة الليبرالية الجديدة الأشد جهورية وهي الزعم بعدم وجود بديل للوضع الراهن وبأن الإنسانية قد وصلت لأعلى قممها. ولكن تشومسكي يشير إلى أنه سبق وأن صنفت مراحل عدة أخرى على أنها "نهاية التاريخ".

 في البداية يحلل تشومسكي إصطلاح "الليبرالية الجديدة" الذي يدل على أنه نظام مبني على الليبرالية الكلاسيكية الذي يعتبر آدم سميث القديس الراعي لها، ولكنه ينكر ذلك لأن الفرضيات الأساسية "للنيوليبرالية" أبعد ما تكون عن تلك التي حركت التقليد الليبرالي منذ التنوير. ويقول إن هذا النظام أيضًا يسمى "إجماع واشنطن" وقوانينه الأساسية باختصار:

تحرير التجارة والتمويل، السماح للسوق الحر بتجديد الأسعار، إنهاء التضخم المالي، الخصخصة (انسحاب الحكومة والشعب أيضًا بما أن الحكومات ديمقراطية) ويأتي بانتقاد آدم سميث لما يعرف "بالمصلحة الوطنية" لأنها من وجهة نظره خدعة إلى حد كبير لأنه في صفوف الأمة توجد مصالح متناحرة. ويتعين علينا من أجل فهم السياسة وتأثيرها أن نسأل (أين تكمن السلطة وكيف تتم ممارستها) والذي أصبح فيما بعد يعرف بالتحليل الطبقي، وعلى هذا الأساس حدد تشومسكي المهندسين الأساسيين لإجماع واشنطن الليبرالي الجديد وهم الشركات العملاقة.

بما أن جني الأرباح هو جوهر الديمقراطية، فإن أي حكومة تنتهج سياسات معادية للسوق، هي حكومة معادية للديمقراطية، بغض النظر عن حجم التأييد الواعي الذي قد تتمتع به. لهذا فمن الأفضل حصر الحكومات في مهمة حماية الملكية الخاصة وفرض الاتفاقات، وقصر النقاش السياسي على الأمور الثانوية. أما الأمور الحقيقية المتعلقة بإنتاج وتوزيع الموارد والتنظيم الاجتماعي يجب أن تقررها قوى السوق.

النظام الليبرالي الجديد قد يصبح له نتاج هام وضروري وهو مواطنون غير مسيّسين يتسمون باللامبالاة والريبة. وبذلك أصبحت الليبرالية الجديدة بدلًا من أن تنتج مواطنين، تنتج مستهلكين، وبدلًا من إنتاج مجتمعات، تنتج أسواقًا ومراكز تجارية، ويقول إنه باختصار أن الليبرالية الجديدة هي العدو الأول المباشر للديمقراطية الانتخابية الحقيقية، ليس في الولايات المتحدة فحسب بل في المعمورة جمعاء.