ملوّنات لبنانية: استمرارية تجارب وأبحاث فنية في "زمان"

غاليري "زمان" في بيروت يقدّم دورته الجديدة للمعرض الجمعي السنوي بعنوان "ملوّنات"، ويأتي ختاماً لأعمال العام واستقبالاً للعام الجديد.

يقدّم غاليري "زمان" في الحمراء ببيروت، دورته الجديدة للمعرض الجمعي الذي يقيمه سنوياً ختاماً لأعمال العام، واستقبالاً للعام الجديد، تحت عنوان "ملوّنات"، ويعتبر المعرض نوعاً من فصل فنّي بين عام راحل، وآخر قادم، يستند فيه على أعمال الفنانين التي مرّت في الغاليري إن بمعارض إفرادية أم مشتركة.

الدورة الحالية هي الـ 23 بين "الملوّنات" التي دأب الغاليري على إقامتها ابتداء من العام 1999، والبداية بملوّنات عراقية لثماني دورات، أعقبتها 15 دورة بــــ "ملوّنات لبنانية"، وآخرها المعرض الجاري راهناً.

وتضمّ دورة "ملوّنات لبنانية" الحالية زهاء 119 لوحة، لما يزيد عن 10 فنانين لبنانيين منهم: حسين حسين، منى عز الدين، إيليو شاغوري، ريما عاصي، أمين قعيق، شربل قادر، جورج ترياقو، زينب دندش، فادي شمّاس، وفادي كامل، وآخرون.

مؤسس "زمان"، ومبتدع فكرة "الملوّنات"، موسى قبيسي، قال لـــ "الميادين الثقافية" إن: "الملوّنات هي رحلة في عالم الفن، تجمع بين النظري والتطبيقي، حيث تضم دورة الملوّنات مختلف أصناف الفنون وأشكاله، من التجريدي إلى الانطباعي، فالتعبيري والكلاسيكي وسواها، ويعرّف المعرض تجارب فنية مختلفة من الفن التشكيلي اللبناني". 

بدأت "الملوّنات" في الغاليري كأمر واقع، أو حلٍّ لإشكالية واجهها الغاليري، عندما تجمّعت لديه مجموعة كبيرة من الأعمال لفنانين عراقيين، يفيد قبيسي إننا "بحثنا عن مخرج لعدد من الفنانين العراقيين يناهزون 15 فناناً، تجمّعت أعمالهم لدينا، ولم يكن بوسعنا إقامة معرض إفرادي لكل منهم، فكانت فكرة الملوّنات على شكل معرض جامع، غير منضبط في موضوع واحد، أو مدرسة فنيّة معيّنة"، مضيفاً "عندما طبّقنا الفكرة، وجدنا فيها ثراءً فنياً منقطع النظير، ومتعة لمتذوّقي الفن بمشاربه المختلفة". 

تكرّرت التجربة لــ 8 دورات مخصّصة لفنانين عراقيين، فتحت الباب أمام توسيع الفكرة لتشمل فناني بلدان مختلفة، منها سوريا والكويت والأردن ومصر ولبنان، لكنّ مع تجمّع عدد كبير من الفنانين اللبنانيين، كبداهة، "صرنا نقيم معرض ملوّنات سنوياً لما مرّ في الغاليري من معارض خلال أسابيع وشهور العام". 

أنجز غاليري "زمان" حتى اليوم 15 معرض "ملوّنات لبنانية"، "كان الأول منها دافعاً لتكرارها، رغم أنه لم يكن واسعاً بمشاركة عدد الفنانين، ومحدودية أعمالهم، فقد لقي المعرض الأول تجاوباً جيداً من متذوّقي الفن ومن الفنانين والناقدين الفنيين"، بحسب قبيسي.

أما المعرض الثاني فتمثّل بــ 23 فناناً، و59 عملاً فنياً (لوحات)، وتطوّرت الأعمال عاماً بعد عام، فضمّ الثالث 21 فناناً مع 49 لوحة، وخُصِّصت الدورة الرابعة لأعمال الفنان "ريمبو" بمجموعة أعمال ورسومات عن لبنان وبيروت سنة 1950. 

تكرّرت المعارض بتزايد مطّرد لعدد الفنانين واللوحات، فبلغت 37 فناناً في الدورة الــ 12، مع 63 لوحة، وتميّزت الدورة الــ 11 بنوعية الفنانين، والأعمال وتركّزت على عدد من أركان ومؤسسي الفن الانطباعي اللبناني، والفن الحديث، كداود القرم، ومصطفى فروخ، وبول غيراغوسيان، وجميل ملاعب، وحسين ماضي، وعمران قيسي، وماري حداد، وعارف الريّس، وقيصر الجميل، ورشيد وهبي، وسمير أبير راشد، وسواهم.

يعلّق قبيسي على بعض من انعكاسات المعارض على مناخات الفن اللبناني، فبنظره "يتمّ الاطلاع على أعمال نفّذها فنانون قدماء، مقارنة مع أعمال فنانين جدد، بمختلف التقنيات والأحجام، فيتبيّن أنّ العمل الجيد يفرض نفسه، كما أن معرض "ملوّنات" يوفّر فرصة لمحبّي الفن التشكيلي لاقتناء أعمال فنية جميلة بأسعار محمولة".

ويؤثر قبيسي أن يعتبر أن معرض "ملوّنات" الذي ينطلق عادة على أبواب أعياد نهاية العام، "أن يكون عيدية لمحبّي الفن، ونحرص أن تكون الأعمال شاهدةً على جمالية الفن اللبناني، وجدارة الفنان في إبداع التشكيل الفني، في مروحة واسعة من الأعمال لفنانين من مختلف التجارب، والأعمار، والمشارب". 

في جولة على المعرض الحالي، تتوزّع أعمال الفنانين في مختلف ممرات الغاليري وصالاته وردهاته، ويمكن للزائر أن يعبر ما يشبه غابة من الفنون بتنوّع الأشكال والألوان والأساليب، تحمل بصمات مؤثّرة في عالم الفن اللبناني تغني تجاربه، تنضبط أحياناً في ما كان سائداً، وتخرج أحياناً أخرى عن المألوف، فيتيح "ملوّنات" فضاءات خيارات وتجارب واسعة، يجد فيه الفنانون، المخضرمون والجدد، حريتهم المطلقة في التعبير عن الذات وإبداع صيغ فنية لا تنتهي بحدود.

قبيسي يقول إن هذه التجارب "تقدّم بانوراما متنوّعة في الأبحاث، خصوصاً التي خاضها الفنانون الشباب، والتي خرجت على كل المفاهيم المتعارف عليها، فهناك أجيال ما زالت تبحث لتجد مكانها تحت الشمس"، ويختم بقوله إنّ: "ملوّنات لبنانية حصاد فني متنوّع يثبت أن لا حدود في الفن".