منير العكش يفضح سرّ "العنف اليهودي"

أن يُصدر منير العكش كتاب "اليهود والعنف"، فهذا لا ينفصل عن سلسلة أعماله التي كشفت جوانب خافية من إبادة أصحاب البلاد المنكوبة، وتأسيس الولايات المتحدة على بحر من الدم والجثث والأكاذيب والتديّن الإبادي.

  • منير العكش
    منير العكش

أتابعه منذ عقود، وأسعى للحصول على كلّ ما ينجزه من أعمال فكرية بحثية رفيعة المستوى، تفتح للقارئ العربي نوافذ فسيحة على معرفة يجهلها غالباً. هو الذي اختار منذ سنوات العيش في الولايات المتحدة، بعد سنوات قضاها في بيروت، وهناك عمل أستاذاً جامعياً، وانهمك في البحث عما خفي عن أكبر عملية إبادة وقعت في تاريخ البشرية لأصحاب تلك البلاد الأصليين، الذين غزتهم أفواج من الأفّاقين والباحثين عن الثروة والمغامرة.

لقد نظّر من برّروا تلك الهجمة الرهيبة لبلاد تسبّبوا لها ولأهلها بأفدح نكبة في تاريخ البشرية، بعد أن أقنعوا أنفسهم بأنهم لا يحتلون، وإنما يضعون أيديهم وأرجلهم على بلاد يرون أنها (الأرض الموعودة) لهم، تماماً كما نظّر الصهاينة لتبرير تسلّلهم إلى فلسطين، وادّعوا أنهم يعودون بعد 2000 سنة إليها من دون أن يبرّروا غيابهم هذا، ويجيبوا عن السؤال: أين كنتم غائبين طيلة الألفي سنة؟ ولماذا الآن في زمن الإمبراطوريات الاستعمارية في القرن العشرين تتمّ (إعادتكم)؟

ثُمّ ها هي (عودتهم) تتمّ بالدعم الغربي البريطاني والأميركي، الذي يبارك إبادة عرب فلسطين علناً في قطاع غزّة. فالكيان له دور في قلب الوطن العربي والشرق كله، ولا بد من صونه، وتقويته، وتكريسه متفوّقاً تفوّقاً ساحقاً على (كُلّ) العرب. 

أن يُصدر منير العكش كتاب "اليهود والعنف" ضمن سلسلة "كيف يصبح الدين شراً؟"، فهذا لا ينفصل عن سلسلة أعماله التي كشفت جوانب خافية من إبادة أصحاب البلاد المنكوبة وتأسيس الولايات المتحدة على بحر من الدم والجثث والأكاذيب والتديّن الإبادي. فهو يعود ليواصل مشروعه الفكري التقدّمي مقدّماً رؤيته الفكرية المعمّقة الآن، قارئاً لحرب إبادة كأنما تواصل مسيرة حروب الإبادة السابقة، فاتحاً العيون على أن ما يحدث في فلسطين وغزة تحديداً، يجب أن يُفهم بهذا العمق والأبعاد، في الوقت الذي يحرق أتباع يهوه قطاع غزة، ويحظون بالرعاية الأميركية، وواشنطن رائدة في الاحتلال والإبادة، تمويلاً وتسليحاً وإبادة وتبريراً (إسرائيل تدافع عن نفسها).

وهم من قبل كانوا يواصلون "الدفاع" عن أنفسهم في مواجهة أصحاب البلاد الذين عاشوا بطمأنينة وسلام إلى أن بدأ تدفّق الموعودين بالأرض الموعودة..كيف؟ من وعدهم؟ علماً أنهم مسيحيون أتقياء ورعون، ولكنهم امتلكوا المدافع والبنادق والأوبئة التي لوّثوا بها البطانيات التي قدّموها مساعدة للساذجين الأبرياء لتدفئة أجسادهم ففتكت بهم الكوليرا التي سُخّرت لتساعد المدافع في تعقّبهم وهم يلوذون بالهرب بعيداً أمام حرب وحشية عجزوا عن تحمّل نيرانها وصدّها. تلك الحرب التي تمكّنت مع الأوبئة من حصد 117 مليوناً من أرواح أصحاب البلاد الأصليين بقدرة الرّب!

وقاد تلك المذابح المروّعة من نُصبت تماثيلهم الفخمة بعد أن تكلّلت مسيرات حيواتهم البطّاشة بمزيد من اقتلاع أصحاب البلاد، وطُبعت صورهم بفخر وتبجيل كمؤسسين لأميركا على مليارات الدولارات فخر إنجازهم الاقتصادي.. وليحفظ الرب أميركا!

