مها أبو عوف.. "سيدة الأقدار" الغريبة!

عاشت حياتها في مفارقات غريبة.. تعالوا نتعرف إلى جزء من سيرة مها أبو عوف.

كانت طفلة حين انتقلت مها أبو عوف مع أسرتها إلى فيلا مغلقة بالشمع الأحمر وتحتاج إلى أمر كتابي من الشرطة ليستطيعوا فتحها. كادت حياة هذه الطفلة أن تسير بشكل طبيعي إلى أن صرخت أمها فجأة وهي ترتب حديقة البيت الجديد. منذ تلك الصرخة لم تهدأ حياة مها أبو عوف من الصخب، ولم تعزها حكايات الموت والأسرار والجن العفاريت، بل أصابتها كذلك لعنات الإشاعات والسياسة.

عفريت فيلا شيكوريل

في هذه الفيلا بدأت الفنانة المصرية مها أبو عوف حياة لم تكن طبيعية بأي حال في كل تفاصيلها، أو أن هذا ما سيتضح في ما بعد. 

عبر حاخام وقس وشيخ حاولت أسرة أبو عوف إخراج "الجن" الذي سكن فيلا شيكوريل التي اشتراها الموسيقي أحمد أبو عوف. لم يصدق حكايات الجن في البداية، من دون أن يعرف أن "عفريت شيكوريل" سيشكل ذكريات ابنته مها، التي كانت تحتل الترتيب الثاني بين أخواتها. 

حينها، استعانت أمّ مها أبو عوف بالجدة التركية والتي كانت كثيراً ما تقرأ القرآن باستمرار، لإخراج العفريت من الفيلا، وروت مها أبو عوف قصة مرعبة كان بطلها خالها الذي يقيم في إحدى غرف الفيلا.

تكررت مواقف "شبح" شيكوريل مع العائلة كلها، فرأته الأم في حديقة المنزل، ورأته يتمشى ليلاً في ممرات الفيلا الواسعة في هيئة تشبه القس، وكذلك رآه الخال على هيئة قس يرتدي الزي الأسود وليس فيه أي شيء أبيض سوى رقبته، لكن والدها بقي مصراً على أن كل ما يحدث هراء إلى الوقت الذي ذهبت فيه الأسرة في إجازة إلى الإسكندرية. 

حكت أبو عوف التي رحلت العام الماضي بعد معاناة من مرض السرطان، أن والدها كان يعد لحناً جديداً، ونسي جزءاً من اللحن، وحاول مراراً أن يتذكره لكنه لم يستطع أن يكمله وكان دائماً ما ينسى جزءاً من اللحن، حتى فوجئ وهو يدخل إلى الحمام أن هناك من يعزف الجزء الناقص من اللحن، ليهرع الأب إلى أسرته في الإسكندرية من دون أن ينتبه أنه قد خرج لهم بـ"البيجامة" وترك الباب مفتوحاً. 

عمر خورشيد والمكالمة التي لن تحدث

حكاية عفريت فيلا شيكوريل كانت الحلقة الأولى من الحياة الغريبة التي ستحياها أبو عوف. ففي صباح السبت 30 أيار/مايو من العام 1981، نشرت الصحف في صدر صفحاتها عناوين عريضة تنتهي بعلامات استفهام وتعجب. أما العناوين فكانت عن مصرع عمر خورشيد، عازف الغيتار الشهير، بحادث سيارة.

كانت الزوجة الشابة، وزوجته الثانية وقتها، مها أبو عوف تنتظره بجانب الهاتف ليخبرها أنه آتٍ إلى العشاء، أو أنه في الطريق إليها، لكن ما جاءها بعد ذلك أن حادثاً غريباً وقع له أمام محل "خريستو" في شارع الهرم. 

وفي 4 كانون الأول/ديسمبر من العام نفسه، أي بعد نحو 6 أشهر على الحادث، اختتمت النيابة تحقيقاتها بمذكرة رفعتها إلى المستشار علي عبد الشكور، المحامي العام في الجيزة، وتقول في أهم سطورها "... والنيابة ترى من جميع ما تقدم أن التحقيقات كلها تنطق بإسناد الخطأ إلى المتوفي عمر خورشيد، ولم تشر التحقيقات إلى أن هناك خطأ من الغير يمكن أن ينجم عنه الحادث". 

إشاعات كثيرة أحاطت بظروف وفاة خورشيد، ومنها أنه ربما اغتيل عقاباً له على موقفه المؤيد للتطبيع مع العدو الإسرائيلي.

لكن، مثلما عاشت مها أبو عوف الجزء الأول من حياتها في مفارقات غريبة، فقد ظلت الهمسات عن وفاة عمر خورشيد بلا إجابات. مثلها مثل الشائعة التي راجت في سنواته الأخيرة عن علاقته بالجن وصلته بــ "العالم السفلي"، وهي المسألة التي كان المؤرخ الراحل عبد الله أحمد عبد الله أهم من حاول ترويجها وتأكيدها.

هذا الأمر أكدته مها أبو عوف في آخر لقاء لها مع الإعلامي الراحل وائل الإبراشي، حين قالت "فيه حاجة في وفاة عمر أنا مش فاهماها وما حاولتش أفهمها". 

المثير حقاً أن مها كانت حاملاً في الشهر الرابع، لكن الحمل لم يكتمل ليكون له حكاية جديدة تحمل اسمه في قادم أيامها. 

"لن أخبر امرأة بعدكِ أنها لن تنجب"

كانت الفنانة الراحلة تعاني من مرض تكيّس المبيض، وكان إنجابها لابنها الأول "معجزة" بمقاييس الطب الذي قضى باستحالة إنجابها. 

روت مها في لقاءات عدة أسفارها إلى إيطاليا وفرنسا والولايات المتحدة وغيرها من الدول سعياً وراء الإنجاب، والتقت عدداً كبيراً من الأطباء الذين طالبوها بأن تنسى الأمر، بل طلبوا منها أيضاً إزالة الرحم حتى لا تتعرض لمخاطر الحمل الكاذب. لكن شيئاً ما بداخلها كان يخبرها بأنها ستنجب، فلم تنصع لفكرة إزالة الرحم وعادت إلى مصر. 

ولما تأخر أمر حملها، وصار مستحيلاً، بدأت مها تفكر في سلوك طريق التبني لإشباع غريزة الأمومة داخلها، وبالفعل كان هناك عدد من لاجئي البوسنة والهرسك وقتها في مصر ففكرت أن تزور مسكنهم لتنتقي ابناً أو بنتاً.

وفي إحدى الحفلات التي ذهبت إليها بصحبة شقيقها عزت أبو عوف شعرت مها بألم شديد في بطنها، فاعتقدت أن آلام إزالة 11 كيساً من على المبايض على مدى سنوات سابقة، قد عادت إليها من جديد. 

بعد ذلك بعدة أيام، وبعد ازدياد الألم، أجرت مها كشفاً طبياً، لتجد طبيبها وقد هرول ليستدعي بقية الأطباء ليريهم "المعجزة" التي نادراً ما تحدث، وهي أن تحمل امرأة مصابة بهذا المرض. 

حينها، اتصل عزت بالطبيب وطلب إليه أن يأتي إلى المنزل ليؤكد الأمر للجميع، وبالفعل أنجبت مها ابنها الأول التي كانت تشعر نحوه بحرص مبالغ فيه، على الرغم من تدخلات أخيها عزت أبو عوف. 

بعد حدوث هذه "المعجزة" بنحو 25 عاماً فارقت مها أبو عوف الحياة عام 2022 بعد صراع مع مرض السرطان.