درويش - شحاذة

الدرويش هو الزاهد عند أهل الزهد، وهو المتصوّف عند أهل التصوّف.

أيها الدرويشُ قُمْ بُثَّ الجَوى

واشرَحِ الحُبَّ وناجِ الشُهداءْ
إضرِبِ العودَ تَفُهْ أوتارُهُ
بالذي تَهوى وتَنطِقْ ما تشاءْ
واسْمُ بالأرواحِ وادفعْها إلى
عالمِ اللُّطفِ وأقطارِ الصفاءْ

هذه الأبيات من قصيدة لأمير الشعراء أحمد شوقي (1868 -1932) أُلقيت في احتفال أقيم في القاهرة عام 1931 إحياء لذكرى المغني والملحّن المصري سيّد درويش (1892 - 1923).

ولد فنان الشعب، كما أصبح يلقّب، ومجدد الموسيقى العربية سيّد درويش البحر في الإسكندرية. بدأ حياته الفنية بإنشاد ألحان الشيخ سلامة حجازي والشيخ حسن الأزهري في المقاهي، ثم التحق بالمعهد الديني بالإسكندرية قبل أن يعود للعمل في المقاهي.

تزوّج في سنّ السادسة عشرة، واضطر إلى العمل لإعالة عائلته وأهله فاشتغل عامل بناء، وانضم إلى بعض الفرق الموسيقية وسافر إلى الشام مع فرقة الأخوين أمين وسليم عطا لله في جولة فنية.

انتقل إلى القاهرة عام 1917 حيث لمع نجمه وقام بتلحين العديد من الروايات المسرحية. وافته المنية وهو في الحادية والثلاثين من العمر، تاركاً إنتاجاً غزيراً من الأغاني والأدوار والموشحات وتلحين المسرحيات. كان وطنياً مناصراً لسعد زغلول فلما قامت ثورة عام 1919 ضد الاحتلال الإنكليزي وضع لحنه الشهير "قوم يا مصري".

وهو ملحّن نشيد "بلادي بلادي" الذي أصبح في عهد الرئيس أنور السادات النشيد الوطني المصري. من ألحانه المشهورة بصوته والتي غناها بعده عدد من المغنين أبرزهم السيدة فيروز: "طلعت يا محلا نورها"، و"زروني كل سنة مرّة" و"الحلوة دي".

نتوقّف كالعادة في "ميادين الأسامي" عند اسم العلم المذكّر درويش الذي أسهم في انتشاره سيد درويش في أوائل القرن العشرين، وتلاه الشاعر الفلسطيني محمود درويش في أواخره. هذا الاسم مأخوذ من كلمة درويش الفارسية، وترد أيضاً بصيغة دريوش، ولها معانٍ متعددة لكنها متقاربة. فالدرويش هو: الفقير، المعدَم، الزاهد، المتصوّف، المحتاج، خالي اليد، السائل، المستجدي.

ويُستدلّ على المعنى المقصود بكلمة درويش على وجه الدقة من السياقات التي ترد فيها. فالدرويش عند العامة هو الفقير، والمحتاج، والخالي اليد من المال والرزق. وكثيراً ما يوصف بالدرويش الإنسانُ المسكين، والبسيط، والمتواضع الحال، ومَن لا خطر له من الناس.

والدرويش هو الزاهد عند أهل الزهد، وهو المتصوّف عند أهل التصوّف. ويُشتقّ منه فِعلْ فيقال: تدَروَش فُلان، يتَدروَش، تدروُشاً، إذا تمَسكَن وتظاهر بالتواضع والبساطة. وتدروَش إذا عمل عمل الدراويش والزهّاد الذين يرتدون ملابس بالية تدلّ على تقشّفهم. وتدَروَش إذا تشبّه بأصحاب الطُرق الصوفية الذين يدخلون في حالات روحية تجعلهم مذهولين عن العالم. وإلى مثل هؤلاء يشير الشاعر الدمشقي نزار قبّاني (1923 - 1998) بقوله من قصيدة:

إجلسي خمسَ دقائقْ

لا يريدُ الشِعرُ كي يسقطَ كالدرويشِ في الغيبوبةِ الكبرى

سِوى خمسِ دقائقْ

فاعشقيني لدقائقْ

واختفي عن ناظري بعد دقائقْ

إنّ أقوى قِصصِ الحُبّ التي أعرفها

لم تدُمْ أكثرَ من خمسِ دقائقْ

وننتقل من الدروَشة إلى الشِحاذة التي اشتقّ منها اسم العلم المذكر شِحاذة، الذي يُلفظ غالباً شحادة بالدال بدل الذال، وهذا أمر شائع في بعض اللهجات العامية. والشِحاذة هي مهنة الشحّاذ أي السائل أو المستجدي أو المتسوّل.

يقال: شحَذ، يشحَذ، شِحاذة، إذا سأل الناس أن يعطوه مُلِحّاً في السؤال، فهو شًحّاذ، والاسم شِحاذة.

والأصل في المعنى هو الشَحذُ، شحذُ السكّين، أي جعل شفرتها حادّة قاطعة، وهذا يستدعي إمرارَ آلةِ الشحذ عليها مِراراً وتِكراراً. وكذلك شحاذة الناس، فالشحّاذ يسألهم أن يعطوه بإلحاح مكرراً السؤال مرّة بعد مرّة.

أما إطلاق اسم شحاذة على المولود فيعود إلى عدة اعتبارات، منها أن يكون ذلك إحياء لذكرى جد أو قريب أو عزيز حمل هذا الاسم، أو تعبيراً عن الامتنان والشكر لله الذي وهب الوالدين هذا المولود الذي لطالما انتظراه في ظروف شخصية هما أدرى بها.