في الذكرى السنوية الأولى لاستشهاد القائد "نضال واستثناءاته"

كتب نضال عبد العال قصة قصيرة فيها من حاجة الإنسان للحريّة والطيران مثل حاجته للطعام والشراب، وتعتبر من أهمّ القصص المشحونة بالمعاني الإنسانية الكبيرة.

  • "نضال واستثناءاته" عن القائد الشهيد نضال عبد العال 

قرأتُ الكتاب بدقّة تامّة، وتنقّلتُ من مقال إلى آخر، وكنتُ أبحث عن المشاهد والتفاصيل التي غابت عنّي في حياة القائد والشهيد الروائي نضال عبد العال، فوجدتُ الكثير من القصص والحكايات التي سردها الأصدقاء ورفاق الدرب في حياة الشهيد. تنوّع الكتاب وتميّز بمقالاته ونصوصه وقصائده في حضرة الغائب والحاضر بيننا وفينا، والأجمل أنّ الكلّ تناول علاقته مع الشهيد بمنظور مختلف، وكتب عنه بشكل أدبيّ مختلف، فثمّة من كتب مقالاً سياسيّاً واصفاً تجربته معه في ميدان السياسة، وثمّة من كتب النص النثري وذهب فيه من علاقته الشخصية التي تتميّز بالبعد العاطفي والوفاء وصدقيّة الصديق، وثمّة من عرّج إليه شعراً معبّراً عن عمق علاقته به، حتّى أمسى الكتاب باقة ورد بألوان وأشكال مختلفة على ضريح الشهيد الحيّ.

الشهيد القائد والروائي نضال عبد العال كان استثنائيّاً بشخصيّته الحنونة والجاذبة، إنّهُ طبيب الأرواح المجروحة، وصديق الجميع، وقائد أسطوريّ في معركة الدفاع عن الحقّ المسلوب وعن "فلسطين"، لذلك الكلّ كتب عنه من الجانب الذي تعامل معه فيه وأثّر به وجذبه منه، فأمسى هو الكلّ في واحد، المتعدّد بجوانبه المتجددة.

إقرأ أيضاً: الشهيد عبد العال: فلسطين أمانة في أعناق الأجيال الجديدة

يُفتتح الكتاب بسيرة موجزة عنهُ، تذكر أهمّ المحطّات التي عاش فيها، وعن إصداراته الروائيّة حيث أصدر أربع روايات هي: "مسلّة أديم المفقودة"، "سرد آخر"، "ازدحام"، "سلك نحاسي"، وقد فازت روايته الثالثة "ازدحام" من "مركز إنسان" في مصر، بالمرتبة الأولى بجائزة النشر. وقد قسّم الكتاب لأقسام عديدة، "ما كتبه الرفاق" هو القسم الأول، وتنوّعت المقالات فيه: مقال جميل مزهر نائب الأمين العام للجبهة الشعبية، والدكتور ماهر الطاهر، عمر مراد، والدكتور سعيد ذياب، والروائي الكبير مروان عبد العال. 

  • الشهيد الفلسطيني القائد نضال عبد العال
    الشهيد الفلسطيني القائد نضال عبد العال

وقد جاء القسم الثاني تحت عنوان: "ما كتبه الأصدقاء"، وتنوّعت المقالات فيه: مقال الدكتور حسن خليل عضو المكتب السياسي للحزب الشيوعي اللبناني، ومقالات ونصوص أخرى من الأصدقاء المخلصين والأوفياء للشهيد. أمّا القسم الثالث فجاء تحت عنوان: "ما كتبهُ أبناؤهُ وأصدقاؤهُ والعائلة" وتنوّع هذا القسم بنصوص ومقالات من أفراد عائلته، الأخ وابن الأخت وبنات الأخت، حيث تناولوا ذكرياتهم معه، وأهمّ القصص والحكايات التي عاشوا تفاصيلها في حضنه الطيب والحنون، حيث كان وما زال مبعث فخر بما قدّمه من بطولات وتضحيات على طريق القدس، وكان الأب الحنون للجميع من دون منازع، واختلطت الكلمات بالدموع والوعود بالاستمرار على نهج المقاومة ونهج النضال الذي لا يموت. أمّا القسم الرابع فكان: "قصائد إلى نضال"، وهو مجموعة قصائد شعرية من الشعراء الأصدقاء له.

