من مصر إلى غزة.. استمري رمز العزة

كيف يتفاعل الشارع المصري مع عملية "طوفان الأقصى"؟

يحمل شهر أكتوبر كلّ عام لمصر والمصريين ذكريات العزة والفخار بذكرى حرب 6 أكتوبر، التي يحرص أغلب المصريين على الاحتفاء بها. لكن أكتوبر هذا العام كان كريماً جداً، فأهدانا يوماً آخر يحفظ في سجل الشرف، ألا وهو تاريخ 7 أكتوبر، حين قامت المقاومة الفلسطينية بعملية "طوفان الأقصى"، وعبر مقاتلوها إلى قلب الأراضي المحتلة.

لم يشهد الشارع المصري زخماً وصل حد الإجماع مثلما حدث خلال الأيام الماضية. فمنذ أن بدأت الأحداث تشتعل في غزة وتنتشر صور الأبطال المقاومين ومعها معجزات؛ حتى بدأ المصريون بالتفاعل معها؛ وتثمين جهود الشجعان من شباب غزة، وصولاً إلى متابعة عملية "طوفان الأقصى" طوال الوقت. فالذاكرة الجمعية المصرية ما زالت تتعامل مع "إسرائيل" باعتبارها "دولة" احتلال. أما الجميل فهو أن هذا الشعور لم يكن حكراً على فئة أو طبقة أو مستوى اجتماعي محدّد، بل كأنه "طوفان" من المشاعر المثمّنة لتضحيات مقاومي غزة، واشتعال جذوة كراهية الكيان الصهيوني.

في هذا السياق، قررت "الميادين الثقافية" أن تجول على عدد من المصريين وتتوجّه إليهم بسؤال حول "طوفان الأقصى" وما تبعها من تطورات، وهذه كانت إجاباتهم.

***

يقول محمد أبو هميلة (57 عاماً)، وهو سائق تاكسي من المنوفية، إن: "ما قام به شجعان غزة ما هو إلا مقاومة مؤجّلة.. ستحدث عاجلاً  أم آجلاً". وإذ يدعم أبو هميلة الحق الفلسطيني في المقاومة، فقد عبّر عن إعجابه الشديد بفكرة البراشوت باستخدام المراوح. "إنها فكرة ذكية"، قال.  

كما تحدث عن الحصار الغاشم الذي يُضرب على سكان غزة بغرض "تطفيشهم"، ودفعهم قسراً للهروب من القطاع بغرض الاستيلاء عليه ودفع سكانه للتوجّه إلى سيناء، مؤكداً أن "هذا الأمر سيظل مرفوضاً، ليس من قبل المصريين وحدهم، بل من جانب الفلسطينيين أيضاً". 

من جانبه، يرى علي حمزة (36 عاماً)،وهو تاجر من محافظة السويس، أن ما يحدث في فلسطين هو "ردّ فعل طبيعي، ليس لفلسطينيي الداخل المحتل وقطاع غزة فحسب، بل أيضاً لكل فلسطينيي الشتات الذين دخلوا عن طريق لبنان وأجروا عمليات عسكرية داخل العمق المحتل".

ويضيف: "بالنسبة للشباب في الضفة وغزة؛ فهم شعب أعزل يواجه حرب إبادة من دون أي مساندة فعلية بالسلاح أو بالغذاء، بل اكتفت الدول العربية بالتعاطف"، معتبراً أن "تدمير المباني والمنشآت المدنية في غزة ترتّب عليه احتجاز أكثر من مليوني إنسان في القطاع في ظل ظروف قاسية تعرّضهم للموت جوعاً إن لم يكن تحت المباني المقصوفة. فمعبر كرم أبو سالم المخصص للتبادل التجاري بين مصر وغزة والذي تشرف عليه "إسرائيل"؛ تم إيقاف العمل فيه وبالتالي منع الوقود عن القطاع".

وعبّر حمزة عن أمنيته بأن "ينظر المجتمع الدولي للظروف الصعبة التي تخيّم على السكان المدنيين في قطاع غزة"،قبل أن يختم بتوجيه تحية لكل المقاومين في عملية "طوفان الأقصى".

أما الطالبة الجامعية داليا محمد (23 عاماً)، فقد عبّرت عن رفضها لحصار الفلسطينيين في غزة ومنع الكهرباء والماء والطعام والمساعدات الإنسانية عنهم، والتي وصلت إلى حد ضرب معبر رفح بين مصر وغزة،فضلاً عن اشتراط الاحتلال الإفراج عن أسراه لدى المقاومة مقابل السماح بمرور الغذاء والماء والأدوية إلى القطاع.

"هذا عمل غير أخلاقي وغير إنساني"،تقول داليا التي ترى أن قصف العدو للمباني السكنية وقتل المدنيين بحجة تمركز عناصر المقاومة فيها زعم غير منطقي وغير عقلاني، مناشدة التدخّل لوقف المجازر بحق الفلسطينيين.

