مؤرخ يفند التاريخ اليهودي

أسماء المدن الفلسطينية عربية لا تقبل الشك مثل أريحا وأورشليم وحتى صهيون و"إسرائيل" واليهود لم يكن لهم لغة في الخطاب.

  • كتاب: مفصل العرب واليهود في التاريخ
    كتاب: مفصل العرب واليهود في التاريخ

يؤكد الكاتب والباحث أحمد سوسة في كتابه "مفصل العرب واليهود في التاريخ" الصادر عن "دار الوراق" في بيروت، على صعوبة تغيير مفاهيم كرّرتها وأعادتها الصهيونية معتمدة على التوراة المحرفة منذ 2500 سنة، ولكنّ الأمانة للتاريخ دفعته إلى تقصّي الحقائق وإبراز تفاصيل لها صفة المصداقية التاريخية بعد التدليس والتغييب الذي لحق بها، حيث يتساءل "في النهاية هل فلسطين سلعة بائرة لتمنح لزيد أو عمرو بالوعود" في إشارة إلى الوعد الذي قطع بإقامة وطن قومي لليهود في فلسطين، وذلك من خلال تقصّيه التاريخ والمدوّنات المؤكّدة لوجود سكان فلسطين الأوائل مستنتجاً بأنهم الكنعانيون وهم الساميون العرب الأصليون. 

في دراسته للهجرات المتتابعة من الجزيرة العربية إلى الهلال الخصيب، ومنها هجرة الكنعانية إلى فلسطين، وهجرة العموريين العمالقة إلى العراق وسوريا وفلسطين، وهجرة الآراميين إلى سوريا والعراق، وهجرة الأكاديين إلى وادي الرافدين، وهجرة الحثيين إلى شمال سوريا، وهجرة الفلسطينيين إلى فلسطين، وأخيراً الهجرة العربية السامية من الأنباط والتدمريّين والغساسنة في بلاد الشام والمناذرة في العراق.

إقرأ ايضاً: "التوراة اليهودية مكشوفة على حقيقتها" .. كتاب يكذّب أسطورة أرض الميعاد

فقد بحث الكاتب في هجرة الجماعات السكانية من جزيرة العرب على شكل موجات متتالية، وقد قدّر العلماء أنها بدأت في الألف الثالث قبل الميلاد في بحث حثيث عن الكلأ والماء حيث ساد النظام القبلي، ومنها عشائر شمر الجربا وقبيلة عنزة التي ترجع إلى العصر الجاهلي، وترجع هجرة الكنعانيين إلى فلسطين في النصف الأول من الألف الثالثة قبل الميلاد، ومن المؤرخين ما يقول بأبعد من هذا التاريخ، ولكن الدراسات الأركيولوحية بيّنت وجود آثار في هذا التاريخ، وقد بيّن بعض البّحاث أن بلدة أريحا ترجع إلى ما قبل سبعة آلاف سنة ق. م، إذ ذكر اسم كنعان في رسائل تل العمارنة العائدة للقرن الخامس عشر قبل الميلاد، وحتى بلاد كنعان وردت بالتوراة بين المنطقة الواقعة شرق المتوسط من أوغاريت إلى غزة، وبين سهول أضنة جنوب آسيا الصغرى إلى صحراء النقب والتي هي فلسطين اليوم، ويرجع بعض الباحثين كلمة كنعان إلى الصبغ القرمزي، وهو الصباغ الذي كان الكنعانيون يصنعونه ويتاجرون به، وهم من اخترعوا الحروف الهجائية التي عرفت من خلال مراسلات مملكة ماري وتل العطشان، والتي تفيد بأن أناساً ساميين سكنوا بلاد الشام تربطهم قرابة بمن سكنوا بلاد ما بين النهرين، وهم الكنعانيون الفينيقيون الذين وصلت تجارتهم ونشاطهم إلى قرطاجة، ويقال إن أوج توسّعهم وازدهارهم كان بين منتصف القرن العاشر ومنتصف القرن الثامن قبل الميلاد، وقد عاصرت فينيقيا الفراعنة والآشوريين والكلدانيين والفرس.

ويورد رواية المصري سينوهي سليل الفراعنة الذي وفد إلى أرض كنعان وعاش فيها ردحاً من الزمن، إذ وضّح أن القبائل الآرامية الكنعانية والعرب البائدة أو العاربة ترجع إلى أصل واحد، ومن أهم ما تركه الفراعنة في وصف أرض كنعان مدوّنات الفرعون تحوتمس الثالث (1502-1449 ق.م).