 إقرأ أيضاً: رواية "مسلة آديم المفقودة" تحرر السردية الفلسطينية من التزوير الصهيوني

والقسم الأخير كان مجموعة مقالات كتبها نضال في السياسة والثقافة والأدب، بنظريّة المفكّر السياسي المتسلّح بالوعي التامّ بمعركتنا مع الكيان الصهيوني، قدّم تحليلاً سياسياً عميقاً للقضية الفلسطينية من الانقسام الفلسطيني إلى انتصار معركة سيف القدس، متحدّثاً عن تطوير أدوات المقاومة داعياً إلى توحيد الصف الفلسطيني ومحور المقاومة لصناعة انتصارات جديدة، تحت عنوان رئيسي هو: "محور المقاومة من حروب المواقع إلى المواجهة الشاملة"، وفي مقالات سياسية أخرى قدّم رؤية سياسية واضحة لمشروع التحرّر الفلسطيني مبيّناً الأخطاء وعارجاً نحو الحلول المطروحة، مفتتحاً في العنوان العريض: "اليمين الفلسطيني خارج تمثيله التاريخي"، ومن ثمّ مستئنفاً أيضاً بعنوان آخر: "اليسار الفلسطيني خارج دوره التاريخي"، وكأنّه يكتب من الأمس للمستقبل المقبل، يرسم مخطط المرحلة التي بعدها، بعد الخروج من المعارك التي انتهت، ومؤكداً دور العمل الثقافي والفني إلى جانب العمل العسكري، حيث بيننا وبين العدوّ معركة سرديّات أيضاً، وليست فقط بندقية، فنحن بحاجة إلى تطوير أدواتنا الفكرية والعلمية والثقافية والاستراتيجية للانتصار على العدوّ الذي يحتلّ ليس فقط الأرض، بل أيضاً يحتلّ العقل الفلسطيني وقد سلخه عن أرضه وثقافته وحلمه بالعودة.

 وقسم آخر خاصّ من أرشيف نضال في "الأخبار"، كتب نضال قصة قصيرة فيها من حاجة الإنسان للحريّة والطيران مثل حاجته للطعام والشراب، وتعتبر من أهمّ القصص المشحونة بالمعاني الإنسانية الكبيرة، ومؤثّرة إلى حد كبير، جاءت القصة تحت عنوان: "أجنحة لا تعرف الطيران"، ويروي في قصته أنّ صديقه قد أهداه عصفوراً صغيراً في القفص، وكان صديق نضال قد اشتراه فرخاً صغيراً وربّاه حتى كبر وصار يطير في القفص شمالاً ويميناً، ولم تعجبه القضبان، حيث كان صديق نضال يعيش في "براكس" وهو بيت مؤقت من البلاستيك في مخيم نهر البارد، فظنّ الصديق أنّ العيش في "براكس" قد أزعج العصفور "البلبل"، فأهداه لنضال كي يهتمّ به، لأنّ بيت نضال كان في طابق عالٍ وفيه شرفة واسعة تطلّ على بيوت المخيم والنهر والبحر من علٍ، فقصده صديقه وهو يترجّى نضال أن يأخذ البلبل لأنّه يستحق هذه الشرفة، ففرح نضال وأخذ منه هذه الهدية الرائعة، وقدّم له كلّ ما يستطيع من طعام وشراب، وعمل على نقله مساء من غرفة المطبخ وصباحاً إلى الشرفة، ويروي نضال في القصة: أنّه فكّر يوماً بأن يفتح باب القفص ويطلق البلبل إلى الفضاء الرحب، حيث من حقّه أن يطير، متسائلاً في نفسه قائلاً: "فكّرت في أنّ جريمتي تفوق جريمة صديقي أضعافاً، كيف أعرّفه إلى الحريّة وأحرمه إيّاها؟ قرّرت أن أفتح باب القفص، لأنّ الحقّ في التعرّف إلى الحريّة يعني الحقّ في عيشها. لكن ظلّ باب القفص مفتوحاً طوال اليوم لكنّهُ لم يخرج.... إلخ".

 متسائلاً في خاتمة القصة: هل الحريّة أن نعيش ما تعلّمناهُ فقط؟ أم نتعلّم أنّها، أي الحريّة، قبل أيّ شيء، في أن نكون أحراراً لنعرف أوّلاً ثمّ لنكون أحراراً في العيش كما عرفنا. 

اخترنا لك