كنان أدناوي للميادين نت: أحلم بأن تُشكّل الموسيقى فرصة لتوحيد العالم

"الميادين الثقافية" تحاور الموسيقي السوري كنان أدناوي حول ألبومه الجديد ورؤاه الفنية وتطلّعاته. ماذا قال؟

أطلق عازف العود السوري والمؤلّف الموسيقي كنان أدناوي مؤخّراً، أسطوانة بعنوان "وتر"، بعدما شارك في روسيا في مسرح "البولشوي" في إطار تظاهرة عالمية فنية سنوية. هذا علماً بأنه حاز تباعاً جوائز عربية ودولية عديدة في العزف على العود. حول ألبومه الموسيقي الجديد ورؤاه الفنية وتطلّعاته ومشاريعه المقبلة أجرت "الميادين الثقافية" معه حواراً هذا نصه.

***

ماذا أضاف ألبومك الثاني "وتر" إلى الموسيقى المشرقية العربية المعاصرة؟

كمؤلّف وكعازف أرى وأُقيّم العديد من الأمور على اعتبارها إضافةً، لكنّ المستمع والنقّاد والمهتمّين بالموسيقى الآلية يقرّرون أكثر مني ماذا قد أضافت هذه المقطوعات الصادرة حديثاً. من جهتي بإمكاني القول إنّ هناك نقصاً حقيقياً في العالم العربي وفي الشرق بالموسيقى الآلية – باستثناء التجارب التركية لأنّ عددها كبيرٌ - والمستمع العربي عموماً لا يهتمّ كثيراً بالموسيقى الآلية، غير أنّ جيل الشباب بشكلٍ عام منفتحٌ على كل أنواع الموسيقى. 

ثمة حافز لتقديم الأعمال الموسيقية الجديدة، وتكمن الإضافة أيضاً في الرؤية الجديدة لآلة العود، سواء في شكلها التقليدي الطربي أو ضمن مجموعة، ومن سيستمع إلى العمل سيلحظ شيئاً جديداً للعود كآلة أساسية ولهذا النوع من الموسيقى، وسيجد ما يعثر عليه في موسيقات أخرى وسوف يحبّ الألبوم. 

لم أُصدر ألبوماً للعود فقط على غرار العديد من الأساتذة مثل نصير شمّة، وممدوح الجبالي في مصر، وسواهما، لذلك فإنّ المستمع سيلاحظ وجود آلات عربية يحبّها، لكن بشكلٍ مختلف مع الآلات الأخرى وضمن الموسيقى المعاصرة. هذه الأعمال أضافت نوعاً ما تنوُّعاً جديداً للمكتبة الموسيقية العربية والمشرقية. 

 هل نجحت حفلتُك في مسرح "البولشوي" ببناء جسر بين آلة العود العربية وبين العالم؟

الموسيقى في الحقيقة وفي أصل تكوينها هي فرصة ليعبّر الإنسان عن أفكاره وأحساسيه وتصوّراته بمعنى آخر في الحياة بطريقةٍ مختلفة عن الكلمة والفعل. هذا إضافة إلى أنّ فلسفة حياتنا قائمة على التنوّع، وعلى أهمّية التواصل والتبادل الثقافي مع مدارس موسيقية أخرى في العالم، أو الخلط بين أساليب موسيقية متنوّعة. 

على آلة العود – بحكم دراستي الأكاديمية - كنا نؤدّي لموزارت وهايْدِن والمؤلَّفات الغربية التي تخدمنا أكاديمياً، والموسيقى هي محطّة حيث يلتقي العالم كلّه، وكعازف عود أراني منذ البداية منفتحاً على تجارب موسيقى العالم ولديَّ تجارب سابقة مع فرقة جاز، وشاركتُ مع موسيقيين من الهند وأوروبا وأميركا اللاتينية في تجارب. آلة العود وسيلة ليترجم الإنسان أفكاره وما يحبّه في الحياة من خلال التواصل الفني. 

أما مسرح "البولشوي" فكان محطّة خاصة وله تقاليده وعراقته وتلك الصرامة في التعاطي مع نوع الموسيقى التي تُقدَّم ومع مستوى الموسيقى. أدّيتُ مقطوعة من مؤلَّفاتي وتوزيعي أمام جمهور روسي، علماً أنّ الجمهور ضمّ أيضاً وجوهاً من بلدانٍ متنوّعة. العود أصبح آلة أساسية في العالم.    