كما بحث الدكتور سوسة في العوامل الإقليمية والبشرية المؤثرة في بعث الهجرات من الجزيرة العربية، وكون البداوة أساس الحضارة، وتحدّث عن حضارات اليمن القديمة والممالك التي سادت مثل مملكة سبأ ومعين وحضرموت وقتبان وأوسان، كما بحث في ديانات عرب الجزيرة، وبقيت اللغة الآرامية سائدة حتى بداية الفتح العربي، ويعتبر الخط النبطي شكلاً من أشكال الخط الأرامي الذي كتب به القرآن. 

والأهم في ذلك بحثه في أسماء المدن الفلسطينية وأصلها العربي الذي لا يقبل الشك، مثل أريحا وأورشليم وحتى صهيون و"إسرائيل" كلّها أسماء كنعانية عربية الأصل، وأن اللغة العبرية مقتبسة من الأبجدية الآرامية التي دوّنت بها التوراة، وأن اليهود لم يكن لهم لغة في الخطاب، فالعبرانيون تسمية كانت تطلق على طائفة كبيرة من القبائل العربية من أهل الجزيرة وبلاد الشام، وكانت لغتهم أي العبرية لغة أهل كنعان في فلسطين، ولغة كثير من القبائل في طور سيناء وشرقي الأردن، ومنهم العماليق والمديانيون وغيرهم، وذلك قبل أن يكون لليهود وجود في تلك المنطقة وقبل ظهور موسى بنحو قرنين من الزمان، وحتى أن العبري أو العبراني هو غير اليهودي في عرف التوراة نفسها، وهذا الخلط جاء ليُظهروا أنهم قدامى في المكان ويستولوا على التاريخ والجغرافيا معاً.

 ومن المعروف عنهم أنهم لم يساهموا بالحضارات الموجودة سابقاً إذ عرفت المنطقة حضارات وممالك عديدة، ومنها الإمبراطوريات السامية العظيمة، وهي: الأكادية والآشورية والبابلية والكلدانية، وبعدها جاءت الممالك العربية مثل الأنباط والتدمريّين، وبعدهم الغساسنة والمناذرة وصولاً إلى الإمبراطورية الإسلامية التي عمّت سائر الشرق.

تاريخ التوراة: 

تبرهن المكتشفات الأثرية أن التوراة التي بين أيدينا اليوم تمت كتابتها في زمن بعيد عن زمن النبي موسى عليه السلام بعدة قرون، وهي مزيج من الديانات الكنعانية والبابلية والمصرية، ويبحث الكتاب بالدرجة الأولى تاريخ الفترة التي عاشتها فلسطين العربية قبل النبي موسى عليه السلام، وعلى الغالب الفترة التي ظهر فيها النبي إبراهيم الخليل عليه السلام، وطغت فيها الحضارة الكنعانية أكثر من ألفي عام، ويبيّن علاقة اليهود فيها في زمن النبي موسى وما بعده، حيث استطاع المؤلف أحمد سوسة العراقي اليهودي الأصل تقسيم الفترة التي تبيّن أصول الأقوام وعلاقتها ببعضها البعض إلى ثلاثة أدوار.

الدور الأول: ويضم عصر إبراهيم الخليل وإسحق ويعقوب ويعود إلى القرن التاسع عشر قبل الميلاد، ويؤكد أنه عصر عربي قائم بذاته بتاريخه ولغته وقوميّته وديانته، وهو مرتبط بالجزيرة العربية وبلغتها وقبائلها التي سمّيت آنها بالعرب البائدة، ولا صلة له بعهد موسى الذي أتى بعده بسبعمئة عام، كما لا يتصل بعهد اليهود الذين أتوا بعد إبراهيم الخليل بنحو ألف وخمسمئة عام، وقد أنشأت قبائل العرب العاربة والقبائل الآرامية التي ينتمي إليها إبراهيم الخليل فيها حضارتها ونشاطها التجاري، إذ كانت شعوب العرب البائدة تنتهي بنسبها إلى إرم ويقال أرمان كذلك، وقد جاءت الآثار المكتشفة حول الهجرات السامية وعلم المقارنة بين اللغات مؤكدة لهذه الحقيقة وصلة إبراهيم بشبه الجزيرة العربية وبلاد الحجاز، إذ إن أرض كنعان "فلسطين" كانت أرض غربة لآل إبراهيم وآل يعقوب باعتراف التوراة نفسها، وأن وطنهم الأصلي هو أرام النهرين في حاران حيث العشائر الآرامية كانت مستقرة على ضفاف نهر البليخ بعد أن هاجرت من الجزيرة العربية، وبعض الفروع منها استقرت في بابل، ويحكى أن إبراهيم الخليل من ذريتها.

