ما هي "الإيجابية السامة"؟

تخبرنا "منظمة الصحة العالمية" أن نحو مليار شخص يعانون من مشكلة على صعيد الصحة النفسية، ومع ذلك، لا تزال الصحة النفسية مهملة، ففي بعض البلدان، لا يوجد سوى عاملين اثنين في مجال الصحة النفسية لكل 100 ألف شخص.

"السعادة اختيار"، "فكّر بطريقة إيجابية"، "ستتخطى هذه الأزمة"، "قد يحدث ما هو أسوأ"، "كل شيء يحدث لسبب"، "البكاء لن يساعد"، "فلترَ الجانب المشرق"، "ما حدث لا يستحق الحزن"! 

كل هذه العبارات ليست سوى جمل سامة يشاركها المقرّبون منك، أصدقاؤك وربما زملاؤك، عندما تمرّ بأزمة نفسية أو حزن أو حادثة مؤلمة استخفافاً بما تشعر به.

كلّا، إن كل ما أشعر به يستحق! إنها الإيجابية السامة. التعميم المفرط وغير الفعّال للسعادة والتفاؤل في جميع المواقف، تؤدي إلى إنكار التجربة العاطفية للإنسان والتقليل منها وتثبيطها. 

قد يمرّ الإنسان بأوقات يشعر فيها بالضعف والألم والحزن والإحباط والغضب، وسط حياة يومية مرهقة وظروف صعبة وأحداث متراكمة، فالحياة لا تضحك لنا دائماً!

عندما يمرّ الشخص باضطراب نفسي، قد يفرغ مشاعره وعواطفه من خلال محادثة طويلة، أو عبر البكاء أو الصراخ بصوت عالٍ مثلاً! إنّ تجاهل المشاعر المتعلّقة بالمشكلة ليس حلاً. قوة الإرادة في بعض الأحيان ليست الحل لكل شيء، وعلاج الأزمات النفسية يحتاج إلى مساحة كافية من الوقت من دون أن يشعر الشخص بالذنب أو الخجل والخزي من مشاعره، خاصة وأنه في أمسّ الحاجة إلى المساعدة والدعم.

الإيجابية في حد ذاتها ليست سامة! لكن استخدامها في الوقت الذي يحتاج  الشخص  الدعم لمواجهة ما يشعر به يصبح ساماً! من دون إنكار الألم، يمكننا التعامل مع المشاعر السلبية وهذا ما يُسمّى بالتفاؤل الصحي.

أن تجد شخصاً يستمع إليك، أن تتقبل مشاعرك، قد يخففان من الألم. ليس بالأمر السهل، لكن يبقى أفضل من كبت المشاعر وشلّ القدرة على مواجهة ما تمرّ به. هنا نتحدّث عن التفاؤل الصحي. بدلاً من القول إن الأمور ستكون على ما يرام، وأنه لم يحدث ما هو أسوأ، من الأفضل أن نسأل "كيف يمكننا المساعدة؟" عن الرغبة في التحدّث. نعم، الأمور صعبة ولكن يمكننا مناقشتها، نحن هنا للاستماع من دون حكم.

تخبرنا "منظمة الصحة العالمية" أن نحو مليار شخص يعانون من مشكلة على صعيد الصحة النفسية، ومع ذلك، لا تزال الصحة النفسية مهملة، ففي بعض البلدان، لا يوجد سوى عاملين اثنين في مجال الصحة النفسية لكل 100 ألف شخص.

تراكم الوعي بأهمية الصحة النفسية والعلاج النفسي يساعد في تجنب العديد من الأمراض العصبية والجسدية، وكذلك الرغبة في الانتحار. في لبنان اليوم، لا تزال خدمات الصحة النفسية تعدّ كماليات ومكلفة، في حين يجب توفيرها للجميع. لذلك، قد نلجأ اليوم إلى طرق عديدة للتغلب على الاضطرابات النفسية، وهي طرق قد تكون سامة وغير صحية، وتنعكس سلباً على صحتنا النفسية!

الصحة النفسية هي حالة من الرفاه النفسي تمكّن الشخص من التعامل مع ضغوط الحياة، وتحقيق إمكاناته، والتعلّم والعمل بشكل جيد، والمساهمة في مجتمعه. إنها جزء لا يتجزأ من الصحّة والرفاهية التي تدعم قدراتنا الفردية والجماعية لاتخاذ القرارات، وإقامة العلاقات، وتشكيل العالم الذي نعيش فيه. الصحة النفسية هي حق أساسي من حقوق الإنسان. فهي ضرورية لتحقيق التنمية الشخصية والمجتمعية والاجتماعية والاقتصادية.

لا يقتصر الأمر على عدم وجود اضطرابات نفسية. هي جزء من سلسلة متصلة معقدة، تختلف من شخص لآخر، وتتّسم بدرجات متفاوتة من الصعوبة والضيق.

لا بأس ألا نكون بخير. نحن نعيش أزماتنا، هواجسنا، همومنا، أفكارنا، مخاوفنا. لتأخذ وقتها، فليسمعنا أولئك الذين لا يحكمون علينا، الذين يمكنهم تخفيف عبء ما نمر به من دون تزييف الحقيقة بأن كل شيء سيكون على ما يرام في النهاية!

تصبح الإيجابية والأمل سامين عندما يواجهان إحساساً طبيعياً بمشاعر متعددة مثل خيبة الأمل، الخذلان، واليأس والحزن الشديد. حتى إخفاء المشاعر أو ردود الفعل ليست علامة على الهدوء والرصانة، بل هو إجبار على قمع الغضب وتراكم الألم. ما قيل سابقاً يمكن أن يكون سرداً لمن يعاني اليوم، الحل هو طلب الدعم النفسي دائماً.  

"لا أحد يستطيع أن ينقذك غير نفسك، وأنت تستحق الادخار. إنها حرب ليس من السهل كسبها، ولكن إذا كان أي شيء يستحق الفوز، فهذه هي الحال". أن نكون أشخاصاً "بصحة نفسية وجسدية جيدة" يعني التعرّف أكثر على أنفسنا وكيف نظهر في العالم. أن نحترم مشاعرنا ونعيشها مع الكثير من دعم من نحب! إذا لاحظنا أننا غارقون في الإيجابية السامة، فلنتخلّص منها. نحن نؤذي أنفسنا وربما الأشخاص الذين نهتم بهم أكثر من خلال الإصرار على هذه المفاهيم. دعونا نخوض معاركنا الصغيرة ونستثمر لتحقيق ربحنا الأوفر "صحتنا النفسية"!