مقطوعتك "وتر" اتخذت بُعداً موسيقياً تصويريّاً، كيف تقيّم علاقتك بالموسيقى التصويرية؟ وهل تفكّر في كتابة موسيقى تصويرية للأفلام؟

فعلياً، شاركتُ كعازف في الكثير من الأعمال الموسيقية في مسلسلات وأفلام في سوريا والخارج، لكن لم تسنح الفرصة لأكون المؤلّف الموسيقي لأعمالٍ سواء أكانت درامية أم سينمائية. أحبّ كثيراً السينما ومهتمٌّ بالموسيقى التصويرية ولديّ اطّلاع واسع على تجارب موسيقيين عظماء في هذا المضمار، وأتمنّى أن تسنح الفرصة لكتابة موسيقى تصويرية لفيلم أو لعملٍ درامي. أنا منفتحٌ على هذه التجارب.  

في زمن السرعة والاستهلاك والصخب والعولمة، ما هي الآلية لتهذيب وتنقية ذوق الجيل العربي الجديد موسيقياً وتعويده الإصغاء إلى آلة العود وتعليمه صون هويته الثقافية والفنية مع انفتاحه على العالم؟ 

كل الأجيال منفتحة على بعضها البعض وعلى العالم، وخصوصاً في منطقتنا، وهي مستقبِلة أكثر منها مصدِّرة نوعاً ما، تعويد الجيل الجديد الإصغاء يعود إلى دَور المؤسّسات الإعلامية بنشر التنوّع في التجارب الموسيقية، ويهمّنا كشباب أن تبثّ وسائل الإعلام موسيقانا وأن تسنح الفرصة في مهرجانات الموسيقى الشبابية لتأدية هذه الموسيقى. 

إذا لم يكن الإنسان متمكّناً من أدواته اللغوية والموسيقية والفنية وهويّته الثقافية فلن يستطيع إيصال ما يقدّمه لأيّ منطقة في العالم ولأيّ متلقٍّ، ولن يستطيع أن يتفاعل لأنّ التفاعل يرتكز على المخزون الذي يتأتّى عن الجذور أحياناً وعن الهوية نفْسها أو التراث، وصون التراث يستند إلى التفاعل الدائم معه وتحويله إلى أمورٍ يومية. 

لكن بحُكم تطوّر المناهج الموسيقية وتنوّعها تقنياً ومعرفياً تطوّرَ عازفو العود وتراثنا الآلي الموسيقي المحدود نوعاً ما قياساً بالغنائي لن يلبّي حاجات الموسيقيين والعازفين تقنياً، لذلك فسوف ينفتحون على تجارب أخرى للتفاعل ولتأديتها. وهذا ما يمكن أن يخدمنا بالرجوع إلى فكرة تقديم الجديد في الموسيقى العربية أو المتعلّقة بآلة العود، لكي يكون الحضور التقني موجوداً بكل تفاصيله لكن مع مواد موسيقية أساسية من صلب تراثنا الموسيقي وهويتنا الثقافية.     

ما هي مشاريعك المقبلة؟

حتّى الآن ألبوم "وتر" لم يأخذ حقّه لا في الإعلام ولا في الحفلات، ومشروعي هو تقديم مجموعة من الحفلات وأتمنى أن تسنح الفرصة لتقديم العمل في بيروت مع الفرقة الموسيقية، إضافة إلى تقديم أعمالي الموسيقية القديمة والحديثة لكي يطّلع الجمهور على التجربة كلّها. 

بعد ألبوم "وتر" هناك مشروع "كونشِرتو للعود" قيد الإنجاز وأطمح لتقديمه في كل العالم العربي كتجربة جديدة، سأقدّمه في سوريا بطبيعة الحال، وأتمنّى أن يُقدَّم في كل البلدان التي تهتمّ بإبراز الآلات العربية مع الأوركسترات بتفاعل موسيقي حضاري جميل.

يجمع العمل بين تجربة جديدة في التأليف والارتجال المعاصر معاً، ويكتنفُ تفاعلاً للعود مع الآلات الأخرى، قدّمتُ العود مع آلة "الهارْبْ" ومع السوبرانو ساكسوفون ومع المجموعة الموسيقية الكبيرة، وكل شيء من تأليفي وتوزيعي. أحلامي لا تنتهي وهي كثيرة لكن ضمن إطار الموسيقى. 

أتمنّى أن يندرج ما قلتُه لتوّي في إطار أحلامي القريبة. أمّا أحلامنا البعيدة، فهي منوطة بالوقت المقبل. أحلامنا الموسيقية هي أن ننشر موسيقانا ونتفاعل من خلالها مع العالم، وأن تشكّل الموسيقى فرصةً لتوحيد العالم، وأن تكون محطّة للكثير من اللقاءات الفكرية والإنسانية الجميلة في المشرق العربي والمغرب العربي وبين الموسيقيين في كلّ العالم.