وفي المقدّمة (الجنرال)، الرئيس في ما بعد، جورج واشنطن، وهو أحد أبرز آلهة الشر الذين استخدموا أحط وسائل الإبادة لمن وثقوا بابتسامة الجنرال ملاك الموت الإبادي.. وسار على خياره الرئيس إبراهام لينكولن.. ولا تتفاجأوا، فكي تبايعك أمة اللمم رئيساً لا بد أن تبرز إبادياً!

ينبّه منير العكش في مدخل الكتاب إلى بعض المصطلحات، كما شرحها بعض علماء الآثار والمؤرخين، فمثلاً كلمة (العبري) ليست اسماً لجنس أو عرق، بل هي صفة تعني (البدوي)، كما تعني (العابر)، و(اللص)، (وتعني قاطع الطريق) و(الدخيل النشاز) و(البربري) بحسب المؤرخ وعالم الآثار ثيوفيل ميك.

وينقل عكش عن الفيلسوف اليوناني سلسوس (عاش في القرن الثاني قبل الميلاد)، وصفه لليهود قائلاً إنهم: "إضافة إلى جذامهم المزمن، كانوا بين المصريين نوعاً من التلوّث".

وهناك إجماع، على ما ينقله العكش، بأن إله "إسرائيل" إله صحراوي، إذ يقول جون فلايت بأن : "إله إسرائيل إله صحراوي قحّ".

في مقدّمة كتابه الصادر حديثاً عن "المؤسسة العربية للدراسات والنشر"، يكتب العكش: "صحيح أن أسفار التوراة المنسوبة إلى النبي موسى ليست عملاً تاريخياً، لكن هذه الأسفار غير التاريخية ترسم لمن يقرؤها بإمعان صورة تاريخية كاملة للذهنية اليهودية"، (ص 27).

ثمّ يفسّر جوهر الذهنية الصحراوية: "والذهنية هنا هي إشارة إلى مجموع الخبرات والتجارب والأوهام والسلوك وأنظمة الحياة التي عاشتها هذه العشائر في صحرائها أيّام الآباء، ثم شملها التقليد العبراني في توراة العهد القديم، وجعلها ديناً وظيفياً تعمل فيه الآلهة عند هذه العشائر بالسخرة".

ويضيف في الصفحة نفسها: "كانت الصحراء تفصح عما يعني لهم الدين، فيها صارت أحلامهم التاريخية بالغزو والنهب عصب الذهنية اليهودية، صارت اجتراراً لذلك الهوس المقدّس بتدمير واستعباد ونهب حضارات الشرق القديم. أمراض اجتماعية لم تنسب إلى السماء وتسمّى ديناً إلّا لأنّ تلك العشائر لم تعبد إلّا ذاتها، ولم ترَ في ربّها إلّا شاهد زور أو كبش فداء. وربّهم هذا هو الذي دفع الضحايا لسيوفهم، وهو الذي أوصاهم بسرقة المصريين وأعطاهم بلاد الكنعانيين".

ولأن العكش لا يؤلف هذه الصفات المخزية من عنده، ولأنها موجودة في كتبهم، فهو يحدّدها في سفر التثنية على سبيل المثال (التثنية 2، 32 و3:3-6 والخروج 15: 1-18). و"هم حين يرمون جرائمهم في عنق ربّهم لا يعني أنهم لا يملكون تبريراً أخلاقياً أو إنسانياً واحداً لها وحسب، بل يعني أنهم – في عبادتهم لذاتهم - يدّعون أنهم أنبل من ربّهم وأطهر وأكرم أخلاقاً" (ص29).

هذه الذهنية التي أسسها الآباء (الأنبياء) من مادة حياة اليهود الصحراوية، ما زالت فاعلة في سلوك مستعمري فلسطين وأخلاقهم وهي الثابت الوحيد والفاعل في هذا التاريخ. "أما كل ما عداها من أشخاص وأحداث وآلهة ظهرت في هذه الأسفار فما زال بالنسبة للتاريخ عالماً من الأشباح، ما يزيد القناعة بأن هذه الأسفار الخمسة المسماة بالتوراة، مجرد هلوسة أيديولوجية مسعورة نُسبت إلى الآباء، بعد أن كتبت في وقت متأخر على قياس حاجات ذلك المجتمع البدوي في بيئته الصحراوية القاسية" (ص 30).

العكش معني بتعزيز رؤيته لأسفار الحقد والذبح والإبادة بما كتبه مفكّرون وباحثون يهود ليسوا صهاينة أمثال (إسرائيل فنكلستاين) و(نل سيلبرمن) وغيرهما، ويريان أن التهويمات التوراتية لم تبرهن على صحة تهويمات (تاريخية) أُطلقت من خارج التاريخ.

