خسائر "الدرونز" العسكريَّة حول العالم.. تكاليف باهظة رغم المنافع

البيانات التي جمعها موقع "درون وورز" حول الطائرات المسيّرة التي تم إسقاطها، أو تلك التي سقطت لأسباب فنية، ألقت الضَّوء على الأنشطة الخفية التي يتم فيها استخدام الأنظمة الجوية المسيّرة في شنّ هجمات ذات طابع أمني أو عسكري.

  • خسائر
    خسائر "الدرونز" العسكريَّة حول العالم.. تكاليف باهظة رغم المنافع

دائماً ما يتمّ تسليط الضوء على دور الدرونز العسكرية (الطائرات من دون طيار) من زاوية واحدة فقط، وهي قدراتها وإنجازاتها على المستوى الميداني، والفارق الشاسع الذي أحدثه دخول مثل هذه النوعية من المنظومات القتالية الجوية إلى ساحات المعارك، إذ توسّع قوس المهام الموكلة إليها عبر السنين من مجرد استطلاع مواقع العدو وتصوير آلياته وتمركزاته، إلى تنفيذ عمليات هجومية تكتيكية لقصف هذه المواقع وتدميرها، ناهيك بمهام أخرى، من بينها نقل العتاد العسكري وعمليات الحرب الإلكترونية وغيرها.

نظراً إلى طبيعة هذا النوع من المنظومات القتالية التي يتم التحكّم بها عن بعد، فإن أغلب أنشطتها وعملياتها لا تكون معلنة بشكل واضح، وخصوصاً في المناطق التي تشهد توترات عسكرية وأمنية حساسة. ولهذا، لا يتم اكتشاف معظم هذه الأنشطة ومن يقف وراءها إلا في حالات نادرة، وخصوصاً حين تفشل هذه المنظومات في تنفيذ مهماتها لسبب أو لآخر، أو حين يتم إسقاطها من قبل الدفاعات الجوية المعادية في أي مرحلة من مراحل تحليقها لتنفيذ العمليات المنوطة بها. 

وفي هذا الإطار، ألقت البيانات التي جمعها موقع "درون وورز" خلال العقد الممتدّ ما بين العامين 2010 و2020 حول الطائرات من دون طيار التي تم إسقاطها، أو تلك التي سقطت نتيجة أسباب فنيّة خلال عمليات عسكرية، بعض الضوء على الأنشطة الخفية التي يتم فيها استخدام الأنظمة الجوية المسيرة في شنّ هجمات ذات طابع أمنيّ أو عسكريّ، إذ أحصى الموقع نحو 460 حادث تحطّم منذ أوائل العام 2010 وحتى تموز/يوليو 2020.

 

أميركا.. أكبر الخاسرين في حروب "الدرونز"

  • خسائر
    الولايات المتحدة في المركز الأول ضمن قائمة الدول الأكثر خسارة للدرونز

وفقاً للبيانات المتاحة، حلَّت الولايات المتحدة الأميركية، المشغّل الأكبر للأنظمة الجوية المسيرة حول العالم، في المركز الأول ضمن قائمة الدول الأكثر خسارة للدرونز خلال العمليات العسكرية، إذ فقدت خلال العقد المنصرم نحو 175 طائرة من دون طيار، سواء في الأجواء الأميركية أو في مناطق أخرى، مثل سوريا والعراق واليمن ووسط أفريقيا وشمالها. الجزء الأكبر من هذه الطائرات سقط نتيجة أعطال فنية أو أخطاء في التشغيل والتوجيه.

أغلب هذه الحوادث كان من نصيب الطائرة الهجومية الأميركية الصنع "أم كيو- 1 بي بريديتور" التي تنتجها شركة "جنرال أتوميكس"، إذ فقد سلاح الجو الأميركي نحو 100 طائرة من هذا النوع. وكان هذا الأمر أحد أسباب توجّه الولايات المتحدة نحو تحديث هذا النوع وتطويره، وإنتاج نسخ أحدث مثل "أم كيو-1 سي جراي إيجل" و"إم كيو- 9 ريبير". وكانت أفغانستان من أهم الميادين التي تم فيها اكتشاف نقاط ضعف هذا النوع من الأنظمة القتالية المسيرة، حيث اتضح أنه يعاني بشكل كبير من مشاكل في آليات الإقلاع والهبوط.

وقد دفعت الدروس المستفادة من الحوادث التي جرت على مدارج المطارات في أفغانستان الشركاتِ المنتجةَ والمطوّرة للأنظمة العسكرية المسيرة، إلى ابتكار أنظمة تشغيل جديدة تسمح بالأتمتة الكاملة لعمليات إقلاع الطائرات المسيرة وهبوطها، وتحسين استقلاليتها العملياتية، ما قلَّص بشكل كبير هامش الخطأ البشري الذي كان سبباً رئيسياً في فقدان عشرات الطائرات خلال النصف الأول من العقد المنصرم.

عمليات الدرونز الأميركيَّة في النيجر كانت من أهم المؤشرات على استغلال بعض الدول المتقدّمة للنزاعات العسكرية في أفريقيا، من أجل تجربة أنظمتها الجوية المسيّرة، فقد فقدت الولايات المتحدة في النيجر منذ مطلع العام الجاري وحتى الشهر الماضي، 3 طائرات من دون طيار، علماً أنَّ واشنطن بدأت بتنفيذ عمليات استطلاعية وقتالية بطائراتها من دون طيار انطلاقاً من مطار نيامي في النيجر مطلع العام 2013، لمساندة القوات الفرنسية المتواجدة في منطقة الساحل والصحراء، وخصوصاً دولتي مالي والنيجر، وحالياً تشغل قاعدة كبيرة في مدينة أغاديز شمال البلاد.