"ما حدث منذ أيام، كان يجب أن يحدث منذ 70 عاماً"، هكذا عبّر حسين عبد الحميد حسين (48 عاماً)، وهو عامل في مقهى من مقاهي القاهرة، مضيفاً أن كل المخططات الإسرائيلية التي تستهدف القضاء على القضية الفلسطينية ستنتهي بالفشل، وأن فلسطين ستتحرّر لا محالة، وكلّ مصري مؤمن بأن "فلسطين للفلسطينيين". 

في أحد معارض الفن التشكيلي في وسط القاهرة، قابلنا الفنان التشكيلي عاطف أحمد (45  عاماً)، فتحدّث إلينا قائلاً إن: "كلّ إنسان حقيقي يتعاطف مع الحق الفلسطيني لتعرّض أهله لكل أشكال العنصرية. الأمر الذي يستلزم الدفاع عن حياتهم وكرامتهم".

وحول تصريحات وزير الحرب الإسرائيلي بأن سكان غزة "حيوانات بشرية"، رأى أحمد أنه "من الطبيعي أن يصدر عنهم (الإسرائيليين) مثل هكذا كلام، فالعقلية التي تقبل احتلال أراضٍ ليست لها من الطبيعي أن تفكّر في إبادة أصحاب الأرض. وعندما يصدر كلام سيّئ من شخص سيّئ يصبح الأمر طبيعياً. فكيف يمكن لمن يدّعي الإنسانية ويصرخ يومياً بالتنديد لقتل مدنيين إسرائيليين؛ أن يقتل يومياً مدنيين فلسطينيين بدم بارد؟".

من جهتها، تقول المديرة العامة في وزارة الآثار المصرية، وهيبة صالح (54 عاماً)، بحكم دراستها في كلية الآثار "درسنا تاريخ اليهود، ولم يُشَرْ إليهم باعتبارهم شعباً، بل دائماً ما تمّت الإشارة إليهم باعتبارهم قبائل. وحتى النصوص القديمة لا يوجد فيها ذكر لليهود كشعب، بل قبائل متفرقة، على عكس الشعب الفلسطيني حيث كانت هناك دول تاريخية". وعبّرت صالح عن فخرها بعملية "طوفان الأقصى" التي كبّدت الاحتلال خسائر بشرية كبيرة ونقلت الحرب إلى الأراضي المحتلة، من دون أن تصرّح بخوفها الشديد على "أهلنا في قطاع غزة".

"إذا ما حضرت قضية فلسطين فإن أي قضية أخرى تغيب"، هكذا بدأ مالك عدلي (47 عاماً) حديثه مع "الميادين الثقافية".

وقال المحامي الحقوقي المصري إن "القضية الفلسطينية من أهم القضايا التي تربّينا عليها، وعلى مآسيها، وتطوراتها، وتدهوراتها"، مضيفاً أن "التضامن مع الفلسطينيين ليس خياراً لأن هؤلاء أهلنا ولأننا بشر.. إضافة إلى أسباب أخرى كثيرة".  

أما في ما يتعلق بما يجري حالياً في القطاع؛ فإن عدلي يجد المناسبة ممتازة للتذكير بكلام سابق لأورسولا فاندرلاين، التي صرّحت بأن قطع الماء والكهرباء عن المدنيين الأوكرانيين يعد جريمة حرب، لأن الأمر نفسه ينطبق اليوم على المدنيين الفلسطينيين في قطاع غزة المحاصر.

وبما أن الغرب وإعلامه يكيل بمكيالين لا يعود بالإمكان إنكار حق المقاومة في الرد لانتزاع حقوق الفلسطينيين؛ وهو مقرّر بموجب القانون الدولي الإنساني.

ويرى عدلي أن "القضية الفلسطينية ووجهت هذه المرة بغارة غشيمة من المعايير المزدوجة من الولايات المتحدة والمسؤولين فيها، وكذلك هناك دول عانت من الحروب وترفع شعارات الحرية مثل ألمانيا وفرنسا وبريطانيا وإيطاليا؛ التي تقدّم اليوم غطاء دولياً ودبلوماسياً لجرائم الصهاينة ومجازرهم بحق الفلسطينيين".

ووفقاً لعدلي، فإن "طوفان الأقصى" نسف كلّ كلام عن أن القضية الفلسطينية لا تهم إلّا أهلها. 

 

في السابع من تشرين الأول/أكتوبر 2023 أعلنت كتائب القسام معركة "طوفان الأقصى"، فاقتحمت المستوطنات الإسرائيلية في غلاف غزة، وأسرت جنوداً ومستوطنين إسرائيليين. قامت "إسرائيل" بعدها بحملة انتقام وحشية ضد القطاع، في عدوانٍ قتل وأصاب عشرات الآلاف من الفلسطينيين.