ثلاثة كتب جديدة للباحث المغربي عبد القادر لقاح

الباحث المغربي عبد القادر لقاح يصدر ثلاثة كتب جديدة عن "دار الولاء" في بيروت.. ما هي هذه الكتب؟ وماذا تناقش؟

ابستيمولوجيا الدرس اللغوي في التراث العربي: القوة التفسيرية والكليات اللسانية

  • ثلاثة كتب جديدة للباحث المغربي عبد القادر لقاح

يسعى الباحث عبد القادر لقاح في هذا الكتاب إلى استكشاف الأسس الابستيمولوجية للنظرية اللغوية العربية، والفرضية الأساس التي يعتمدها الكتاب هي أن النظرية النحوية العربية ربطت بين اللغة بوصفها خصيصة إنسانية وبين العقل، الأمر الذي يترتب عنه أن القواعد الكلية في النظرية النحوية العربية نوعان: 

- قواعد كلية خاصة بالعربية استنبطها النحاة من استقراء كلام العرب.

- قواعد كلية ليست خاصة بالعربية بل تنطبق على سائر اللغات. 

وهذا في رأي المُؤلف يؤكد أن النظرية النحوية العربية تقف على طرفيْ نقيض مع النزعة الوضعية التي سادت فترة من الزمن والتي يسميها (التجريبوية الساذجة) والتي اكتسحت عدة مجالات معرفية منها الفلسفة وعلم اللغة.

وقد قسّم المؤلف كتابه الى توطئة عامة يليها بابان: الباب الأول بعنوان: قضايا نظرية، وتحته ثلاثة فصول، والباب الثاني بعنوان: كليات دلالية ونحوية وتحته فصلان، فصل خاص بالكليات الدلالية وفصل خاص بالكليات النحوية.

وأشار المؤلف في الباب الأول إلى أن العلم  هو الذي لا يكتفي بالعلة الصورية (كيف الشيء) كما ذهب إلى ذلك الوضعيون ومنهم بعض الدارسين العرب (تمام حسان وأنيس فريحة ومهدي المخزومي .....)، بل هو الذي يمتلك القوة التفسيرية، إذ من دون القوة التفسيرية يصبح البحث عبارة عن جرد اصطلاحي لا أكثر، كما قال نعوم تشومسكي في حوار أجراه معه المؤلف (منشور بمجلة " اللسان العربي عدد 47)، وقد عرض المؤلف لبعض الاتجاهات في فلسفة العلم، ونبّه إلى أهمية نظرية فيلسوف العلم كارل بوبر (العقلانية النقدية) التي قامت على أنقاض النزعة الوضعية، حيث نبه بوبر على أن النظرية العلمية هي التي تمتلك قوة تفسيرية للمعطيات، وأن النظرية العلمية تبدأ بالفرضية لا بالملاحظة، لأن الملاحظة لا يمكن إلا أن تكون موجهة نظرياً theoretically oriented ، وليس هناك ملاحظة خارج النظرية.

كما تناول المؤلف مفهوم القوة التفسيرية في علم اللغة المعاصر، وبَيَّن أن علم اللغة المعاصر ينقسم إلى اتجاهين كبيرين: اتجاهٍ بنيوي ذي نزعة وضعية واتجاهٍ عقلاني تجلى مع ظهور نظرية النحو التوليدي مع تشومسكي، وفي ضوء ما سبق عرضه بَيَّن أن الاتجاه البنيوي لم يقدم نظرية علمية قادرة على تفسير المعطيات وردها إلى أصولٍ كلية، وأن النزعة (التجريبوية الساذجة) جعلته يقع في آفة الموضعية (ad hoc) حيث تتشعب القواعد الجزئية وتغيب القواعد الكلية ذات القوة التفسيرية العالية.

وهذا ما استدركه تشومسكي الذي أفاد من الفلسفات القديمة (وبخاصة فلسفة ديكارت) وأحيا من جديد التقاليد النحوية القديمة (النحو العربي والنحو العبري الذي يعد محاكاة حرفية للنحو العربي، وهذا أمر معروف)، وميّز بين الكفاية الوصفية والكفاية التفسيرية في النظرية اللغوية، حيث التفاضلُ بين النظريات يتصل بالكفاية التفسيرية، وربط بين اللغة والعقل باعتبار اللغة مرآة للعقل، وتحدث عن الكليات النحوية التي تخضع لها سائر اللغات، وافترض أن النحو الكلي يولد مع الإنسان وأنه توجد منطقة في الدماغ خاصة بالنحو الكلي، وداخل هذا التصور فالتنوع الحاصل في اللغات محدود جداً ويمكن تفسيره من خلال مفهوم (المبادئ والوسائط  principles and parameters )، وقدم المؤلف أمثلة توضح ذلك.