كم أنّ الرب الذي كان يدعو إليه إبراهيم الخليل هو إيل خالق السموات والأرض وهو غير إله اليهود، لأن دعوته كانت موجّهة لكلّ الوثنيّين وليست إلى قوم بعينه،  وبالأساس لم يكن قد وجد اليهود وقتها، ومعنى كلمة "إسرائيل" هي عبد الإله إيل أي أن يعقوب "إسرائيل" كان يدين بدين إبراهيم، ومصطلح الخليل جاء من جمع كلمتين الخل وهو الصديق وإيل الإله، فكانت ترجمتها إبراهيم صديق الإله كما وردت في القرآن الكريم "واتخذ الله إبراهيم خليلاً"، هذا وغالبية الأسماء كانت ترد مشفوعة باللفظ "إيل" مثل إسماعيل وصموئيل وحديثاً جبرائيل وميخائيل، و"إيل" كلمة عربية وقدماء الملوك العرب يقرنون أسماءهم بها تيمّناً وتبرّكاً بها.

وقد انحرف اليهود عن ديانة موسى عندما دوّن كتبة التوراة إلهاً خاصاً بهم أي "بشعب الله المختار" إلهاً لا تهمه الأقوام الأخرى، والمرجّح أن اليهود أخذوا هذه الفكرة من البابليين، إذ كانت كل مدينة بابلية تختص بعبادة إله واحد من مجموعة الآلهة المنتشرة آنذاك، لذا تعتبر دعوة إبراهيم الخليل أول دعوة توحيدية في تاريخ البشرية، وهي دعوة عربية خالصة موطنها الجزيرة العربية، وهي تحمل اللغة ذاتها التي حملتها الأقوام المهاجرة إلى الهلال الخصيب مع اختلاف ثانوي باللهجات السائدة.

ويعلّم اليهود أطفالهم أنهم جاءوا من بلاد الرافدين إلى أرض فلسطين بقيادة إبراهيم الخليل، في الوقت الذي لم يكن لهم وجود على الإطلاق، إذ يرجع وجودهم إلى ما بعد الألف الرابع قبل الميلاد بـ 2700 سنة وفق تعبير المؤلف.

إقرأ أيضاً: لماذا تشبه "إسرائيل" ألمانيا النازية؟

كما يقومون بتزييف التاريخ بأن العرب لم يدخلوا فلسطين إلا مع الفتح الإسلامي، وهي الأكذوبة التي روّجها الصهاينة وتبنّاها الكثير من الأوروبيين والأميركيين. 

الدور الثاني: ويرجّح أن عصر موسى كان في مطلع القرن الثالث عشر قبل الميلاد ومسرحه مصر وبلاد النيل، ويمتد إلى الفترة التي عاشها في أرض كنعان هو وأتباعه واستمرت نحو 800 عام، وانتهت بالسبي البابلي، وقد سادت فيها الثقافة الكنعانية، فالعبرية تكوّنت في وقت لاحق عندما تمّ البدء بكتابة التوراة، وقد دوّنت بآرامية التوراة المشتقة من الآرامية في القرنين السادس والرابع قبل الميلاد، وفي وقتها كانت جميع شعوب الشرق الأدنى تتكلّم الآرامية، وما يعرف بالعبرية هي لهجة  مشتقة من الآرامية التي كانت سائدة آنذاك ومثل سائر اللهجات التي تفرّعت عن اللغة الأم.

الدور الثالث: وهو عصر اليهود بعد السبي البابلي في القرن السادس قبل الميلاد، وفيه بدأ الكهنة بكتابة التوراة على مرحلتين أثناء الأسر وبعده، وهنا صارت تعرف بالعبرية أي آرامية التوراة، والتوراة هذه تختلف عن التوراة التي وجدت في عهد موسى، وقد حاول كتبة التوراة الخلط بين هذه الأزمان والفترات للإيحاء بأسبقية وجودهم، إذ إن أقدم نصوص التوراة، وهي بعض أسفار العهد القديم، وجدت في القرنين الأخيرين قبل الميلاد. 

