جون كيربي المرهف الحساس

يترافق كلام كيربي مع حركات تمثيلية بوجهه الممتقع لكي يحرك مشاعر الجمهور ويستنفر ثائرته، ما يؤكد أن كيربي كان بإمكانه أن ينجح في مجال "الدراما التركية" لو لم تسرقه السياسة من عالم الفن. 

  • جون كيربي
    جون كيربي

ظهر منسق مجلس الأمن القومي للاتصالات الاستراتيجية في البيت الأبيض جون كيربي متأثراً عند الحديث عن القتلى والأسرى الإسرائيليين، في فيديو انتشر بشكل كبير مؤخراً على شبكة الإنترنت، وقام بالبكاء على الهواء مباشرة خلال مقابلة أجراها معه جايك تابر على قناة "سي إن إن".

بدأ المقدم تابر بوصف الصور "الفظيعة" التي شاهدها، بما في ذلك "الأطفال والنساء الذين تم أسرهم من قبل حماس"، والشابات اللواتي ظهرن بدماء على ملابسهن ويُرجّح أنهن تعرضن للاغتصاب على حد قول تابر، (وهو يستبعد هنا أن تكون  هذه الدماء نتيجة جراح عادية جراء الهجوم، لا بد أن مقاتلي حماس المحرومين عاطفياً قد أوقفوا عملياتهم العسكرية الدقيقة لبضع دقائق لاغتصاب الفتيات). 

يستخدم تابر كلمة "مروعة" لإثارة عواطف الجمهور، ويعبّر عن صدمته ويشارك ردّة فعله الشخصية مع المشاهدين بالقول إنه لم ير مثل هذا الشيء من قبل، (أي أنّ هذا فعل متوحش لم يحدث له مثيل في التاريخ، ولم يخطر في بال أحد  أن يقوم بهذه الأفعال الشائنة منذ ظهور إنسان النياندرتال حتى الآن، وهذا يدلّ على الأصالة والإبداع اللذين تتحلّى بهما حماس في مجال الشرّ المطلق وفقاً لتعبير الرئيس الأميركي شخصياً).

ويبدو أنّ تابر لم يسمع أو يشاهد ما فعله الجنود الأميركيون في العراق على سبيل المثال لا الحصر،  حيث اغتصبوا ونكلوا بالرجال والنساء على السواء وربما بالحيوانات أيضاً، والصور الشهيرة لسجن أبو غريب ما زالت محفورة في الذاكرة العربية (لكنهم كانوا يمزحون حينها مع الشعب العراقي والدليل الابتسامات التي كانت بادية على محياهم وهم يهينون الأسرى).

أما كيربي فقد تلعثم في البداية وظهر كأنه غير قادر على الكلام بسبب تأثره الشديد لهذه "المصيبة" التي حلّت بــ "الأمّة الإسرائيلية"، ما يشير إلى أن الصور التي تم وصفها تؤثر عليه بشكل عميق ولا يوصف، لدرجة أن دموع التماسيح اندفعت إلى عينيه للتعبير  عن استجابته العاطفية (منك لله يا حماس).

يعتذر كيربي لعدم قدرته على الرد، ما يمكن تفسيره كنوع من طلب التفهم والتسامح من الجمهور بسبب تجاوزه أعراف منصبه التي تتطلّب منه الهدوء والحياد وتمالك النفس. يُسلّط كيربي الضوء على الجانب الإنساني للضحايا بالقول إنهم أشخاص لديهم أسر  وأصدقاء وأقرباء محاولاً إثارة التعاطف لدى الجمهور (في حين أن الفلسطينيين هم كائنات فضائية مقطوعة من شجرة أو شيطانية هاربة من الجحيم)، ويعبّر أيضاً عن اضطرابه الشخصي إزاء الوضع مؤكداً  صعوبة الحديث عن الأمر (أي أنه لا يجد مصطلحات لغوية كافية للتعبير عن هول مشاعره).

طبعاً، يترافق هذا الكلام مع حركات تمثيلية بوجهه الممتقع لكي يحرك مشاعر الجمهور ويستنفر ثائرته، ما يؤكد أن كيربي كان بإمكانه أن ينجح في مجال "الدراما التركية" لو لم تسرقه السياسة من عالم الفن. 

يكرّر كيربي اعتذاره ما يشير مجدداً إلى تأزم حالته العاطفية وقلقه بشأن الوضع الخطير.  وكان كيربي قد أشار في وقت سابق إلى الإجراءات التي اتخذتها الولايات المتحدة للعمل على ضمان أن يكون لدى "إسرائيل" وسائل الدفاع اللازمة ضد "الهمجيّة الفلسطينية"، و يحرص على التأكيد أن واشنطن قد قدّمت لحليفتها "المظلومة"، مساعدة الخبراء لتحرير الرهائن.

ويستخدم  المسؤول الأميركي هنا أفعالاً كلامية إخبارية لاطلاع الجمهور على التدابير الملموسة والمساعدات التي اتخذتها السلطات الأميركية في هذا السياق لإنقاذ حبيبة قلبها "إسرائيل" وطمأنتها، خاصة أنّ لديها خبرة وباعاً طويلاً في مجال التعامل مع "الإرهابيين".

وقد أعاد هذا الفيديو  إلى أذهان المشاهدين فيديو مماثلاً لجون كيربي ظهر فيه في شهر نيسان/أبريل 2022 متأثراً بشدّة بسبب الحرب الروسية –الأوكرانية ومستهجناً "وحشية" الروس ضد حلفائه الأوكرانيين، وهذا إن دلّ على شيء فعلى رهافة إحساس كيربي ودمعته "السخيّة" و"تعاطفه الإنساني العميق" مع "المضطهدين" في جميع أنحاء العالم.

 

في السابع من تشرين الأول/أكتوبر 2023 أعلنت كتائب القسام معركة "طوفان الأقصى"، فاقتحمت المستوطنات الإسرائيلية في غلاف غزة، وأسرت جنوداً ومستوطنين إسرائيليين. قامت "إسرائيل" بعدها بحملة انتقام وحشية ضد القطاع، في عدوانٍ قتل وأصاب عشرات الآلاف من الفلسطينيين.