ثم عرض المؤلف لتجليات القوة التفسيرية في التراث اللغوي العربي من خلال: 

أ - ربط اللغة بالعقل. 

ب - العلة الغائية للظواهر اللغوية. 

ج- ربط اللغة بمقاصد المتكلمين. 

د- اللغة ومراتب الوجود.

 إشكالية المعنى الحرفي: الوجود الرابط 

في هذا الكتاب يتناول لقاح إشكالية المعنى الحرفي عند فلاسفة الحكمة المتعالية والنحاة وعلماء الوضع، والإشكال يبدأ من تعريف الحرف الذي وقع خلاف فيه، بل امتد الخلاف إلى فهم عبارة سيبويه في حد الحرف، وهي قوله: (والحرف ما جاء لمعنى ليس باسم ولا فعل).

وأكد المُؤلف أن تعريف سيبويه متشابه وحمال أوجه، وقد اختلف العلماء في توجيه عبارته، فمنهم من فهم منها أن المقصود هو أن الحرف ما دل على معنى في غيره، وهذا رأي الجمهور ومنهم من فَهِمَ منها أن الحرف يدل على معنى في نفسه كالاسم والفعل ولكنه يحتاج إلى ضميمة، وهو مذهب بهاء الدين النحاس، ومنهم من وجّهها توجيهاً طريفاً بأن جعل المقصود منها أن الحرف يدل على معنى واحد خلافاً للاسم والفعل، وهو رأي جامع العلوم علي بن الحسين الباقولي الأصبهاني.

وقد سعى المؤلف إلى إعادة النظر في المسألة مستعيناً بمباني فلسفة الحكمة المتعالية وبعلم الوضع، واقترح أن تكون فلسفة الحكمة المتعالية الأساس الفلسفي والمعرفي لفهم المسألة، كما استعان بأدبيات علم الوضع، ولهذا الغرض جرى تقسيم الكتاب إلى ثلاثة أبواب: باب عن المعنى الحرفي في فلسفة الحكمة المتعالية، وباب عن المعنى الحرفي عند النحاة، وباب عن المعنى الحرفي عند علماء الوضع.

فلسفة المعنى الحرفي عند الإمام الخميني

اهتم الأصوليون الإمامية بالمعنى الحرفي وكانت لهم نظرات ثاقبة في هذا الشأن، والذي يجمع بينهم أنهم أسسوا أنظارهم اللغوية على مقدمات فلسفية ومعرفية، وهذا ما يجعل مقارباتِهم للموضوع جديدةً بالقياس إلى غيرهم. فهم غاصوا في حقيقة المعنى الحرفي من عدة جوانب: فهل ثمة فرق بين المعنى الحرفي والمعنى الاسمي؟ وإذا لم يكن ثمة فرق فلماذا لا يجوز استعمال المعنى الاسمي حيث يُستعمل المعنى الحرفي؟ وهل الحرف مستقل بالمفهومية أم غير مستقل؟ وهل الحروف إخطارية أم إيجادية أم أن بعضها إيجادي وبعضها إخطاري؟

وقد تعددت وجهات نظر الأصوليين في هذا الشأن، وكثر الجدل بينهم، واستدرك بعضهم على بعض.

الكتاب محاولة لفهم مذهب الإمام الخميني في المعنى الحرفي الذي يرى المؤلف أن المدخل الأساس لفهم ذلك هو طبيعة المرجعية الفلسفية للإمام الخميني وهي مدرسة الحكمة المتعالية، لذلك أفرد الفصل الأول للمرجعية الفلسفية للإمام الخميني، وجعل الفصل الثاني لموقف الإمام الخميني من مختلف مذاهب الأصوليين في المعنى الحرفي، حيث عرض نقده واستدراكاته عليهم.

أما الفصل الثالث فأفرده المؤلف لاختيارات الإمام الخميني في المعنى الحرفي، وخص الفصل الرابع لـــ "ألفاظ الإشارة والضمائر والموصولات عند الإمام الخميني" وأوضح المؤلف أن الإمام له نظرية جديدة في هذا الشأن.