رسائل من غزة: كيف يستجدي الطعام من كان يطلب بندقية؟

كيف هان هذا الشعب الكريم على أمتهِ فرضيت له أن يبحث عن فتات الطعام بدلاً من أن يجني مجداً ويحوز عزاً؟ وإني والله لتموت نفسي الموتة بعد الموتة كلما رأيت أو سمعت لفظ المجاعة! 

التعب يستبد بي. ليس وحدي، كل من حولي متعب، مرهق ومكدود. لا شك أن هذا نتيجة حتمية لا بد منها بعد هذه الشهور الطويلة من قلة الغذاء الجيد وغير الجيد. 9 عجاف كان الطعام فيها يسوء يوماً بعد يوم ويشحُ حتى وصلنا لمرحلة لم نجد فيها ما نأكل وما نشرب. وحتى عندما بدأت الحياة تعود إلى "طبيعتها"، ظلت الأصناف محدودة وقليلة. أما الذي كان قد توفر فلا يعدو طعاماً مصنعاً يضرُ أكثر مما ينفع! 

وها نحن نعاني الآن من ويلات هذا النقص الحاد الذي هدم أجسادنا ببطء. فأينما تُدير عينك في شمال غزة ترى وجوهاً شاحبة وأجساداً ناحلة. وجوه ذهبت عنها نضارتها وغارت ألوان الحياة فيها، وإذا عمرت المجالس وامتدت الأحاديث سمعت أصوات السعال الخانقة التي تنفث ماء الصدور في كل نفس. 

فهذا يعطس وذاك يسعل وتلك تئن. وإذا مشيت في الطرقات بعين الملاحظ البصير فانظر إلى ابتسامات الأطفال المنقوصة فلن تجد طفلاً واحداً فيما أحسب، إلا وقد فقد من صف أسنانه الجميل وإن كانت كاملة غير منقوصة فهي متعبةٌ ينخرها السوس نخراً. 

تلك هي حال العوارض الظاهرة التي تشي بمستقبل مزهر للأمراض في قطاع غزة!  وما كان قد قد خفي وتوارى خلف أديم الأجساد أدهى وأمر. 

فذلك المرض النفسي وحش ضار يتربص بأهل القطاع صغارهم وكبارهم. يبعث الكآبة في النفوس ويعبقُ الجو بألوان الكدر وأصناف البؤس. 
فكيف إذا اجتمع مرض الجسد مع مرض الروح؟ وما السبيل إلى الخلاص؟ ذلك أن غزة بأهلها الذين لم يتآلفوا مع الذل يوماً ولم يحنوا جباههم لكبير أو جبار يجتمع عليها ذُل الجوع ومرارة الحصار! 

وهل هناك مما هو أقسى على نفس الشريف من ذل السؤال وعضةِ الفاقة والفقر !

وكيف هان هذا الشعب الكريم على أمتهِ فرضيت له أن يبحث عن لقمة العيش وفتات الطعام بدلاً من أن يجني مجداً ويحوز عزاً؟  وإني والله لتموت نفسي الموتة بعد الموتة كلما رأيت أو سمعت لفظ المجاعة! 

ويقتلني ويعصر قلبي ألماً مشاهد الجموع الغفيرة من الغَزيِين وهم يتلاهفون حول أقدار الطعام البسيط الذي لا يقيت جسداً ولا يشبع معدةً! 

كيف هان هذا الشعب على أمّته وتردى في مهاوي الردى حتى أجبرته فاقته على استجداء الطعام بعد أن كان يطلب البندقية؟

في السابع من تشرين الأول/أكتوبر 2023 أعلنت كتائب القسام معركة "طوفان الأقصى"، فاقتحمت المستوطنات الإسرائيلية في غلاف غزة، وأسرت جنوداً ومستوطنين إسرائيليين. قامت "إسرائيل" بعدها بحملة انتقام وحشية ضد القطاع، في عدوانٍ قتل وأصاب عشرات الآلاف من الفلسطينيين.