خروج عن الصف: إيلي فيليب شحادة يختار البحر

اختار الفنان اللبناني إيلي فيليب شحادة، البحر لتحقيق غاياته، لأنه ليس سوى البحر يحتمل الإمكانات المتمددة والمنفتحة المنطلقة بكل اتجاه من دون عوائق.

في معرضه Mare Nostrum (خروج عن الصف) المقام حالياً في غاليري "تانيت" في بيروت، اختار الفنان اللبناني إيلي فيليب شحادة، البحر لتحقيق غاياته، لأنه ليس سوى البحر يحتمل الإمكانات المتمددة والمنفتحة والمنطلقة بكل اتجاه من دون عوائق، محفّزاً نحو الانخطاف إذا شاء له سبيلاً.

شحادة فنان مخضرم، اختبر تخصّصه على مدى سنين طويلة، وكلّما تعمّق في التجربة، ملك زمامها، وسيطر عليها، وتلاعب بها وفق تطوراته الشخصية. وكلما أبدع الفنان في اختباراته، قدّم الجديد، وتمكن من رسم خطه، ووجهته، مبتعداً بالتدريج عن القوانين الأكاديمية، واتّخذ لنفسه مسارات فيها الكثير من الحرية والتغيير.

في هذا الإطار، يمكن تلمّس منهج شحادة في أعمال معرضه. فلا اللوحات كلاسيكية، ولا انطباعية، ولا رمزية. هي تعبيرية مبسّطة تُظهر الصيف بانطلاقه، والبحر بسلاسته، بغياب الامواج العاتية، والناس يتفاعلون مع مياهه بتعبيرية واقعية، مبسّطة، كأنه هو في البحر، يتحسس برودة مياهه الملطّفة بأشعة الشمس. وتمضي الأجساد مُقارِعة المياه، والزنود غير المفتولة، تتحايل على حركة المياه بطلاقة، كأن اللوحة متحركة والحركة فيها قائمة بلا توقف. 

رواد البحر يركبون الزوارق، وهبوب الريح الخفيفة تتلاعب بأشرعتهم، وبشعورهم المتناثرة تحت الريح، ولا شيء غامضاً في الأعمال الفنية التي اتخذت من كل حركة متفاعلة بين المياه والريح، شكلاً محدّداً، مباشراً، بلا تكلّف، دون أن يعطي الفنان اهمية لأية فسحة نقد، مكتفياً بأن يفرح كل مشاهد بما يرى، وأن يقدّر أي حاضر للأعمال ما يشاهد.

اللوحات بلا عنوان لأن كل واحدة منها واضحة كرسمة طفل، وكل لوحة تنطق بما فيها. فهذا مركب يختال فوق المياه، ركابه منتعشون بتلاعب الهواء بشعورهم، وأجسادهم المتحرّرة من ثياب الشتاء، وهؤلاء مجموعة سبّاحين يتلاعبون بالمياه كما تتلاعب هي بهم. كل الأشياء سلوى ومرح وبساطة مسبقة القصد، حتى لو تعاندت مع قوانين الرسم المتعالية.  

في نص مرافق للمعرض، يقول شحادة بأنه "يتمتع بنهج شخصي للغاية في تمثيل الأشكال والمناظر الطبيعية، والشخصيات، يحاول أن ينسى قدر الإمكان أي شكل أكاديمي غُرس فيه في شبابه"، معتبراً أنه من حسن الحظ، أن يستغرق الأمر مني وقتاً طويلاً حتى أنسى كل ذلك وأفرد جناحي".

هكذا بعد تجربة طويلة مع الفن، يمتلك الفنان ناصية اللوحة، يقودها حيث يشاء، ولا يترك لقوانينها أن تسوق رغباته المتحررة من كل قيد.

كذلك، فإن اللوحة الناجحة، بالنسبة له، يجب أن تكون محل تقدير "من قبل شخص آخر"، من قبل شخص غائب، أو حتى "غير مرئي".

أعمال شحادة تعتبر جزءاً من مجموعات عديدة في أوروبا والأميركتين، وكذلك على جدران العديد من المؤسسات الخاصة أو الرسمية، مثل قصر ضيوف دولة قطر في الدوحة.

ثمة تعليقات لمشاركي الفنان منها "من البحر يأتي الغول الذي يسمّر هذه الأجساد، ومن الفضاء تأتي النار التي تهب على الريح لتحريك الصواري الخشبية، وملمس الشراع، والأمواج الحسّية لمتعة السباحين".