أما فرنسا، رغم أنها لم تفقد سوى طائرتين من دون طيار خلال العقد المنصرم، فإنّ نشاطها المتزايد في مجال استخدام الطائرات من دون طيار يثير اهتمام العديد من المراقبين، ففي كانون الأول/ديسمبر 2019، أعلنت وزيرة الدفاع الفرنسية فلورنس بارلي أنَّ الوحدات الفرنسيّة في النيجر أنهت سلسلة من الاختبارات على إطلاق صواريخ موجّهة بالليزر عن متن الطائرات من دون طيار من نوع "إم كيو-9 ريبير"، وهي بذلك تنضمّ إلى عدة دول أوروبية أخرى تقوم بتشغيل طائراتها من دون طيار في هذه المنطقة المهمَّة ضمن مهمَّة دعم بعثة الأمم المتحدة في مالي، المعروفة باسم "مينوسما"، مثل هولندا والسويد وألمانيا.

 

المرتبة الثانية.. "الدرونز" التركية

  • خسائر
     فقدت تركيا بشكل مؤكّد 31 طائرة من دون طيار

حلَّت تركيا في المرتبة الثانية ضمن قائمة الدول الأكثر فقداناً للطائرات من دون طيار خلال العقد المنصرم، إذ فقدت بشكل مؤكّد 31 طائرة من دون طيار، أغلبيتها كانت أثناء العمليات القتالية في ليبيا وسوريا خلال العامين الأخيرين. وتصدَّرت طائرات "بيرقدار تي بي 2" الأنواع التي فقدتها أنقرة، إلى جانب طائرات "أنكا – أس" التي فُقد بعضها في سوريا، وطائرة واحدة من نوع "هيرون – 1" مصنّعة في "إسرائيل" فقدتها تركيا في العام 2011 بسبب عطل فني.

تجربة تركيا في استخدام الطائرات من دون طيار في العمليات القتاليَّة تبقى تجربة مهمَّة، لكنَّ المعدل الكبير من الخسائر التي تكبَّدتها في ليبيا، رغم محدودية الدفاعات الجوية المتوفرة لمواجهتها في الجيش الوطني الليبي، دفع الجيش التركي إلى إعادة النظر في فلسفته الحالية التي تعتمد على استخدام الطائرات الهجومية التكتيكية من دون طيار (مثل بيرقدار) في مهام قتالية يمكن أن يتم تنفيذها بطائرات أقل وزناً وتعقيداً، ولا تمثل خسارة كبيرة في حالة فقدانها، مثل الذخائر الجوالة أو الدرونز الانتحارية التي تصطدم بالهدف من أجل تدميره. وقد قامت تركيا بالفعل بتجربة هذا التكتيك في ليبيا.

 

نيودلهي في المرتبة الثالثة

  • خسائر
     الهند تمتلك تشكيلة من الطائرات المصنَّعة محلياً

تعدّ الهند من أكبر مشغّلي الأنظمة الجوية المسيّرة في قارة آسيا، إذ تمتلك تشكيلة من الطائرات المصنَّعة محلياً، مثل الطائرة "نسهنت"، إلى جانب أعداد أخرى من الطائرات الإسرائيليَّة "هيرون". بشكل عام، فقدت الهند 14 طائرة من دون طيار خلال العقد المنصرم، كان نصفها من نوع "هيرون" الإسرائيليَّة الصنع. وقد سقطت لأسباب فنيَّة أثناء تنفيذها عمليات تدريبيّة.

احتلّت "إسرائيل" مركزاً متقدماً في هذه القائمة، إذ فقدت خلال العقد الماضي 8 طائرات دون طيار، وتساوت معها الإمارات العربية المتحدة، التي فقدت العدد نفسه من الطائرات، واحدة من نوع "بريديتور" أميركية الصنع في اليمن، و7 طائرات صينية الصنع من نوع "وينج لونج" فقدتها في ليبيا.

  • خسائر
     الخسائر الإسرائيلية من طائرات الدرونز

بالنّسبة إلى تفصيلات البيانات التي تمّ جمعها خلال هذه الفترة، فقد أظهرت أنَّ النسبة الأكبر من الأسباب الفنية لسقوط الطائرات من دون طيار حول العالم، ارتبطت بعمليات الهبوط أو الإقلاع، تليها الأخطاء المتعلّقة بالأنظمة الكهربائية والميكانيكية الخاصَّة بالتوجيه والمحرك.

  •  نسبة الطائرات من دون طيار المفقودة خلال العقد الأخير
     نسبة الطائرات من دون طيار المفقودة خلال العقد الأخير

أما في ما يتعلَّق بظروف الإسقاط، فيلاحظ من البيانات المتوفّرة أنَّ نسبة الطائرات من دون طيار المفقودة خلال عمليات قتاليَّة ارتفعت بشكل حاد منذ العام 2017 وحتى الآن، في حين أنَّ نسبتها في الفترات السابقة كانت أقل مما يمكن، ما يعد دليلاً واضحاً على زيادة اعتماد الجيوش حول العالم على هذه النوعية من التقنيّات العسكريّة.