هياف ياسين: جائزة أولى عالميّاً في تلحين الموشح

الموسيقار والملحّن اللبناني هيّاف ياسين يحصد الجائزة الدوليّة الأولى في تلحين الموشّح في مسابقة أطلقها "المجمع العربيّ للموسيقى".

  • هياف ياسين يتسلم الجائزة من عبد الدايم في القاهرة
    هياف ياسين يتسلّم الجائزة من إيناس عبد الدايم في القاهرة

أضاف الموسيقار والملحّن اللبناني هيّاف ياسين (1981) إنجازاً جديداً على إنجازاته الموسيقية بفوزه بالجائزة الدوليّة الأولى في تلحين الموشّح في مسابقة أطلقها "المجمع العربيّ للموسيقى".

المجمّع منبثق عن "جامعة الدول العربية" أواسط سبعينيات القرن الماضي، ويهتم بحيّز الموسيقى العربية في كلّ الأوطان العربية، ويشارك بها عرب وغير عرب، وقد فاز بها من غير العرب مراراً، منها إيطاليّ سنة 2014. 

هذا العام، أطلق المجمّع مسابقته العالمية الدورية في التلحين والتأليف، طارحاً إطاراً يتناول قالب الموشّح الموسيقيّ الذي نشأ في حلب، وهو غير الموشح الشعري الأدبي الذي نشأ في الأندلس، وغير الموشح الزجليّ الموجود في التراث الموسيقيّ اللبنانيّ، على ما أفاد ياسين به "الميادين الثقافية". 

وأوضح ياسين أن "المسابقة اشترطت هذا العام أن يكون الموشح على تلاحين جديدة مع المحافظة على القالب القديم نفسه، الذي يُبنى من دور أول، ودور ثانٍ، وخانة وقَفْلة، وإضافة تجديد فيه، يبرّر للجنة مختصّة تحكيم هذه المسابقة".

شارك ياسين بموشّح من نظم شعر لسلطان العاشقين عمر ابن الفارض، بقصيدته الشهيرة "أخفي الهوى"، موضحاً أنه "تمّ تلحينه من مقام بيّاتي المحيّر، متضمّناً مرحلة من الارتجالات الهنكيّة في خانته على الضرب الإيقاعيّ المطوّل المعروف باسم "العويص". 

عبارات موسيقية دالّة على عمق موسيقي، وعمق في قلوب المستمعين، لكنها غريبة عن فهم العامة، يوضحها ياسين الميّال إلى التربية الموسيقية في عمله، شارحاً أنه "بثقافة الموشح العربيّ، منذ نشوئه في نهاية القرن السادس عشر، جرت العادة أن تكون ارتجالات الهنك فيه تسير على ضروب إيقاعية صغيرة، ثنائيّة، أو ثلاثية، وصولاً إلى العشريّة منها (كضرب السماعي الثقيل)، وهكذا جرى تقديم موشّح أخفي الهوى مع عناصر التخت الموسيقيّ الشرقيّ الخاصّ به، الذي امتدّ على مدار 9 دقائق". 

ولآلية الاشتراك بالمسابقة دينامية خاصة متشدّدة بسريّتها حفاظاً على موضوعية التحكيم، وبناء على هذا المفهوم، يرسل المشترك العمل الموسيقيّ مقفلاً، مغفّلاً بلا أسماء، بحسب ياسين، مضيفاً إن "المجمّع تعهّد بإيصاله إلى لجنة تحكيم غير معروفة".

  • ياسين متلفحاً العلم اللبناني إثر إعلان فوزه في القاهرة
    ياسين متلحّفاً العلم اللبناني إثر إعلان فوزه في القاهرة

بنتيجة التحكيم، أعلن المجمع فوز ياسين بالمركز الأوّل، وتمّت دعوته إلى القاهرة، وتسلّم الجائزة من وزيرة الثقافة السابقة في مصر إيناس عبد الدايم، رئيسة دار الأوبرا المصرية حتى سنة 2018، وعازفة فلوت عالمية، حيث تمّ عرض الموشّح سماعيّاً أمام مندوبي الدول العربية، وجرى الوعد بعرضه في إحدى أمسيات دار الأوبرا المقبلة. 

يعبّر ياسين المولع بالموسيقى الشرقية، والمتعمّق فيها، عن سعادته في أن يكون الُمجمّع قد أعاد طرح الاهتمام بالقوالب التقليديّة، في ظل انتشار نزعة التحديث في الموسيقى العربية، كما يلاحظ، معلّقاً على أهميّة "احترام كلّ التيّارات"، ومؤكّداً أن "هذا المسار يجب أن لا يكون المسار الوحيد، بل الصواب في وجود تيارات عديدة لكلّ الأنماط، والمسارات الفكريّة الموسيقيّة".

مضيفاً أنّ "هناك من يهتم بالموسيقى العربية الأصيلة، وبالأصالة والتأصيل، ويقدّم نتاجه على قاعدة التجديد من داخل الأصالة، كما يمكن أن نجد أنّ هناك من يبحث عن التحديث مع إدراج عناصر موسيقيّة غربية فيها"، خالصاً إلى القول في هذا الصدد إن "العدل هو في إتاحة المجال لهذين التيّارين في العمل والإنتاج والنشر".

يطغى على المبادرات الموسيقية الشابة طابع التغريب، أو المزج بين الغربي والشرقي، بينما قلّة من الموسيقيين تتجرّأ على التزام الأصالة المشرقيّة البحتة، لذلك شكّلت مبادرة "المجمّع العربي للموسيقى" بإثارة مسابقة الموشح الأصيل "فرصة لنا استطعنا الدخول عبرها للحصول على الجائزة"، بنظر ياسين، موضحاً أن "الموسيقييّن المشاركين هم من فئة الشباب، مما يؤكّد أنّ للموسيقى الأصيلة مساحة للعيش في نفوس المجتمع بشكل عصري".

وبالمناسبة، دعا ياسين الشباب الموسيقيّ إلى إيلاء الاهتمام بالموسيقى العربية، لأنه "يمكن لميولهم أن تتّسق أكثر مع ما هو رائج، والدعوات الملحّة للتحديث قد تأخذ اهتمام الشباب بهذا الاتجاه، إلّا أن طرح المسارين قد يكون المثال الأكثر عدلاً لهم، فهو يجعلهم يقومون بالاختيار انطلاقاً من أهدافهم ومكوّناتهم الثقافيّة"، قال خاتماً حديثه عن حيثيات الفوز بالجائزة.

يذكر أن هياف ياسين من مواليد إيران لكنّه ينتمي لعائلة من منطقة عكار أقاصي الشمال اللبناني، اهتم في بداياته بالعزف على البيانو، وخلال متابعته دراسة الموسيقى في الجامعة اللبنانية، تحوّل إلى موسيقى النهضة العربية، وتعرّف على آلة "السنطور" إلى أن حصل على الدكتوراه في الموسيقى وعلم الموسيقى، متخصّصاً في علوم التّربية الموسيقيّة. 

أسّس عام 2003 فرقة "التراث الموسيقي العربي"، ويحتل حالياً منصب رئاسة قِسم الموسيقى العربيّة، وقسم الموسيقولوجيا في كليّة الموسيقى وعِلم الموسيقى في الجامعة الأنطونيّة (لبنان)، وهو مؤسّس "بيت الموسيقى" في النّجدة الشّعبيّة اللّبنانيّة، ومديره العام، كما إنه عضو مجلس "موسيقى العالم العربيّ" التّابع للمجمع الدّولي للموسيقى التّقليديّة (ICTM)؛ (2021-2023).