ويحدّد العكش سرّ الذهنية اليهودية مذكّراً بتمحور فكرة إسرائيل و(الأرض الموعودة) التي تضعنا أمام أيديولوجية إبادة جماعية لا تتحقّق إلّا بالعنف المميت التي تتحقّق اليوم بالحركة الصهيونية. وفي خاتمة الفصل يبلغ العكش الحقيقة التالية: "ما يشهده العالم في غزة اليوم هو عرض طقسي حيّ بالصوت والصورة لهذه الأيديولوجيا الإبادية التحريمية التي كانت وما زالت عبادة لهم لازمت (إسرائيل) من يوشع إلى نتنياهو" (ص 36). 

في الفصل الثاني وعنوانه "المحراث والسيف"، يقدّم له العكش بأقوال لمؤرخين ومفكّرين وفلاسفة عالميين، هي بمثابة أحكام تاريخية لم تأتِ اعتسافاً، ولكنها صدرت عنهم معززة بوقائع وأحداث وإبادات اقترفها أسلافهم وتركوها لهم تراثاً ثابتاً ما زالوا يمارسونه ويقترفونه وهم يباهون به، وينتشون بالدم الذي ورثوه، والدم الذي يقطر من أيديهم بنشوة. وهذا ما يراه العالم بالصوت والصورة في قطاع غزة ومدنه وقراه ومخيماته، ولا نتناسى ما يقترفه ورثة الوحشية في الضفة الغربية ومدنها وبلداتها ومخيماتها.

ويُنبّه العكش "لقد نُسج المعنى الجنيني لفكرة أميركا المنسوخة من فكرة (إسرائيل) التوراتية: احتلال أرض الغير، واستبدال شعب بشعب، واستبدال ثقافة بثقافة، وتاريخ بتاريخ". ويتساءل: "هل من المصادفة، مثلاً، أن يطلق على (أنبياء) فكرة أميركا الدمويين صفة الآباء كما يوصف أنبياء فكرة (إسرائيل) بالآباء؟" ( ص 44).

لم يتفرّد المؤرخ اليوناني سلسوس بوصف (بربريتهم وطفيلية وجودهم) فهناك عدد كبير من المؤرخين المصريين واليونان الذين عاينوهم وخبروهم قبل تلك الفترة المبكرة من التاريخ، وأجمعوا على: (أ) بداوتهم (ب) صحراوية بيئتهم، (ج) بربريتهم، (د) حقدهم على حضارات عصرهم في مصر وسوريا وكنعان، ووادي الرافدين.

ومن المؤرخين الذين يستعين بهم العكش، والذين عرفوا تلك القبائل في زمنها، وكانوا شهوداً على (ديانتهم) ووصفوها بما فيها: المؤرخ مانيتو المصري في القرن الثالث قبل الميلاد، ومولون اليوناني، والمؤرخ المصري أبيون في القرن الأول قبل الميلاد، ثمّ أحدثهم الفيلسوف سلسوس الذي ركّز على انحطاطهم الثقافي وعالتهم على الإنسانية، ووصف ديانتهم بأنها لا تناسب إلّا الجهلة والأغبياء ( ص45).

لا يتقوّل العكش على ديانة اليهود وصحراويتها ووحشية وجهالة معتنقيها، فهو يستعين بمن عاصروا (آباءهم) منذ بداية الدين الصحراوي، ويثبّت أسماء المؤرخين معاصريهم، ونصوصهم، واستخلاصاتهم. أمّا نحن أبناء هذا الزمن فإننا شهود على وحشية عُبّاد تلك الديانة، سواء كانوا يشكّلون امتداداً سلالياً أو مجرّد معتنقين للدين اليهودي بكلّ حُمولته الوحشية الحقودة، ومن يريد الاستزادة أنصحه بأن يقرأ كتاب اليهودي الذي انقلب من شيوعي إلى صهيوني بعد أحداث المجر عام 1956، آرثر كوستلر، "القبيلة الثالثة عشرة"، الذي يبرهن فيه اعتماداً على كتاب (رحلة ابن فضلان)، وهو الذي أرسل في سفارة إلى بلاد البلغار، وفي الطريق أُسر واقتيد إلى بلاد الفايكنغ، وعرف حكاية اعتناق ملك بلاد الخزر لليهودية وفرضها على شعبه، وهي الواقعة بين روسيا والسلطنة العثمانية حتى لا يكون تابعاً لأي من الإمبراطوريتين. ثم انهارت تلك المملكة ولجأ أهلها إلى روسيا وغيرها، وهم برأي كوستلر لا حقوق لهم في فلسطين، وقد شنّ الصهاينة حملة عليه واعتبروه مجنوناً، وهم في كل الأحوال منذ زرعت بريطانيا "دولتهم" في قلب فلسطين جسّدوا التراث الوحشي الحقود في قلب بلاد العرب، ناهيك عن الدسائس والمؤامرات ودعم كل ما يأخذ البشرية إلى الخراب، ويعيق تطوّر وتقدّم الشعوب لأنهم يرون فيه خراباً يتهدّد مشروعهم الاحتلالي السيادي المحتمي بالغرب الاستعماري.

