في ذكرى رحيله.. أنسي الحاج حاضر شعراً وغناءً وحباً

أمسية شعرية تقام تكريماً للشاعر أنسي الحاج في ذكرى رحيله، وفي هذه المناسبة مناسبتان بصدور المجموعة الشعرية الكاملة للشاعر عن "دار المتوسط".

"قولوا هذا موعدي..." هو عنوان الأمسية الشعرية التي أقيمت في الذكرى التاسعة لرحيل الشاعر والكاتب أنسي الحاج (1937 - 2014)، وفي هذه المناسبة مناسبتان بصدور المجموعة الشعرية الكاملة للشاعر عن "دار المتوسط".

الأمسيّة التي دعا إليها "مهرجان بيروت للأفلام الفنيّة" وقدّمها الشاعر عبده وازن، ضمت إلى جانب الشعر باللّغتين العربية والفرنسية من إلقاء الممثل رفعت طربية، الممثلة جوليا قصار، والشاعر علي مطر وابنة الراحل الشاعرة ندى الحاج، غناء شعرياً بصوت الفنانة رانيا غصن الحاج مع عزف على الكمان للفنان فرد نصر. أمّا الإخراج المسرحي فللينا أبيض.

الهزّة الشعرية سبقتها بثوانٍ قليلة هزّة أرضية مساء العشرين من شباط/فبراير الحالي، بحضور جمهور كبير من محبي الشاعر وأصدقائه في مسرح ليلى تركي في المكتبة الشرقية في شارع مونو ببيروت.

"الميادين الثقافية" كانت هناك، لتسمع صوت الرائد المؤسس لقصيدة النثر ينادي: 

"قولوا هذا موعدي وامنحوني الوقت.
سوف يكون للجميع وقت، فاصبروا.
اصبروا عليَّ لأجمعِ نثري.
زيارتُكم عاجلة وسَفَري طويل
نظرُكم خاطف وورقي مُبعْثَر
محبّتُكم صيف وحُبّيَ الأرض".

استهل وازن الأمسية بتعريف عن الشاعر أنسي الحاج الذي "افتتح زمن قصيدة النثر في العام 1960 عبر ديوانه الأول "لن"، وودّع الحياة في العام 2014 عن 77 عاماً وهو عمر قصير بحجم شاعر كبير، مضيفاً أن: "أنسي الحاج هو شاعر الليل الذي يظل الساهر الأخير... غاب عن خيبات كثيرة أهمها خيبة بلد لم يستطع أن يصبح وطناً".

بعدها أتت مسرحة الشعر مع المشاركين فكان الحوار في إلقاء القصائد "ما العمل بالصمت؟"، "الذئب"، "خطة"، "الأيام والعمالقة"، و"شفاه الينابيع"، وهي مقاطع من "الرسولة بشعرها الطويل حتى الينابيع"، ثم "أخاف أن أعرف"، صاح الأولاد" وغيرها من القصائد الحاملة هموم الحبّ والوطن والبحر والشهيد، والينابيع والموت، والتعب والحياة.

كلّ هذه القصائد تُرجمت إلى حوارات شعريّة مع مشاركة الجمهور أحياناً عبر الطلب منه أن يردّد بعض القصائد بصوت عال.

وتخللت الأمسية قصائد للشاعر باللّغة الفرنسية ألقتها ندى الحاج، ثم فيلم عن قصائد بصوته وصور من حياته، ليسافر الجمهور في رحلة بحث في صوت الفنانة رانيا غصن الحاج (زوجة ابنه لويس) لتغني لماجدة الرومي من كلمات أنسي الحاج وألحان عبدو منذر أغنية "إبحث عنّي": أنا في مكان ما... أغوص وأنتظر يديك، أنا في مكان ما...أنطفئ وأنتظر عينيك، ابحث عنّي، أنا في مكان ما...أناديك وأنتظر مجيئك، أنا في مكان ما، أحبّك، أحبّك". 

التقت "الميادين الثقافية" بعض المشاركين في الأمسية فسألت بداية الممثل رفعت طربيه: ماذا كنت تقول لأنسي الحاج لو كان موجوداً بيننا؟

فأجاب: "أنسي الحاج هو من روّاد قصيدة النثر في العالم العربي، وهو من روّاد مجلة "شعر" عاش في العصر الذهبي للبنان. حبذا لو يعود هذا العصر لنلتقي بأنسي الحاج وبأمثاله في لبنان. صحيح هو غاب جسدياً، إنما كان موجوداً بيننا الليلة لأنّ شعره حاضر بقوة. اليوم أقول له بأنّ الثقافة للأسف لم تعد كما عهدناها". 

ثم توجهنا بسؤال إلى الشاعر علي مطر: أين نحن في هذا الزمن من ثقافة الشعر وخصوصاً شعر أنسي الحاج؟

أجاب مطر: "بمجرد أن يحضر أنسي الحاج في ذاكرتنا وخصوصاً من خلال هذه الأمسية، نشعر بالتباين بين زمن أنسي الحاج ورفاقه في مجلّة "شعر" وبين هذا الزمن الذي نعيشه. القراءة اليوم في تراجع كبير بحيث أنّ أنسي يجب أن يُقرأ بهدوء وحبّ لأنه مليء بحبّ لبنان وحبّ الإنسان والمرأة. نحن بحاجة إلى أنسي لكي نقرأه من جديد. فداخل قصيدته لُغة خاصة عالية المعنى عسى أن يقرأها سياسيو لبنان لنصبح في وضع أفضل وتتحوّل حياتنا إلى شيء يشبه قصيدة أنسي".