فأسفار التوراة ومدوّنات التلمود لا يمكن اعتبارها مصدراً لتاريخ فلسطين القديم لما يخالطها من نزعات دينية وعنصرية وسياسية عبر فترات تدوينها الطويلة، وقد تحدّث عن تشابه المعتقدات في البعث والقيامة عند اليهود والسومريين والبابليين والمصريين، وقصة كل من آدم ونوح في المدوّنات المصرية والسومرية والبابلية وشريعة حمورابي.  

لذا فإن الدارس لكل من شريعة حمورابي وشريعة اليهود يتأكّد أن اليهود مطلعين عليها أثناء وجودهم في فترة السبي، وأخذوا منها الكثير مما يدل على أن الشريعة الموجودة لم يضعها موسى، وتنحصر شريعته بالوصايا العشر التي وضعها لكل الأمم، وبالعموم فإن شريعة التوراة التي دوّنها الكهّان اليهود لا تخرج عن نطاق الشرائع البدائية القديمة واقتبسوها منهم، وهي لا تصلح إلا لتلك العصور. 

عقيدة اليهود تعتمد على التوراة والتلمود حيث أن هناك حقيقتين تختصران ما جاء به التلمود وهما:

 1-نظرة التلمود إلى كل إنسان غير يهودي نظرة احتقار وانتقاص وحقد. 

2-الاعتقاد بقيام مملكة اليهود التي سوف تسيطر على العالم بالشر والطغيان. 

أما عصر إبراهيم وإسحق وداوود فيعتبر عصراً عربياً خالصاً يرتبط بالجزيرة العربية ولا صلة له بعهد موسى، وبالأساس أرض فلسطين كانت أرض غربة بالنسبة لإبراهيم وإسحق ويعقوب في مرويات التوراة نفسها، فهم كانوا مغتربين بين الكنعانيين، سكان فلسطين الأصليين ووطنهم الأصلي "أرام النهرين" حاران أي حران اليوم، إذ ورد في سفر التكوين: "تغرّب إبراهيم في أرض الفلسطينيين" ومثل ذلك ورد في التوراة بشأن إسحق ويعقوب: "وسكن يعقوب في أرض غربة أبيه في أرض كنعان"، إضافة أن أبناء "إسرائيل" أي "يعقوب" الاثني عشر ولدوا جميعاً في حران النهرين خارج فلسطين.

دور الصهيونية والاستعمار في خلق "إسرائيل":

 يؤكد الكاتب أن الصهيونية حركة استعمارية مشتقة من اسم صهيون وهو اسم لرابية في أورشليم، وقد أقام عليها اليبوسيون وهم أبناء عمومة للكنعانيين حصناً قبل ظهور اليهود بألفي عام، وقد ربط فرويد ديانة موسى بديانة أخناتون في التوحيد مما جلب عليه غضب الصهاينة، وهي تختلف عن الديانة اليهودية التي دوّنها الأحبار اليهود في الأسر ونسبت زوراً إلى موسى كي يوجدوا حكاية شعب الله المختار، إضافة إلى كمّ كبير من التناقضات حول موت موسى ومصيره واتهامه بالخيانة، وتولّى يوشع بن نون من بعده وادّعى أنّ الرب أمره بالقضاء على 31 ملكاً كنعانياً، هذا وقد عجزوا عن احتلال أورشليم لبأس وقوة اليبوسيين وقتها، وأن اليهود لم يشكّلوا أكثرية في فلسطين ولا بأي دور من التاريخ، وقد أجلاهم الرومان بشكل كامل عن المنطقة، وتدل المعلومات التاريخية على أن اليهود لا يشكّلون قومية، وإنما هم طائفة دينية اجتماعية تضم عدداً من الأجناس واللغات والدماء يقيم كل فئة منهم في أماكن متباعدة.

ويستنتج في النهاية أن اليهود الحاليين لا ينتمون إلى يهود الشرق، وكلّها ادعاءات الصهاينة لتبنّي ونسب تاريخ "إسرائيل" القديم كي يخلقوا لهم وجوداً قديماً في المكان، يدعمها الإعلام الكاذب وادعاء حقوق باطلة وغير صحيحة في امتلاك أرض ليست لهم واغتصابها من أصحابها الحقيقيين العرب الفلسطينيين.