يكتب العكش: "من أبرز هذه الحياة كراهيتهم للعمل، إنهم كبدو الصحراء ليس في عملهم ما يستحق الذكر أو يفيد الحضارة الإنسانية بشيء. وقد كان هذا من أسباب عنفهم وتقديس حياة النهب والسلب والغنائم" (ص 41).

أثناء الحرب الهمجية على شعبنا في قطاع غزة، ونتيجة لخسائر "جيش" العدو الفادحة ارتفعت أصوات تطالب بتجنيد (المتدينين) في "الجيش" حتى يسدوا النقص الفادح الذي وقع في صفوفه بسبب الخسائر التي ألحقتها به المقاومة الفلسطينية، التي تتقدّمها كتائب القسّام وسرايا القدس والفصائل المقاومة التي انحازت للدفاع عن شعبنا. ولقد رفض (الحريديم) التطوّع لسّد النقص لأنهم يتفرّغون للصلاة، وهم بصلواتهم يدعمون "الجيش" وينصرونه، وهدّدوا بالرحيل من الكيان الصهيوني في حال فرض عليهم التجنيد!

بالمناسبة، بدأ الوعي بفضل "طوفان الأقصى" ينتشر بين الشباب في أميركا، وترتفع الأصوات التي تدين نهب ما يدفعونه في أميركا ويتمّ تقديمه للكيان الصهيوني لتمويل متبطلين يصلّون ويعيشون حياة البطالة بحجة العبادة! بينما المواطنون الأميركيون بلا ضمان صحي، ولا دراسة متقدّمة كبلدان العالم المتطورة، ويُنهبون لمصلحة كيان يتعيّش على حسابهم وترسل له الأسلحة التي تُدمّر حياة الفلسطينيين، وتعتدي على حياة أناس بلدان كثيرة تثور من أجل حريتها.

لم يكن المؤرخ اليوناني مولون متفرّداً بوصف (بربريتهم وطفيلية وجودهم). فهناك عدد كبير من المؤرخين المصريين واليونان الذين عاينوهم وخبروهم قبل تلك الفترة المبكرة من التاريخ.

ويرى العكش أن "كلّ ما حيك من الأسفار الخمسة من خرافات وأساطير عن آدم ونوح وحام وسام وكنعان وأبراهام وعنزة يعقوب..إلخ، هو تنويع مرضي ممل على (تأليه الذات) وتقديس عنصريتها ضد كل ما هو على الأرض من بشر" (ص 46).

ويختم العكش الفصل المعنون بــ (مجتمع بصيغة إله) بالفقرة القصيرة المكثفة الآتية: "تشارلز داروين في مقدمة الفصل الثالث من كتابه (أصل الإنسان) يقولها بصريح العبارة: (إن الأخلاق هي ما يميز الإنسان عن الحيوانات الدنيا)، وهذه بالتأكيد ملاحظة جوهرية للكشف عن أصل عبادة تلك البقرة المقدسة (إسرائيل) وأصل أيديولوجيتها الإبادية التي كانت وما زالت من أخطر منابع البربرية التي تهدد حياتنا على الأرض" (ص 114).

أكثر من صوت في حكومة نتنياهو ارتفع، وفي مقدمتهم، وزير التراث (ما هو تراثهم سوى القتل والتخريب والتآمر؟)، يطالب بإلقاء قنبلة ذرية على قطاع غزّة. فهل نحتاج كعرب إلى مزيد من اعترافات "دولة" التوحّش والإبادة إلى مزيد من الإجرام والتخريب والقتل لنصدّق؟ ليسوا بحاجة للقنبلة الذرية، فهم في "دولة" الكيان الصهيوني التي استولدتها بريطانيا، واحتضنتها الولايات المتحدة وسلّحتها فرنسا بالمفاعل في ديمونا، وما تقترفه ابنة الغرب، من تجويع، وتدمير المباني على رؤوس ساكنيها، والحرمان من الدواء وحليب الأطفال، والماء، هو حرب إبادة. وفي الكيان الصهيوني لم تخرج تظاهرة واحدة تقول: كفى. لأنهم كيان وجد بالاغتصاب، والحروب الإبادية على عرب فلسطين من أكثر من 75 عاماً.

كلّ هذا، وأزيد، خطر ببال منير العكش، وهو يكتب فصول كتابه المركّزة، ليؤكّد: افتحوا عيونكم على وسعها أيها العرب.. وعقولكم، فعرب فلسطين يخوضون معركة الدفاع عن الأمة في وجه عدو منحطّ حيواني متوحّش، وها أنا أزوّدكم ببعض صفاته منذ نشأ، صحراوياً وغزواً ونهباً وحقداً.