أما حول سؤال: لماذا لا يدرج شعر أنسي الحاج في المناهج التربوية اللبنانية؟ أجاب مطر: "الحقيقة لا أملك الإجابة على هذا السؤال الذي هو برسم الجهات المعنية والمؤسسات الرسمية، التي يبدو أنّها لم تنتبه بعد إلى شاعر بأهمية أنسي الحاج للأسف".

هي أمسية ثقافية أرادتها عائلة أنسي الحاج الصغيرة والكبيرة ومحبوه أمسية راقية، وتكريماً متوهجاً في ليالي بيروت المظلمة، لعلّ كل لحظة منها كانت بحجم قصيدة. أنسي الحاج بما يمثله من تجربة ناجحة كان مدماكاً لعصر الحداثة الشعرية مع زملائه، وما الحضور الحاشد والتصفيق الحار لقصائد هذا الشاعر إلّا دليل على الشوق إليه والحنين إلى عصر ذهبي يحلم اللبناني بالعودة إليه.

  • ندى أنسي الحاج
    ندى أنسي الحاج

وفي هذا الإطار كان لـــ "الميادين الثقافية" حوار سريع مع الشاعرة ندى الحاج هذا نصه: 

ما الدافع لإصدار المجموعة الشعرية الكاملة في هذا الوقت تحديداً ونحن نعلم بأنه في نيسان/أبريل من العام 2007 صدرت الأعمال الكاملة للشاعر أنسي الحاج، فما الفرق بينهما وهل تتضمن قصائد غير منشورة باللغة الفرنسية أو العربية؟ 

بعد أن صدرت أعمال أنسي الحاج الشعرية الكاملة في طبعة مصرية شعبية كي تتاح قراءتها بشكل أوسع في مصر، وبعد رحيل والدي في 18 شباط/فبراير عام 2014، اقترحت عليَّ "دار المتوسط" لصاحبها الشاعر خالد الناصري، إعادة نشر أعمال أنسي الحاج الكاملة بطباعة جديدة وأنيقة، بدءاً بالشعر، ثم النثر (كلمات كلمات كلمات) بأجزائها الثلاثة، ثم خواتم 1 وخواتم 2 في كتاب وخواتم 3 التي لم تُنشر بعد إلّا في مقالاته، وقد ترك لي والدي مهمة جمعها وغربلتها ونشرها في كتاب.

كما وأفكّر في جمع مقالاته القديمة التي نشرها في عدة مجلات منذ بداية مسيرته الكتابية وعلى امتداد حياته وأحياناً بأسماء مستعارة، كي نصدرها في كتاب آخر عن "دار المتوسط".

أمّا المجموعة الجديدة التي بين أيدينا اليوم فتتضمن القصائد التي احتوتها كتبه الأصلية الستة، إضافة إلى رسوم مستوحاة من القصائد بريشة الشاعر والفنان رائد وحش.

وتجدر الإشارة إلى أنّ قصائد أنسي المترجَمة إلى الفرنسية هي منشورة في أنطولوجيات فرنسية صدرت لشعره سابقاً. هذا وقد تُرجمَ شعره إلى 8 لغات. أمّا الدافع لإصدار هذه المجموعة الجديدة فهو نفسه الذي يدفع الشاعر للكتابة. وشعلة الشعر لن تنطفئ إلا بانطفاء العالم.

أمسية أنسي الحاج أتت كبصيص نور في بلد يعاني فيه الشعب من الظلام (بالمعنيين الحقيقي والمجازي). هل هناك خطط مستقبلية لمثل هذه النشاطات، خاصة بعد نجاح هذا العمل وتهافت الناس على مثل هذه النشاطات؟

نعم هذه الأمسية حوّلت غياب أنسي الحاج إلى حضور خصوصاً وأنّ مجموعته الشعرية صدرت في يوم ذكرى غيابه التاسعة واحتفلنا بها بالشعر والحب.

بالفعل كانت ليلة مضيئة رافقتنا فيها روح أنسي بكامل توهّجها والناس عطاشى للحياة بكامل عمقها وامتداداتها الفكرية والروحية والثقافية. وتفاعُل الحضور الرائع كان مدهشاً ومؤثراً. آمل أن ندور بهذه الأمسية في أرجاء لبنان والعالم العربي، حيث الفكر والشعر يناديان بصوت يخرق الظلمة ويعلو.

**

ذات ليلة شتائية رحل أنسي الحاج تاركاً وراءه العديد من المجموعات الشعرية والمقالات الصحافية والأعمال المسرحية المترجمة، والكثير من البرد والفراغ. هو القائل في مقدمة كتابه "لن": نحن في زمن السرطان. هذا ما أقوله ويضحك الجميع. نحن في زمن السرطان: هنا، وفي الداخل. الفنّ إما يجاري أو يموت. لقد جارى والمصابون هم الذين خلقوا عالم الشعر الجديد: حين نقول رامبو نشير إلى عائلة من المرضى. قصيدة "النثر بنت هذه العائلة. نحن في زمن السرطان: نثراً وشعراً وكل شيء..." كتبها في خريف عام 1960، تُرى أما زالت صالحة إلى الآن بعد أكثر من 60 عاماً على كتابتها؟